بغياب الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني الحرة، أي التي لا تتكئ على أريحية الدولة ومعوناتها، وأيضاً بغياب الإعلام الحر، بسبب قوانين القمع (مطبوعات، جزاء، المدونات، المرئي والمسموع) هناك اتفاق على أن مجلس الأمة، رغم أنه جاء بعملية قيصرية من السلطة، يمثل السياسة بالكويت. على ذلك إذا أردت أن تبحث عن المكان الوحيد بالكويت الذي تمارس فيه الثقافة السياسية بحرية نسبية فليس هناك غير قاعة عبدالله السالم.

ماذا تقول لنا هذه الثقافة السياسية حين تكون في حالة عصابية متشنجة، وماذا يمكن أن تخبرنا حين تكون في حالة هدوء وتفكر. شاهدنا هذه الثقافة السياسية الرفيعة في الحالة الأولى (العصابية) تتجسد بالعقل (جمع عقال ولا علاقة للكلمة هنا بالعقل والعقلانية) والنعل الطائرة تتداول بين بعض النواب كوسيلة للتحاور بينهم، وما بين تبادل عمليات القذف النعالي وكتيب اللائحة الداخلية الذي خلق لضبط الجلسات قانوناً عبر القراءة وليس كسلاح طائر في الهواء، بهدف إيذاء وتحقير نائب ما، تطل علينا عبارات سب وتحقير "مثل كل تبن" و"أدوسك وادوس على راسك"، بحيث يصبح الرأس رمز الارتفاع والكرامة مكاناً يطأ عليه البطل الدواس المنتصر، ويحشر ما بين عبارات السب والشتم الملتهبة النظرة الدونية للمرأة بعبارات التحقير، مثل "انت منين جاي إذا كان يتعامل مع حريم، هنا رجال"، على ذلك يصبح التعامل مع "الحريم" من مفردات قاموس الشتم في مجتمع "هنا الرجل".

Ad

الخطاب عن المرأة محدد لا بوضعها الطبيعي "كشخص إنسان" لها حقوق متساوية مع الذكر أو يفترض هكذا، وإنما بوصفها "حرمة" من أصل كلمة تحريم ومنع وحظر و"تابو" محرم، وهي المرأة أيضاً تصبح موضوعاً للوطء أي الدوس عليها كما تداس الأرض، عندها تكتمل المنظومة الفكرية للنواب المتعاركين حين تحصر في ثقافة الدوس متمثلة في الدوس على الرأس أو الدوس على المرأة، لا فرق. مع ملاحظة أنه في بعض الموروث الثقافي الرائع، إذا تم ذكر كلمة نعال، يختم المتحدث عبارته بكلمة "يكرم السامع" وأيضاً تكرر مثل هذه العبارة حين يتم ذكر المرأة أحياناً.

في الحالة الثانية الهادئة للنواب يتمدد هؤلاء على كراسيهم متفاخرين بإنجازاتهم الحقيقية كي يقول أحدهم "أنجزنا الكثير من المعاملات"، ويصحح له نائب آخر "قصدك قوانين"...! الحقيقة هي "سلب" أي زلة لسان يتغلب بها "اللاشعوري" على الأنا الواعي فينطق بالمدلول الحقيقي عند فرويد ولاكان، وهذه هي الحقيقة التي جاءت سهواً متمثلة في مجلس خدمات يخدم مصالح النواب وفئات الناخبين الذين يقولون دائماً كلمة نعم للسلطة.

بعد خمسين سنة من العمل السياسي البرلماني، لننظر بماذا انتهينا الآن، فلنبارك للسلطة على ذلك الإنجاز الحضاري العظيم.