تدّعي هيلاري كلينتون أن الشؤون الخارجية تشكل ساحة مواجهة أساسية ضد دونالد ترامب، مخصصةً خطابها المهم الأول خلال حملة الانتخابات العامة لهذه المسألة، لكن الخبرة تختلف عن النجاح، مع أن كلينتون قلما تفرّق بينهما.خلال السنوات السبعين الأخيرة، عمل المرشحون الرئاسيون عموماً كمصممين داخليين يعملون ضمن إطار بنية السياسة الخارجية الأميركية القائمة، لكن الوضع يختلف مع ترامب، صحيح أننا لا نعرف يقيناً ما إذا كان معظم الأميركيين يؤيدون وجهات نظره، إلا أن من الواضح أن ترشحه يأتي في وقت نشهد فيه انقساماً كبيراً بين الشعب الأميركي بشأن دور الولايات المتحدة الضخم في العالم.
فقد كشف استطلاع رأي أجراه أخيراً معهد بيو أن غالبية الأميركيين يدعمون عضوية الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي ومشاركتها في القيادة حول العالم، لكن 49% من الأميركيين يذكرون في الوقت عينه أن تدخُّل الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي سيئ لأنه يؤدي إلى انخفاض الأجور ويكلّف الولايات المتحدة الوظائف، في حين يعتقد 44% أن هذا التدخُّل جيد لأنه يؤمن للبلد أسواقاً جديدة ونمواً اقتصادياً، كذلك يريد 57% أن "تعالج الولايات المتحدة مشاكلها وتترك الدول الأخرى تعالج مشاكلها الخاصة بأفضل ما يمكنها"، في المقابل يشعر 37% أن "على الولايات المتحدة مساعدة دول أخرى في معالجة مشاكلها".تعود المرة الأخيرة التي كانت فيها مناظرة السياسة الخارجية في الانتخابات الرئاسية الأميركية واسعة الأفق إلى هذا الحد إلى عام 1952، حين حاول سيناتور أوهايو روبرت تافت للمرة الثالثة الفوز بترشيح الحزب الجمهوري. في تلك المرحلة، وصف أرثر شليسنجر الابن في صحيفة "ذي أتلانتيك" تافت بـ"الانعزالي الجديد" الذي أقر بتردد بأن الولايات المتحدة لا تستطيع الانسحاب من الشؤون الدولية بعد فظائع الحرب العالمية الثانية، إلا أنه مقت أعمدة السلطة الجديدة في عالم ما بعد الحرب، منها الأمم المتحدة، وحلف شمال الأطلسي، والكثير غيرهما.ما زال أمام هيلاري كلينتون الكثير من العمل لتقوم به كي تثبت صواب دعمها سياسة التعاون الدولية: تجميل المنزل بدل هدمه، فقد شمل خطابها الأخير في مجال السياسة الخارجية عدداً من الافتراضات التي لم يعتبرها أيزنهاور المنطقي من المسلمات عندما كان النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة قيد التشكّل.أعلنت كلينتون أن الخيار في انتخابات عام 2016 يقع "بين دولة أميركية خائفة أقل أماناً ومشاركةً في شؤون العالم ودولة أميركية قوية وواثقة من نفسها تتولى القيادة لتبقي بلدنا آمناً واقتصادنا نامياً". ولكن لمَ في القرن الحادي والعشرين تُعتبر القيادة الأميركية القوية في العالم (نعم، مفاوضات كلينتون النووية مع روسيا ولكن أيضاً دعمها التدخل العسكري الأميركي في ليبيا)، مطلباً ضرورياً لننعم بالأمان والازدهار؟ من الضروري تقديم الحجج والتوضيحات في هذا المجال، إلا أن كلينتون لم تتناولها في خطابها الأخير (مع أنها قدّمت دفاعاً مفصّلاً عن نظام تحالف الولايات المتحدة الفريد والفوائد التي يجنيها البلد منه). أعلنت كلينتون في مناسبة أخرى: "إن لم تتولَّ الولايات المتحدة القيادة فسنواجه فراغاً، وسيؤدي هذا الفراغ إلى الفوضى أو إلى مسارعة دول أخرى إلى ملء هذا الفراغ، وستصبح هذه الدول عندئذٍ صاحبة القرار بشأن حياتنا ووظائفنا وأمننا. وصدقوني! لن تكون الخيارات التي ستتخذها هذه الدول لمصلحتنا"، كذلك وصفت كلينتون بحماسة "ترامب المتوتر في غرفة الحالات الطارئة"، إلا أنها لم تبذل الجهد الكافي لتحدد التغييرات التي ستطرأ على حياة الأميركيين ووظائفهم وأمنهم في ظل الهيمنة الصينية مثلاً.أكدت كلينتون: "صدقوني! على الولايات المتحدة أن تتولى القيادة"، ربما كانت هذه الفكرة ستلقى الرواج خلال الانتخابات الماضية، إلا أنها قد لا تكون كافية ضد خصم يصرّ على أننا نعجز عن الوثوق بالقادة الأميركيين وأن قيادة الولايات المتحدة العالمية فاشلة.* «ذي أتلانتيك»
مقالات
هيلاري وأفضلية السياسة الخارجية
16-06-2016