لما كانت الليلة التاسعة عشرة بعد المئتين، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن علاء الدين بينما كان جالساً في مرتبته يوماً على عادته في ديوان الخليفة، فإذا بقائل يقول للخليفة: يا أمير المؤمنين يعيش رأسك في فلان النديم، فإنه تُوفي إلى رحمة الله تعالى وحياتك الباقية. فقال الخليفة: أين علاء الدين أبو الشامات؟ فحضر بين يديه. لما رآه خلع عليه خلعة سنية، وجعله نديمه، وكتب له جامكية ألف دينار في كل شهر، وأقام عنده يتنادم معه.

فاتفق أنه كان جالساً يوماً من الأيام في مرتبته على عادته في خدمة الخليفة، وإذا بأمير طالع إلى الديوان بسيف وترس وقال: يا أمير المؤمنين تعيش رأسك في رئيس الستين فإنه مات في هذا اليوم. فأمر الخليفة بخلعة لعلاء الدين أبي الشامات وجعله رئيس الستين مكانه.

Ad

وكان رئيس الستين لا ولد له ولا زوجة، فنزل علاء الدين ووضع يده على ماله، وقال الخليفة لعلاء الدين: واريه في التراب وخذ جميع ما تركه من مال وعبيد وجوار وخدم. ثم نفض الخليفة المنديل، وانفض الديوان، فنزل علاء الدين وفي ركابه المقدم أحمد الدنف مقدم ميمنة الخليفة هو وأتباعه الأربعون، وفي يساره المقدم حسن شومان، مقدم ميسرة الخليفة هو وأتباعه الأربعون.

التفت علاء الدين إلى المقدم حسن شومان وأتباعه وقال لهم: أنتم سياق على المقدم أحمد الدنف لعله يقبلني في عهد الله. فقبله وقال له: أنا وأتباعي الأربعون نمشي قدامك إلى الديوان في كل يوم. ثم مكث علاء الدين في خدمة الخليفة مدة أيام، فاتفق أن نزل من الديوان يوماً من الأيام وسار إلى بيته، وصرف أحمد الدنف هو ومن معه، ثم جلس مع زوجته "زبيدة العودية}، وقد أوقدت الشموع، وبعد ذلك قامت تزيل ضرورة، فبينما هو جالس في مكانه إذ سمع صرخة عظيمة، فقام مُسرعاً ليتبيّن ما هناك، فرأى زوجته زبيدة مطروحة على الأرض وقد فارقت الحياة.

وكان بيت أبيها أمام بيت علاء الدين، فسمع صرختها وسأل: ما الخبر؟ فقال له علاء الدين: عظم الله أجرك يا والدي في ابنتك زبيدة. ولما أصبح الصباح واروها التراب، وصار علاء الدين يعزي أباها، وأبوها يعزيه وقد لبس علاء الدين ثياب الحزن، وانقطع عن الديوان.

قوت القلوب

قال الخليفة لجعفر: ما سبب انقطاع علاء الدين عن الديوان؟ فأجاب الوزير: يا أمير المؤمنين أنه حزين لموت امرأته زبيدة العودية. فقال الخليفة للوزير: واجب علينا أن نعزيه، ثم نزل هو والوزير وبعض الخدم، وتوجهوا إلى بيت علاء الدين، فقام للقائهم وقبل الأرض بين يدي الخليفة.

فقال له الخليفة: عوضك الله خيراً، فقال علاء الدين: أطال الله لنا بقاء أمير المؤمنين. ولما علم الخليفة من علاء الدين أن سبب انقطاعه عن الديوان حزنه على زوجته زبيدة، قال له: ادفع الهم عن نفسك فإنها ماتت إلى رحمة الله تعالى، والحزن لا يفيدك شيئا أبداً. فقال: يا أمير المؤمنين أنا لا أترك الحزن عليها إلا إذا مت ودفنوني عندها. فقال له الخليفة: إن عند الله عوضاً عن كل مفقود، ولا يخلص من الموت حيلة ولا مال.

 ثم أوصاه بالا ينقطع عن الديوان، فلما كان اليوم التالي ركب علاء الدين وتوجه إلى الديوان، فدخل على الخليفة وقبّل الأرض بين يديه، فتحرك له الخليفة فوق الكرسي، ورحب به وحيَّاه، وأنزله في منزلته وقال له: يا علاء الدين، أنت ضيفي في هذه الليلة. ثم دخل به ودعا جارية تسمى "قوت القلوب} وقال لها: إن علاء الدين كان زوجاً لزبيدة العودية، وكانت تسليه عن الهم والغم، فماتت إلى رحمة الله تعالى، ومرادي أن تسمعيه نوبة على العود .

