فجر يوم جديد: «دُرر السينما المصرية»!
لا يمكن إطلاق صفة «العبقرية» على ممثلي السينما المصرية في المطلق، لكن تقتضي الموضوعية التوقف عند مراحل بعينها، والحكم على اجتهادات أجيال مختلفة في حقب زمنية متعاقبة شهدت تميزاً لأسماء موهوبة فرضت نفسها على الساحة، بحيث لا يمكن تجاهلها مهما مرت السنون، فمن ينكر الدور الذي أدته فاطمة رشدي في نهاية العشرينيات من القرن الماضي عندما قدمت «فاجعة فوق الهرم» ثم فيلمها الأبرز «العزيمة»، الذي أنتج في الثلاثينيات، ومن يجرؤ على تجاهل أعظم من قدمن دور الأم على الشاشة الفضية، مثل: دولت أبيض، أمينة رزق، فردوس محمد وعزيزة حلمي، وفي مرحلة لاحقة كريمة مختار ومحسنة توفيق، اللواتي دخلن القلوب، وجعلن كل مشاهد يستشعر أن كل واحدة منهن، بأدائها الصادق وتلقائيتها وعدم افتعالها، هي أمه الحقيقية على أرض الواقع، ومعهن تأتي ماري منيب التي جسدت دور «الحماة» باقتدار، ولم تسجن نفسها في أداء ثابت، بل نوعت أدوارها بين الكوميديا والتراجيديا، وعلى النقيض منهن جميعاَ كانت نجمة إبراهيم، التي حطمت الصورة التقليدية للمرأة التي تحرص على تأنقها وجمالها، وتخصصت في تجسيد أدوار الشر!في المقابل عرفت السينما المصرية «العمالقة» الذين أثروا مسيرتها بأدوار تحولت إلى علامات مضيئة، كما سليمان نجيب، حسين رياض، صلاح منصور، محمود مرسي وزكي رستم، الذي جسد أدوار الخير بنفس درجة الإجادة التي أظهرها في تقمص أدوار الشر، ولم يكن عادل أدهم سوى نسخة معدلة منه، ولهذا السبب صار خليفته، وانتزع، بجدارة، لقب «البرنس»، في حين اختار محمود المليجي نهجاً آخر في تجسيد أدوار الشر لكن مخرجين قليلين، على رأسهم حسن الإمام في «الخطايا» ويوسف شاهين في «الأرض»، نجحوا في إظهار جانب آخر من إمكاناته وقدراته، وانتزعوا من داخله «الطيب الذي لم يعرفه أحد» بينما أدرك فريد شوقي من تلقاء نفسه أن الزمن تجاوز مرحلة «شجيع السيما» و{ملك الترسو» فما كان منه سوى أن اتخذ قراراً جريئاً بالتحول إلى أدوار الأب المغلوب على أمره، كما في فيلم «بالوالدين إحسانا»، أو رجل الأعمال الطاغية، كما في «الغول»، وتنوعت أعماله بالشكل الذي حافظ على بقائه واستمراره على الساحة، وهو ما فعله القدير كمال الشناوي، الذي أنهى مسيرته بشكل مغاير تماماً لما ظهر عليه في أدواره الأولى!
مرحلة الغاية والاستعراض هو الوصف الذي يمكن إطلاقه على الحقبة التي شهدت ظهور ممثلات مصريات تأثرن بنجمات السينما العالمية، وآثرن محاكاتهن، ونجحن في ذلك، مثلما فعلت: تحية كاريوكا، ليلى مراد، هند رستم وهدى سلطان لكن مع اندلاع ثورة يوليو 1952 تغيرت مواصفات البطلة المصرية، وغادرت فاتن حمامة سجن الفتاة المغلوبة على أمرها لتقدم «لا أنام» و{الباب المفتوح» وقدمت ماجدة «المراهقات» و{ثورة اليمن» ومريم فخر الدين «رد قلبي» ونادية لطفي «الناصر صلاح الدين» و{النظارة السوداء» لكن مع ظهور سعاد حسني اختلفت الصورة تماماً، وأصبحت ابنة الطبقة المتوسطة رمزاً للمرأة المصرية على الشاشة، وهو ما حرصت عليه نبيلة عبيد ثم يسرا وأخيراً منى زكي لكن بصورة أخرى، إذ ظلت سعاد حسني أو «السندريلا» الفتاة ثم المرأة الناضجة التي أسرت العقول، وتربعت في القلوب، وكانت نموذجا لـ «الفنانة الشاملة»! «الكوميديان» هو اللقب الذي نجح عدد قليل من ممثلي السينما المصرية في انتزاعه، بحيث يمكن القول إنه على الرغم من وفرة الأسماء التي قدمت نفسها في هذا اللون إلا أن عدداً لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة برهن على موهبته في الوصول إلى الناس، بالضحكة الراقية، والابتسامة الصافية، مثلما رأينا في أدوار نجيب الريحاني وإسماعيل ياسين وعادل إمام ومحمد هنيدي، وإن اختلفت درجة براعتهم في المزج بين الكوميديا والتراجيديا تبعاً لمواهبهم ودرجة وعيهم، والعصر الذي أفرزهم، وهو ما ينطبق على أصحاب لقب «الفتى الأول» أو{الدونجوان» الذي عرفته السينما على امتداد مراحلها، وإن تنوعت مظاهره، وسماته، فالاختلاف كبير بين المرحلة الرومانسية، التي لمع خلالها أحمد سالم، حسين صدقي، عماد حمدي، رشدي أباظة، شكري سرحان وعمر الشريف، ومرحلة «الولد الشقي»، التي انطلق فيها أحمد رمزي وحسن يوسف ثم مرحلة «الفتى الوسيم»، التي كان نجومها : محمود ياسين، حسين فهمي ونور الشريف ثم محمود عبد العزيز قبل أن يحطم أحمد زكي الأسطورة، وينجح بموهبته الخارقة في تكريس مواصفات جديدة للنجم «ابن الشعب» المهموم بواقعه، الغارق في أفراحه وأتراحه، والمشتبك مع انتصاراته وانكساراته، ومع تغير المعايير أصبح الطريق مفروشاً بالورود أمام ظهور أسماء جديدة مثل: محمود حميدة، الذي وضع قواعد جديدة للممثل الذي يضع على رأس أولوياته الدراسة والثقافة وإجادة اللغة الأجنبية ومع ظهور أحمد حلمي اكتمل عقد الموهوبين في السينما المصرية!