بديع أبو شقرا: المسرح حاجة شخصية لي لأعبّر بحرية
عن نشاطه الفنّي ومسلسل {مش أنا} تحدث إلى {الجريدة}:
كيف تقوّم نشاطك الفنيّ في لبنان خلال العامين المنصرمين؟
شكّل العامان المنصرمان نقلة فنيّة بالنسبة إليّ بغض النظر عن نوعيّة هذه النقلة ومستواها، ذلك أن الأعمال المسرحية التي قدّمتها هي تجارب وظّفت فيها خبراتي وخيباتي في شكل فنّي وتقني وشخصي، لأرى كيف يمكنني استلحاق التطوّر الفني في لبنان بعد غياب. علماً أنني راضٍ عن بعضٍ من أعمالي المسرحية والسينمائية والتلفزيونية الأخيرة.
هل ستعيدك هذه الأعمال المتنوعة فنياً إلى أحضان الوطن؟
يتعلّق ذلك بقرار عائلي مشترك يتأثر بوضع العائلة ككل والتوقيت والظرف المناسبين للقيام بهذه الخطوة التي يجب أن تكون مدروسة.عُرضت مجدداً مسرحية «فينوس» تزامناً مع مسرحية «بنت الجبل»، فكيف استطعت الفصل ما بين الشخصيتين المتناقضتين؟
لم أخش هكذا تجربة لأن المسرح عملية تقنية أولا. وبمقدار ما نتقن العمل الذي نحضّره يصبح الفصل على المسرح أسهل مما هو متوّقع لذا اعتبرت أن هذه التجربة سهلة وممتعة في آن. إلى ذلك، يبقى الخلط بين الشخصيات غير وارد بالنسبة إليّ لأن مقاربتي للشخصية في التمارين لا تعتمد على بعض الأساليب التقليدية التي تحول دون الخروج من شخصية للدخول في أخرى.ما تفاصيل مسرحيتك الجديدة «فرضاً إنّو»؟
مستوحاة من نص Virtual Reality للفنان الأميركي آلان {أركين}، لبننة غبريال يميّن وإخراج جاك مارون. تنطلق التحضيرات لها بعد عودتنا من عرض مسرحية {فينوس} في فرنسا في سبتمبر المقبل، على أن نتمرّن قبل عرضها في نهاية فصل الخريف. تخلط هذه المسرحية المسلية والمضحكة التي تحكي الحقيقة الموجعة بين العبث والواقع فتقرّب الغربة بينهما، وهي ترتكز على الأداء التمثيلي وعلى الممثلين بشكل كبير.ما سبب هذا الولع الكبير بالمسرح؟
سئل أحد الممثلين عن أدائه المسرحي فقال: «أنا أمثّل في الحياة لكن المسرح هو أكثر لحظة حقيقية لأنه يعرّي كل شيء». المسرح بالنسبة إليّ حاجة شخصية لأتطوّر وأفكّر وأكتب وهو المكان الوحيد الذي أرتاح فيه لأنني أعبّر من خلاله بشكل غير مباشر بصدق وحرية.كيف تصف ثنائيتك الجديدة مع الكاتبة والممثلة كارين رزق الله في مسلسل «مش أنا»؟
غبت مدّة عن الدراما التلفزيونية المحلية لأن لديّ ملاحظات حولها، لكنني تشجعت عندما قرأت نصّ «مش أنا» لأنه تشويقي يلامس الواقع في جوانب كثيرة. فضلا عن أنه سلس وناعم لا تفلسف فيه، بل على العكس يحكي لغة الناس بأحداث قريبة من واقعنا. إلى ذلك اكتشفت أن كارين رزق الله شخص حقيقي يناضل ويعمل بجدٍّ، ولها وجهة نظر خاصة تعبّر عنها بحرية وجرأة، أيضاً تشجعت لأن شركة الإنتاج لم أتعاون معها سابقاً رغم معرفتنا القديمة، إضافة إلى المستوى العالي للممثلين المشاركين فيه على غرار الممثل رودريغ سليمان الذي لا يمكن أن أقوم بخطوة ناقصة أمامه. طالما أن هذه العوامل توافرت فلا بد من نجاح العمل.ما الذي يميز شخصية «مجد»؟