لما كانت الليلة العشرون بعد المئتين، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة لما قال ذلك لجاريته قوت القلوب، عملت نوبة على العود، من غرائب الموجود، لأجل أن يتسلى علاء الدين عن الهم والأحزان، فلما انتهت من نوبتها سأله الخليفة: ما تقول يا علاء الدين في صوت هذه الجارية؟ فأجاب: زبيدة أحسن صوتاً منها، إلا أنها صاحبة صناعة في ضرب العود تطرب الحجر الجلمود.

فقال له: هل أعجبتك؟ فقال: نعم أعجبتني يا أمير المؤمنين. فقال الخليفة: أنها هبة مني إليك هي وجواريها. ظن علاء الدين أن الخليفة يمزح معه، أما "قوت القلوب} ففرحت بذلك لأنها أحبت علاء الدين منذ أن رأته.

ثم دعا الخليفة الحمالين وقال لهم: انقلوا قوت القلوب في التختروان هي وجواريها إلى بيت علاء الدين، وانقلوا إليه كذلك كل أمتعتها. فنفذوا أمره، ونقلوا قوت القلوب إلى قصر علاء الدين هي وجواريها، وكان عددهم أربعين غير الطواشية، وقد دعت اثنين منهم وأمرت أحدهما بالجلوس على يمين الباب، والثاني بالجلوس على يساره، حتى إذا أقبل علاء الدين قبّلا يديه وقالا له: إن سيدتنا قوت القلوب حضرت إلى القصر، لأن الخليفة وهبها لك هي وجواريها، فقالا لها: سمعاً وطاعة. ثم فعلا ما أمرتهما به، فلما أقبل علاء الدين، وجد اثنين من طواشية الخليفة جالسين بالباب، فاستغرب الأمر، وقال لنفسه: لعل هذا ما هو بيتي؟ ولما تحقق الأمر، أرسل إلى "قوت القلوب} يقول لها: مرحباً بك، ولكن ما كان للمولى لا يصلح أن يكون للعبد.

رئيس الستين

ثم سأل عما كان مقدار مصروفها عند الخليفة في كل يوم، فعلم أنه مئة دينار، فقال لنفسه: ليس بي حاجة إلى أن يهبني الخليفة قوت القلوب، ولا أقدر على مثل هذا المصروف، ولكن لا حيلة لي في ذلك، ثم أقامت عنده بضعة أيام وهو يرتب لها في كل يوم مئة دينار.

ثم حدث أن انقطع علاء الدين عن الديوان يوماً من الأيام، فقال الخليفة للوزير جعفر: أنا ما وهبت قوت القلوب لعلاء الدين إلا لتسليه وتعوضه عن زوجته، فما سبب انقطاعه عنا؟ فقال: يا أمير المؤمنين، من لقي أحبابه نسي أصحابه. فقال الخليفة: لعله ما قطعه عنا إلا عذر، وعلينا أن نزوره.

كان علاء الدين قبل ذلك بأيام قد قال للوزير: أنا ما شكوت للخليفة ما أجده من الحزن على زوجتي "زبيدة العودية} كي يهب لي قوت القلوب. فقال له الوزير: لولا أنه يحبك ما وهبها لك. ثم سأله: هل دخلت بها يا علاء الدين؟ فقال: لا والله، ولا أعرف لها طولا من عرض. فقال له: ما سبب ذلك؟ فقال: إن الذي يصلح للمولى لا يصلح للعبد.

ثم إن الخليفة وجعفر تخفّيا، وسارا لزيارة علاء الدين، ولم يزالا سائرين إلى أن دخلا عليه فعرفهما وقام وقبل يد الخليفة، ولما رآه الخليفة وجد عليه آثار الحزن، فقال له: يا علاء الدين ما سبب هذا الحزن الذي أنت فيه، أما سررت بقوت القلوب؟ فقال: يا أمير المؤمنين، الذي يصلح للمولى لا يصلح للعبد، وإني إلى الآن لا أعرف لها طولا من عرض. فقال الخليفة: مرادي الاجتماع بها حتى أسألها عن حالها. فقال علاء الدين: سمعاً وطاعة يا أمير المؤمنين.

ثم دخل الخليفة على قوت القلوب، فلما رأته قامت وقبلت الأرض بين يديه، فقال لها: هل زارك علاء الدين؟ فقالت: لا يا أمير المؤمنين. فأمر الخليفة برجوعها إلى القصر، وقال لعلاء الدين: لا تنقطع عنا. ثم رجع الخليفة إلى قصره، ولما أصبح علاء الدين ركب إلى الديوان، فجلس في رتبته رئيس الستين، فأمر الخليفة الخازندار بأن يعطي للوزير جعفر عشرة آلاف دينار، فأعطاه ذلك المبلغ...

