اعترض د. صلاح الخالدي في حديثه عن المأخذ السادس عشر للإسلاميين، على موقف سيد قطب "المعتدل" من تكفير الكتابيات! فقد ذهب سيد قطب إلى أن المسيحية أو اليهودية التي تعتقد أن الله ثالث ثلاثة، أو أن "المسيح" ابن الله أو "عُزيرا" ابن الله، هي مشركة لا يحلّ شرعاً الزواج منها، ويبين قطب أنه يخالف رأي الجمهور في هذه المسألة.

فهناك خلاف فقهي يقول د. الخالدي، في الكتابية التي تعتقد أن الله ثالث ثلاثة، أو أن الله هو المسيح بن مريم، أو أن "عُزيرا" ابن الله. ويختلف الفقهاء أهي مشركة يحرم الزواج منها، أم من أهل الكتاب؟

Ad

المسيحية... كافرة!

ويميل سيد قطب إلى ترجيح تحريم الزواج من الكتابية، ويعترض د. الخالدي على "تساهل" سيد قطب! فيقول "إن اختيار سيد قطب غير مقبول أو مسلم به، لأن فيه تعطيلا للآية التي تبيح نكاح الكتابيات في سورة المائدة"، ويضيف: "ثم إننا لسنا مع ابن عمر وسيد قطب في اعتبار الكتابية مشركة بل إنها كافرة".

لا تعليق... إن كان هذا حال الأكاديميين الإسلاميين الفلسطينيين!

المأخذ السابع عشر للإسلاميين على "تفسير الظلال"، عدم وضوح بعض عبارات سيد قطب وتشبيهاته في تفسيره، واستخدامه بعض الصور الأدبية يقولون: "من تلك العبارات: قوله عن توكل المؤمن على ربه واطمئنانه إلى موقفه وطريقه: "إنها كلمة المطمئن إلى موقفه وطريقه، المالئ يديه من وليه وناصره، المؤمن بأن الله الذي يهدي السبيل لا بد أن ينصر وأن يعين...".

ومنها قوله عن وجوب عودة الفطرة البشرية إلى الله... "البشرية التي لن تجد الرشد، ولن تجد الهدى، ولن تجد الراحة، ولن تجد السعادة، إلا حين ترد الفطرة البشرية إلى صانعها الكبير، كما ترد الجهاز الزهيد إلى صانعه الصغير". ومنها تعبيره عن العلاقة بين الله وعباده المؤمنين: "حين يرفع عباده الذين يؤثرونه ويحبونه إلى مرتبة يتحرج القلم من

وصفها لولا أن فضل الله يجود بها.. مرتبة الصداقة.. الصداقة بين الرب والعبد.. ودرجة الود من الله لأودائه وأحبائه المقربين".

خبر الآحاد

المأخذ الثامن عشر موقف سيد قطب من خبر الآحاد، أي الأحاديث غير المتواترة، وأنه لا يؤخذ به في العقيدة،

فتبعا لهذا الموقف من خبر الآحاد أنكر سيد قطب أن يكون الرسول، صلى الله عليه وسلم، قد سُحر، لأن هذا الأمر، يقول سيد قطب، أمر اعتقادي، وكون الرسول قد تأثر بالسحر، يضيف سيد قطب، " يتعارض مع عصمته"، ولذلك يقول د. الخالدي رد قطب الحديث الذي يقرر حادثة السحر، رغم أنه حديث صحيح.

عقيدة سيد قطب

ويخصص د. الخالدي فصلا كاملاً لمناقشة "عقيدة سيد قطب" يقول فيه: "ثار الجدل كثيراً حول عقيدة سيد قطب، وأطلق بعضهم اتهامات لسيد في عقيدته أخرجوه بسببها من الفهم السلفي للعقيدة، وأخرجه بعضهم من أهل السنّة والجماعة، وأخرجه بعضهم من الهدى إلى الضلال، بل إن بعضهم سمح لنفسه أن يخرجه من الإيمان إلى الكفر...".

ويضيف: "وفي عصرنا الحديث وجه لسيد قطب اتهامات عديدة في عقيدته، حيث حرص بعضهم على نقل الخلاف مع سيد وفكره من الدائرة الإسلامية المأمونة في الخلاف إلى الدائرة الأخرى، التي توقف سيد متهما في إيمانه ودينه".

وعن أبرز النقاط يقول د. الخالدي: "وأهم الاتهامات ضد سيد قطب في عقيدته هي: أنه ليس سلفياً في عقيدته، وأنه أشعري العقيدة- الأشاعرة ليسوا من أهل السنّة والجماعة في تصنيف هؤلاء- وأنه يؤول آيات الصفات، وأنه يرى أن العمل شرط في الإيمان، وأنه يرى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأنه يقول بوحدة الوجود، وأنه يرفض الأخذ بخبر الآحاد، وأنه يحارب "علم الكلام" الذي يعرض العقيدة، وأنه ينكر صفات الله، وأنه يخالف السابقين في توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، وأنه يكفّر المسلمين، وأنه معتزلي في عقيدته، وأنه مع الخوارج في عقيدته... وأنه... وأنه... إلخ".

