مواجهة التهديد العالمي للديمقراطية

يتعين على الحكومات الابتعاد عن الشركات التي لا تقوم بواجبها، وعلاوة على ذلك يجب تعديل قواعدها الخاصة لإثبات حيادها، وستتطلب القوانين التنظيمية القوية استثمارات ضخمة في مؤهلات الحكومة والخدمات القانونية المدعمة لذلك.

نشر في 16-06-2016
آخر تحديث 16-06-2016 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت في جميع أنحاء العالم يقوم الشعبويون بجذب الأصوات عن طريق الوعود الكاذبة بحماية الناس العاديين من الحقائق القاسية للعولمة، مؤكدين أن المؤسسة الديمقراطية لا يمكن الوثوق بها لتحقيق هذا الغرض، لأنها منشغلة جدا بحماية الأثرياء، وهذا سلوك قامت العولمة بتعزيزه.

وعلى مدى عقود ظن المراقبون أن العولمة ستجلب المنافع للجميع، وعلى الصعيد الدولي ساعدت على صعود النمور الآسيويين ودول البريكس (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا)، كما أنتجت النمو السريع في جميع أنحاء إفريقيا، وسهلت الرواج في البلدان المتقدمة حتى عام 2007، كما خلقت فرصاً جديدة ونموا مرتفعا داخل البلدان، لكن منذ الأزمة المفاجئة عام 2008، عانت العديد من الدول الغنية التقشف، وبدأت الاقتصادات الآسيوية بالانخفاض، كما تراجع تقدم دول بريكس، ولجأت العديد من البلدان الإفريقية إلى الدين الخارجي.

وقد ساهم كل هذا في ارتفاع عدم المساواة الذي أدى إلى الاحتقان، وقد قام إيمانويل سايز وغابرييل زوكمان بدراسة هذه المسألة في الولايات المتحدة، ووجدا أن فجوة الثروة أضحت أوسع بكثير من أي وقت مضى منذ الكساد الاقتصادي الكبير، إذ أصبحت أغنى 1 في المئة من الأسر تملك الآن تقريبا نصف ثروة البلاد.

وفي المملكة المتحدة، وحسب تقرير مكتب الإحصاءات الوطنية، تبين أنه في الفترة ما بين 2012 و2014، كانت أغنى 10 في المئة من الأسر تملك 45 في المئة من إجمالي ثروات الأسر الإجمالية، ومنذ يوليو 2010، ارتفعت الثروات العليا بوتيرة أسرع ثلاث مرات من التي في الأسفل بنسبة 50 في المئة من السكان.

أما في نيجيريا، فقد ساعد النمو الاقتصادي المذهل، والذي بلغ في المتوسط 7 في المئة سنويا منذ عام 2000 في خفض معدل الفقر في الجنوب الغربي من البلاد، ولكن في الشمال الشرقي (حيث تنشط الجماعة المتطرفة التي تدعى بوكو حرام بشكل كبير)، ظهرت مستويات مروعة من التفاوت في الثروة والفقر، وأضحت اتجاهات مماثلة واضحة من الصين إلى مصر إلى اليونان.

وإلى جانب عدم المساواة فإن تراجع ثقة الناس أثار الغضب ضد العولمة والديمقراطية، وفي كل من العالم المتقدم والعالم النامي، يعتقد البعض أن الأغنياء يزدادون غنى لأنهم لا يخضعون للقواعد نفسها مثل الآخرين.

ليس من الصعب معرفة السبب، فمع تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي تم خرق القانون بشكل واضح من أولئك الذين يحتلون الصدارة. في المملكة المتحدة أشعلت "أمازون"، و"ستاربكس"، و"غوغل" الغضب الشعبي في عام 2013 لاستخدام الثغرات قصد التنصل الضريبي، مما دفع الحكومة البريطانية لاعتماد إعلان الضرائب G8 والذي يهدف إلى الحد من التهرب والتجنب الضريبي. وفي عام 2015 كشفت مراجعة للشركة الوطنية للبترول النيجيرية التابعة للدولة أن نحو 20 مليار دولار من الإيرادات لم يتم تحويلها إلى السلطات في ظل الإدارة السابقة.

فالمشكلة تبدو كونية، وقد كشفت وثائق بنما هذا العام كيف يخلق الأغنياء العالميون الشركات الخارجية السرية، وذلك عبر السماح لهم بتجنب التدقيق المالي والضريبي، وقد واجهت أكبر البنوك في العالم غرامات غير مسبوقة في السنوات الأخيرة لانتهاكاتها الصارخة للقانون.