ثم أمر الوزير بأن ينزل إلى سوق الجواري، ويشتري لعلاء الدين بالعشرة آلاف دينار جارية، فامتثل الوزير وأخذ معه علاء الدين إلى سوق الجواري، فاتفق في هذا اليوم أن الأمير خالد والي المدينة نزل أيضاً إلى السوق لأجل شراء جارية لولده، وقد رزق به من زوجته خاتون، وهو قبيح المنظر، كريه الرائحة، بلغ من العمر عشرين سنة، ولا يعرف كيف يركب الحصان، مع أن أباه كان فارساً مشهوراً وشجاعاً.

«حَبظلَمْ بَظاظة»

كان اسم هذا الولد «حَبظلمْ بظاظة»، ولما بلغ سن الزواج، رغبت أمه في تزويجه، فقال لها أبوه: هذا قبيح المنظر، كريه الرائحة، دنس لا تقبله واحدة من النساء. فقالت: نشتري له جارية. بينما هم في السوق إذا بجارية اسمها ياسمين، ذات حسن وجمال، وقد واعتدال، في يد رجل دلال، فقال له الوزير: هي علينا بألف دينار... وقال حبظلم بظاظة لوالده: يا أبي اشتر لي هذه الجارية فإنها أعجبتني. فقال له أبوه: إن كانت قد أعجبتك فزد ثمنها. فقال: هي عليّ بألف دينار ودينار. فقال علاء الدين: هي علىّ بألفين. وصار كلما زاد حبظلم ابن الوالي ديناراً في الثمن، زاد هو ألف دينار، فاغتاظ حبظلم وسأل الدلال عمن يزيد عليه في ثمن الجارية، فقال له الدلال: إن الوزير جعفر يريد أن يشتريها لعلاء الدين أبي الشامات، وقد بلغ ثمنها عشرة آلاف دينار، وقبل سيدها هذا الثمن، وأخذها علاء الدين حيث أعتقها وعقد قرانه عليها.

أنكمد حبظلم وزادت به الحسرات، ورجع إلى البيت مريضاً من محبته لها، وارتمى في الفراش لا يذوق طعاماً ولا شرابا ولا نوماً، لفرط ما به من الوجد والهيام، فلما رأته أمه سألته: سلامتك يا ولدي ما سبب ضعفك وماذا تريد؟ فأجابها: أريد أن تشتري لي ياسمين يا أمي، فقالت له أمه: لما يمر علينا صاحب الرياحين أشتري لك حملاً كاملاً من الياسمين. فقال لها: لا أريد الياسمين الذي يشم، وإنما جارية اسمها ياسمين لم يشترها لي أبي. فقالت لزوجها: لأي شيء ما اشتريت له هذا الجارية؟ فأجابها: الذي يصلح للموالى لا يصلح للعبد... وليس لي قدرة على أخذها، فإنه ما اشتراها إلا علاء الدين "رئيس الستين}.

زاد الضعف بالولد حتى خشيت أمه عليه التلف، وحزنت حزناً شديداً، وبينما هي جالسة تبكي على ولدها، إذا بعجوز دخلت عليها اسمها أم أحمد قماقم السراق، وكان ابنها أحمد في أول أمره ينقب البيوت، ويسرق الكحل من العين، ثم عملوه مقدم الدرك، ولكن الوالي ضبطه يوماً متلبساً بسرقة، فأخذه وعرضه على الخليفة: كيف تشفع في آفة تضر الناس؟ فقال: يا أمير المؤمنين احبسه، فإن الذي بنى السجن كان حكيماً لأن السجن قبر الأحياء وشماتة الأعداء. فأمر الخليفة بوضعه في قيد إلى الممات.

وكانت أمه تتردد على بيت الأمير خالد الوالي وتدخل لابنها في السجن وتقول له: أما قلت لك تب عن الحرام؟ فيقول: إن الله قدر عليّ ذلك، ولكن يا أمي إذا دخلت على زوجة الوالي فأساليها أن تشفع لي عنده. فلما دخلت العجوز على زوجة الوالي وجدتها حزينة لما جرى لولدها حبظلم بظاظة، فقالت لها: سلامة ولدك يا سيدتي. إن عندي حيلة لطيفة لشفائه، فقالت لها: ما الذي تفعلينه؟

فقالت: لي ولد يسمى أحمد قماقم السراق، وهو مقيد في السجن الآن، فإذا أطلق سراحه فهو قادر على أن يأتي لولدك بالجارية ياسمين، وما عليك إلا أن تقابلي زوجك وتقولي له: عندك في السجن واحد مقدم اسمه أحمد قماقم وله أم مسكينة ساقتني عليك كي تشفع له عند الخليفة لأجل أن يتوب .