د.الخالدي... وحرية الفكر

ومما يدهش القارئ أن د. الخالدي يتحول في هذا الفصل من الكتاب الذي يتناول "عقيدة سيد قطب"- وفي معترك دفاعه عن اختيارات سيد قطب الفقهية والعقيدية، وضمن تصدي د. الخالدي لخصوم قطب ونقاده- إلى "مدافع ليبرالي" قوي البيان عن حرية الفكر والعقيدة، دون أن ينتبه إلى أن لا سيد قطب ولا د. الخالدي نفسه من المتعاطفين أو المؤيدين حقا لحرية الفكر والعقيدة!

فيقول د. الخالدي مستشهداً بما جرى في التاريخ: "وفي تاريخنا الإسلامي صفحات سوداء من مواقف هؤلاء- على اختلاف فئاتهم وطوائفهم- واضطهادهم لعلماء مشهورين في الفكر الإسلامي، واكتفى بالإشارة إلى بعض تلك الصفحات التي سجلت جريمة المعتزلة في فتنة "خلق القرآن" وضحايا هذه الفتنة من العلماء، وما وقع لهم من سجن وتعذيب واضطهاد وتشريد، ووصلت ببعضهم إلى إزهاق روحه ليذهب شهيداً إلى ربه، كما أشير إلى اضطهاد إمام المفسرين الطبري واتهامه في عقيدته وشغب الحنابلة عليه، وإلى اضطهاد الكرّامية للإمام الرازي في حياته وبعد مماته، وإلى اتهام بعضهم في عقيدته، حيث أوصله ابن تيمية- رحمه الله- إلى الشرك بالله وعبادة النجوم والكواكب... وأشير إلى محنة ابن تيمية نفسه، ومواجهته لفئات مختلفة اتهمته في عقيدته، وبقي مظلوماً في سجنه إلى أن لقي ربه".

هل يبدو من فكر د. الخالدي ومنهجه التحليلي، عندما "وضع تفسير الظلال في الميزان" كما قال، أي التزام خارج إطار فكر الجماعات الإسلامية وفكر الإخوان؟

أترك الجواب لمن يحب أن يدرس كتاب د. الخالدي!

قطب... والناسخ والمنسوخ

المأخذ التاسع عشر وهو في اعتقادي مفاجأة دينية أو تفسيرية متوقعة من سيد قطب، أي موقفه الرافض للنسخ في القرآن الكريم، وميله إلى أنه "لا نسخ في القرآن".

وكان د. صلاح الخالدي قد أفرد فصلاً في الجزء الثاني من الكتاب للحديث عن موقف سيد قطب من "مسألة النسخ"، أي نزول آية تزيل حكم الآية السابقة لها كما يقول المفسرون.

ويفاجأ القارئ بالدكتور الخالدي يقول بصراحة: "قارئ الظلال بتمعن لا يستطيع أن يستخرج منه رأياً خاصاً لسيد في النسخ، ولا كلاماً واضحاً صريحاً محدداً حوله".

موقف مذبذب

ويضيف د. الخالدي شاكياً: "فأحيانا يرى سيد يقول بالنسخ نظرياً، وأحياناً يثبته في بعض الآيات، لكنه غالباً لا يراه في الآيات التي قالوا عنها إنها ناسخة أو منسوخة، فيعتبره من باب التخصيص، أو المرحلية في الأحكام. ولولا المواطن القليلة التي قال فيها بالنسخ، لجزمنا أن سيد مع منكري النسخ، الذين يعتبرونه تخصيصاً في الآيات التي أثبته جمهور العلماء فيها، ولكن طالما أثبته في هذه المواطن- النادرة- فلا ندخله في سلك المنكرين للنسخ، ولكننا- بسبب رفضه النسخ في معظم الآيات التي فيها نسخ عند جمهور العلماء- لا نستطيع أن نجعله مع الجمهور في إثباتهم للنسخ أيضا، وبهذا يظهر لنا: أن له فهما خاصا للنسخ".

ويضيف د. الخالدي "حتى الآية التي استدل بها على النسخ، لا نستطيع أن نكوّن من تفسير سيد لها رأياً خاصاً له في النسخ نفياً أو إثباتاً.

ففي تفسيره لقوله تعالى: "مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا"، سجل كلاماً قبل البدء بتفسيرها أثبت فيه النسخ، وذلك قوله: "وكانت الحملة- كما أسلفنا- تتعلق بنسخ بعض الأوامر والتكاليف وبخاصة عند تحويل القبلة إلى الكعبة، الأمر الذي أبطل حجتهم على المسلمين...".

وبعد قليل أطلق على تغيير الأحكام لفظاً جديداً هو "تعديل بعض الأوامر والتشريعات والتكاليف، وذلك إلى جانب "النسخ" فيقول: "فإن القرآن يبين هنا بياناً حاسماً في شأن النسخ والتعديل، وفي القضاء على تلك الشبهات التي أثارتها يهود...). (ص 349-350-ج2).