قد لا يشعر زعيم التيار الصدري بالقلق كثيراً من التعرض للعزلة السياسية، لأنه جربها مراراً، ولأنه أيضاً يحاول عزل نفسه عن "الطبقة الفاسدة"، التي قد تواجه انتفاضة عارمة، لو عجزت الحكومة العراقية عن حفظ الحد الأدنى من الأجور والخدمات هذا الصيف، وسط حرب طاحنة مع "داعش".

لكن مقتدى الصدر، كما يبدو شعر بضرورة الاحتفاظ بخيط تواصل، أولاً مع حكومة حيدر العبادي، التي تخوض معارك متصاعدة مع تنظيم داعش غرب بغداد، وجنوب الموصل، وهي معارك دعمتها المرجعية الدينية في النجف، وطالبت بإسنادها وعدم "التشويش عليها" لا باقتحامات لمقرات الحكومة، كما فعل ذلك أنصار الصدر، ولا بسجالات سياسية.

Ad

ولم يكن أحد يعلم كيف ستتطور الاحتجاجات المدعومة من الصدر، خصوصاً حين وصل الأمر لقيام المتظاهرين بإغلاق مقرات أحزاب شيعية في بغداد والبصرة والنجف ومدن أخرى، حتى أن مراقبين بدأوا يتحدثون بنحو جاد عن تصادم مسلح وشيك داخل الطائفة الشيعية لن يعرف أحد كيفية إخماده.

لكن الصدر، وبعد وساطات تناقلتها المصادر العراقية، قرر أن تتوقف المظاهرات في النجف حفظاً "لمكانتها الدينية"، حيث منزل المرجع الأعلى علي السيستاني، ثم عاد بسرعة وطلب عدم التعرض لمقرات الأحزاب، بل واقترح تأجيل المظاهرات إلى ما بعد رمضان وعيد الفطر، "اتقاء للفتنة"، وهو ما اعتبر رسالة لمنافسيه الآخرين بأنه مستعد للحوار حول شكل الحكومة الجديد قبل انتهاء شهر رمضان، وحتى حين أصرّ بعض النشطاء على التظاهر في ليالي رمضان، فإنه أصدر أكثر من بيان يعرب فيه عن "مخاوفه" من فقدان الحراك لسلميته، في إشارة إلى ضرورة التهدئة.

وهناك من يتساءل: من سيتحاور مع الصدر بعد الأزمة العميقة التي حصلت بينه وبين حلفائه المفترضين الشيعة بسبب التعديل الوزاري الناقص، الذي أدخل الحكومة والبرلمان في متاهة قانونية وسياسية، أججها أتباعه، حين اقتحموا البرلمان مرة، ثم اقتحموا مقر مجلس الوزراء في مناسبة لاحقة؟.

وإذ اكتفى الساسة بتأجيل الصدر للمظاهرات، مانحاً حلفاءه الإسلاميين فرصة لالتقاط الأنفاس، فقد وقع الجميع في ورطة أخرى، حين تحدث رجل دين باسمه في خطبة الجمعة الماضية، مطالباً بتقييد قطاع الترفيه الهزيل في بغداد، وإغلاق محلات بيع الكحول، التي يديرها المسيحيون في بغداد، "نهائياً"، وبعد صلاة الجمعة، قام بعض المتشددين بكتابة عبارات تهديد على مخازن المسيحيين في العاصمة.

لكن الصدر عاد نهار الاثنين، وحاول تصحيح المطالب، التي وردت على لسان خطيب الجمعة، الذي يمثله، فأصدر بياناً جدد فيه أنه يريد طابعاً سلمياً للمظاهرات، وينتهز هذا للتنبيه إلى أنه يرفض استخدام العنف في إغلاق البارات والملاهي المغلقة أصلاً في رمضان، معتبراً أن ذلك قد يقود إلى فتنة كبيرة.

والحقيقة أن العديد من الناشطين العلمانيين، اندفعوا لتأييد مظاهرات الصدر واقتحام البرلمان ثم مقر الحكومة والاعتصام أمام "المنطقة الخضراء"مع أنصاره، لكنهم أصيبوا بحرج كبير، حين تحدث زعيم التيار الديني عن تقييد "بإجراء نهائي" للحريات ومتاجر المسيحيين، وبدأ خصوم أنصار الاحتجاجات المدنية يسخرون منهم، ومن الصدر "حليف العلمانيين، الذي يطالب بتقييد الحياة المدنية".

ويبدو أنه شعر بهذا الحرج، الذي يفتح ضده جبهة إضافية، وأشار في بيان إلى رفضه استخدام العنف في التعامل مع قطاع الترفيه، في إشارة تبدو "ترضية" للناشطين المدنيين، دون أن تجيب على قلق عام بشأن ارتباك عميق يعيشه الجناح المعتدل داخل السياسة العراقية، سيمنح فرصاً عديدة لاحتمالات الفوضى والعنف داخل المناطق العراقية، التي لا تعاني الحرب.