وأدرك شهر زاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

السارق أحمد قماقم
لما كانت الليلة الحادية والعشرون بعد المئتين، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن الوالي لما دخل على زوجته قالت له هذا الكلام، فلما أصبح الصباح، اغتسل وصلى الصبح وتوجه إلى السجن وقال لأحمد قماقم السراق: هل تتوب مما أنت فيه؟ فقال: إني تبت إلى الله ورجعت وأقول بالقلب واللسان أستغفر الله.

فأخرجه الوالي من السجن، وأخذه معه إلى الديوان وهو في القيد، ثم تقدم إلى الخليفة وقبل الأرض بين يديه فقال له: يا أمير خالد أي شيء تطلب؟ ولماذا جئت بهذا الشقي من السجن إلى هنا؟ فقال: يا أمير المؤمنين إن عمر الشقي بقي، إن له أما مسكينة ليس لها أحد غيره، وقد وقعت على عبدك كي يتشفع فيه عندك حتى تعفيه من السجن وتجعله مقدم الدرك كما كان أولاً...

فقال الخليفة لأحمد قماقم: هل تبت عما كنت فيه؟ فقال له: تبت إلى الله يا أمير المؤمنين، فأمر بإحضار الحداد وفك قيده وجعله مقدم الدرك، وأوصاه بالاستقامة، فقبل يد الخليفة ونزل بخلعة الدرك، ونادوا له بالتقديم .

وبعد أن مكث مدة من الزمان في منصبه، دخلت أمه على زوجة الوالي، فسألتها الأخيرة: لأي شيء لم يجيء ولدك بالجارية ياسمين إلى ولدي حبظلم بظاظة؟ فقامت من عندها ودخلت على ولدها، فوجدته سكرانا، وقالت له: يا ولدي ما خلصك من السجن إلا زوجة الوالي، وهي تريد منك أن تدبر أمراً في قتل علاء الدين أبي الشامات، وتجيء بالجارية ياسمين إلى ولدها حبظلم بظاظة، فقال لها: هذا أسهل ما يكون، لا بد من أن أدبر أمراً في هذه الليلة.

وكانت تلك الليلة أول ليلة في الشهر الجديد، ومن عادة الخليفة أن يبيت فيها عند السيدة زبيدة لعتق جارية أو مملوك أو نحو ذلك، فقام الخليفة وخلع بذلة الملك ووضعها مع السبحة وخاتم الملك فوق الكرسي في قاعة الجلوس، وترك بجانبها مصباحاً من ذهب فيه ثلاث جواهر منظومة في سلك من ذهب، ثم توجه إلى مقصورة السيدة زبيدة.

صبر أحمد قماقم السراق حتى انتصف الليل ونامت الخلائق، ثم أخذ سيفه في يمينه، وأخذ ملقفة في يساره، وتوجه إلى قاعة الجلوس في قصر الخليفة...

وهناك نصب سلم التسليك، ورمى ملقفة على القاعة، ثم تعلق بها حتى وصل إلى السطوح، فرفع طابق القاعة ونزل فيها، فوجد الطواشية نائمين فبنجهم، وأخذ بذلة الخليفة والسبحة والخاتم والمصباح، ثم رجع من حيث أتى، وسار إلى بيت علاء الدين أبي الشامات...

وكان علاء الدين في هذه الليلة مشغولاً بزفاف الجارية إليه، فنزل أحمد قماقم السراق على قاعة علاء الدين، وخلع لوح رخام من أرضها وحفر تحته ووضع بعض ما سرقه من قصر الخليفة، ثم أعاد اللوح الرخام كما كان، وغادر البيت وهو يقول لنفسه: سأضع هذا المصباح في بيتي وأشرب على نوره.

ولما أقبل الصباح رجع الخليفة إلى قاعة الجلوس، فوجد الطواشية مبنجين، ولم يجد البذلة والخاتم والسبحة والمنديل والمصباح، فاغتاظ لذلك غيظاً شديداً، ولبس بذلة الغضب الحمراء، وجلس في الديوان، وتقدم الوزير فقبل الأرض بين يديه وقال: كفى الله أمير المؤمنين كل شر، أي شيء حصل؟ فحكى له جميع ما وقع...