لهذه الشخصية أحداثها الخارجية والداخلية. فهو مغترب عاد إلى وطنه لأسباب معيّنة، وفي الوقت نفسه خبر تجربة قاسية دفعته إلى تغيير وجهة نظره في العلاقة مع المرأة والتصرّف بلا منطق تجاهها. إلا أن أحداثاً معيّنة تضعه أمام صراعين خارجي متعلق بتركة عمّه وداخلي ما إذا كان سيغيّر وجهة نظره تجاه المرأة أم لا.واقع وغربة
ذكرت واقعية المسلسل وعوامل عدّة شجّعتك للمشاركة فيه، هل تؤثر هذه في خياراتك الفنية؟
طبعاً، ثمة غربة بين الواقع والأعمال الدرامية اللبنانية، وعدم تصوير الواقع بشكل صحيح، وهذه مشكلة الدراما أساساً، إذ يحاول القيمون عليها التركيز على مسألة الانتشار عبر اعتماد عناصر أخرى و تركيبات غير منطقية، ولا يعي هؤلاء ضرورة التركيز على حقيقتنا ومميزاتنا كوطن صغير وشعب حيوي للانتشار. ما يميّز شعبنا هو الحرية عموماً وحرية المرأة خصوصاً إضافة إلى الخدمات، لذا يجب التركيز على هذه الأمور لبناء قصص من واقعنا وشارعنا. من جهة أخرى ثمة محاولة جدّية في «مش أنا» للاقتراب من الواقع، صحيح أنها لم تصل كما يُفترض ،إنما تراكم التجربة والخبرات مهم للتطوّر، ويُعتبر المسلسل خطوة تقرّبنا من واقعنا للانطلاق منه وهذا أمر مهم.نشعر بحرية أكبر عند طرح مواضيع معيّنة في السينما والمسرح لأن الجمهور يتوجه إليهما بإرادته ويدفع بدلا مادياً، بينما نراعي التوقيت والجمهور الذي نتوجه إليه في الدراما التلفزيونية، لأن العمل يصل إلى الجميع من دون استئذان.ما رأيك بالأعمال العربية المشتركة التي تنافس الأعمال المحلية في رمضان؟
تكمن خطورة هذه الأعمال بتحوّلها إلى موضة سرعان ما سيأفل نجمها، لذا يجب ألا تكون سبباً للانتشار إنما إضافة له. برأيي يجب أن ننطلق من واقعنا الأساس لا تركيب شخصية لممثل معيّن بهدف تسويق العمل، فتأتي القصة من دون لون ورائحة أو انتماء حضاري وثقافي. لم يتسنّ لي متابعة أي عمل رمضاني هذا العام لانشغالي بتصوير «مش أنا».ما رأيك بأعمال البيئة الشامية الرمضانية على غرار «باب الحارة»، وهل ما زالت تجذب الجمهور؟
يبدو أن لديها رونقاً معيّناً إنما تبقى محصورة لأنها ترتكز على عواطف ومعانٍ رجولية معيّنة. رغم أنني أعتبرها جزءاً من الدراما إلا أنني لا أستمتع حينما تتحوّل الأعمال إلى موضة. سمعت أراء تفيد بأنها تحوي مغالطات تاريخية لأغراض درامية وأنا لا أحبّذ هكذا أمور.ماذا عن مشاريعك السينمائية؟
