مفاتيح الرزق : التـوكُّـل
من أسباب الرزق ومفاتيحه، التوكل على الله سبحانه وتعالى، حيث يقول تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)[الطلاق: 3]. ويذكر القرطبي في تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ). أي من فوض إليه أمره كفاه ما أهمه، وقيل: أي من اتقى الله وجانب المعاصي وتوكل عليه، فله فيما يعطيه في الآخرة من ثوابه كفاية، ولم يرد الدنيا، لأن المتوكل قد يصاب في الدنيا، وقد يقتل. أما قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ). فقد قال مسروق: أي قاضٍ أمره فيمن توكل عليه وفيمن لم يتوكل عليه، إلا أن من توكل عليه فيكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً.
ويضيف القرطبي: قال الربيع بن خيثم: إن الله تعالى قضى على نفسه أن من توكل عليه كفاه، ومن آمن به هداه، ومن أقرضه جازاه، ومن وثق به نجاه، ومن دعاه أجاب له. أما ابن كثير فيذكر في تفسير هذه الآية ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس: "يا غلام إني معلمك كلمات: احفظ اللّه يحفظك، احفظ اللّه تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل اللّه، وإذا استعنت فاستعن باللّه، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه اللّه لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لن يضروك إلا بشيء قد كتبه اللّه عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف". وقال صلى الله عليه وسلم: "من نزل به حاجة فأنزلها بالناس كان قَمِناً ألا تسهل حاجته، ومن أنزلها باللّه تعالى أتاه اللّه برزق عاجل أو بموت آجل". يقول أستاذ الثقافة الإسلامية في جامعة الأزهر، د. دياب فتحي دياب: حقيقة التوكل هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة، ففي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً". وقال صلى الله عليه وسلم: "من انقطع إلى اللّه كفاه اللّه كل مؤنة ورزقه من حيث لا يحتسب، ومن انقطع إلى الدنيا وكله إليها". وتحقيق التوكل لا ينافي السعي في الأسباب، فإن الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة، والتوكل بالقلب عليه إيمان به.