ولكن على الرغم من الدعاية السلبية الناتجة عن مثل هذه الحالات، لم يخضع أحد تقريبا للمساءلة، لما يقرب من عشر سنوات بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، تم سجن مدير بنك تنفيذي واحد فقط، فالعديد من المصرفيين قاموا باتباع مسار مشابه لفريد غودوين، رئيس رويال بنك سكوتلاند البريطاني، الذي تسبب في خسائر تفوق 24.1 مليار جنيه إسترليني ما يعادل (34.2 مليار دولار)، ثم استقال ليستفيد من معاش تقاعدي ضخم. الناس العاديون، مثل الأب لثلاثة أبناء، الذي تم سجنه في المملكة المتحدة في سبتمبر 2015 بسبب تكديسه مبلغ 500.000 جنيه إسترليني من ديون القمار، لا يحظون بمثل هذه الحصانة.

كل هذا يساعد في تفسير سبب الحركات المناهضة للإدارة التي تكتسب القوة في جميع أنحاء العالم، هذه الحركات تتشارك الشعور بالحرمان، شعور بأن "المؤسسة" عاجزة عن معاملة المواطنين العاديين معاملة عادلة، وهم يشيرون إلى نتائج الانتخابات ''التي تم شراؤها'' من المصالح الخاصة، وإلى الأطر القانونية والتنظيمية الغامضة التي تبدو مزورة لمصلحة الأغنياء، مثل الأنظمة المصرفية التي تخول للمؤسسات الكبيرة فقط التنقل والتفاوض سرا بشأن معاهدات الاستثمار.

وقد سمحت الحكومات للعولمة، وأصحاب الثروة المتنقلون، بالتفوق عليها، فالعولمة تتطلب التنظيم وحسن التدبير، كما تستوجب رجال أعمال مسؤولين وتعاون عالمي عميق وفعال، وعندما فشلت الحكومات في التعاون سنة 1930، توقفت العولمة بصفة مفاجئة.

وقد تطلب ذلك سلسلة من الجهود الدقيقة والعالية التدبير بعد الحرب العالمية الثانية، بقصد فتح الاقتصاد العالمي والسماح للعولمة بالانطلاق مرة أخرى، ومع ذلك، في وقت حررت العديد من البلدان التجارة، أكدت ضوابط رأس المال أن "الأموال الساخنة" لا يمكن أن تتفاعل داخل اقتصاداتها وخارجها. وفي الوقت نفسه، استثمرت الحكومات العائدات في تشجيع جودة التعليم، والرعاية الصحية، وأنظمة الرعاية الاجتماعية التي أفادت الكثير. ومع تطور أعمال الحكومة، تعززت الموارد أيضا.

ومع حلول سنة 1970، أصبح زعماء البلدان الغنية في كل من الحكومة وقطاع الأعمال راضين عن أنفسهم، وقد أخذوا بجدية التوازنات الذاتية وأسواق التقييد الذاتي التي من شأنها تحقيق النمو المستمر، وفي الوقت الذي انتشرت فيه عقائد أرثودكسية جديدة للقطاع المالي، كان العالم يعاني أزمة حقيقية. لكن مع الأسف فقدت الكثير من الحكومات بالفعل القدرة على إدارة العناصر التي قامت بإطلاقها مسبقا، كما فقد كبار رجال الأعمال إحساسهم بالمسؤولية اتجاه رفاهية المجتمعات التي أعطتهم الكثير.

وفي عام 2016، نكرر أنه، من الناحية السياسية، تحتاج العولمة إلى تدبير محكم ليس فقط للسماح للفائزين بالفوز، ولكن أيضا للتأكد من أنهم لا يقومون بأعمال الغش أو بإهمال مسؤولياتهم تجاه مجتمعاتهم، لا يوجد مكان للسياسيين الفاسدين الذين يسعون وراء إرضاء كبار رجال الأعمال الفاسدين.

إن استعادة الثقة لن تكون بالأمر السهل، وعلى كبار رجال الأعمال الحصول على "رخصة للعمل" من المجتمع ككل، والمشاركة علنا في المحافظة على الظروف التي تدعم ازدهارهم، ويمكنهم البدء بدفع الضرائب المستحقة عليهم.

ويتعين على الحكومات الابتعاد عن الشركات التي لا تقوم بواجبها، وعلاوة على ذلك يجب تعديل قواعدها الخاصة لإثبات حيادها، وستتطلب القوانين التنظيمية القوية استثمارات ضخمة في مؤهلات الحكومة والخدمات القانونية المدعمة لذلك.

وأخيرا، فإن التعاون الدولي سيكون حاسما، ولا يمكن الاستغناء عن العولمة، ولكن بفضل التزام قوي ومشترك يمكن التحكم فيها.

نايري وودز Ngaire Woods

«بروجيكت سنديكيت، 2016» بالاتفاق مع «الجريدة»

النمو الاقتصادي المذهل في نيجيريا والبالغ 7% سنوياً ساعد منذ عام 2000 في خفض معدل الفقر في البلاد
back to top