صوّرت «يلا عقبالكن شباب» فيلم «لايت كوميدي»، كتابة نيبال عرقجي وإنتاجه، إخراج شادي حنّا، يتمحور حول واقع معيّن نعيشه بطريقة تهكمية، كذلك شاركت بمشهد في فيلم Nuts .هل من إصدارات شعرية أو فكرية جديدة؟
لن أصدر كتاب شعر بل سأعتمد الأسلوب الجديد في النشر عبر صفحات الإنترنت حيث يسهل الانتشار أكثر.لديك فلسفة عميقة في الحياة وأفكارك الخاصة في هذا الإطار، فهل تنفصل عنها لتحديد خياراتك الفنيّة أم تفتشّ عمّا يعبّر عنها؟
مهما قدّم الممثل شخصيات بعيدة عن شخصيته الحقيقية لا بدّ من أن يأخذ منها شيئاً ما. قد يغيّر في شكله ونبرة صوته وطريقة كلامه لكنها تبقى المكان الأساس الذي يلجأ إليه لتحضير شخصياته التمثيلية. أعتبر أن الممثل هو وجهة نظر قبل أن يكون تقنية، أي لديه رؤيته الخاصة للشخصية وماذا يريد أن يقول من خلالها، من هنا تبقى شخصيته الحقيقية الأساس الذي يرتكز إليه لاستنباط شخصياته التمثيلية.لكنّك قدّمت مثلا شخصية شقيق معنّف طباعه شرسة في «رصاصة طائشة»، فكيف تنطلق من شخصيتك الحقيقية لتقديم هكذا دور مناقض لفكرك وطباعك...؟
أضع نفسي دائماً مكان الآخر لأن لكل إنسان ظروفه وحياته، وهكذا أنطلق في التحضير لشخصياتي.مما تحصّنك الثقافة؟
عندما يكون الإنسان مطّلعاً، يتحصّن عملياً خصوصاً عند اتخاذ قرارات، كذلك تتأثر وجهة نظره وطريقة تعبيره فتشكّل الثقافة سنداً يتكئ إليه ليفكّر بطريقة صحيحة وغير متوّقعة من الآخرين. الممثل الذي يخيفني هو الذي يقوم بردة فعل مفاجئة غير متوّقعة في أدائه.للحرية مكانة كبيرة في حياتك، أليست الأعمال العربية بعيدة عن منطق الحرية؟
لدينا محظورات في العالم العربي ولبنان وعصبيّة لدى الجمهور الذي يشعر كأن كل شيء موجه ضدّه وضدّ طائفته وحزبه. هذه أمور تزعجني، خصوصاً أنّ من يعبّر عن رأيه يتُهم بالإزدراء بالدين والعرف والطائفة علماً أنه قد يكون متديناً أكثر منهم. برأيي عندما نكون أحراراً فعلاً بالكلمة والقول وننتقد من نريد، عندها نحصّن من ننتقده من أتباعه العميان.يعيش بعض الفنانين نجوميّة معيّنة بكل تفاصيل حياتهم اليومية، فهل تمنحهم الأضواء أولوية على صعد الأعمال والإعلام على حساب فنانين حقيقيين يستندون إلى كفايتهم فحسب؟
أتساءل أحياناً عن سبب شهرة بعض الأشخاص ونجوميهم، فأرى أنها متأثرة بالموضة العالمية، أي موضة دونالد ترامب وباريس هيلتون. من الطبيعي أن تؤثر هذه النجومية المبتكرة في هذا الإطار، إنما يبقى الجمهور ذكياً يُنجح ويُسقط من يريد. من يحقق انتشاراً عبر صرعة أو موضة سرعان ما سينطفئ. شخصياً أقوم بما يلزم لتقديم أفضل ما يكون بمتعة والتزام سواء إنتشرت أعمالي أم لم تنتشر.«يلا عقبالك شباب» فيلم «لايت كوميدي» يناقش واقعنا المحلي
ثمة غربة بين الواقع والأعمال الدرامية اللبنانية لعدم تصوير الواقع بشكل صحيح