عام كامل مر علينا بعد حادث تفجير مسجد الإمام الصادق (ع) في عملية إرهابية هزت الكويت وجوداً ووجداناً، وفي أبشع صور الحقد والكراهية باسم الدين المزعوم الذي حول كوكبة من الصائمين والساجدين في محراب الصلاة إلى أشلاء ممزقة، نحتسبهم شهداء عند ربهم.

العمليات الإرهابية اليوم تحصد أرواح الناس العزل والمسالمين في شرق الأرض وغربها، في منطقتنا العربية والإسلامية وفي أوروبا وشمال أميركا وفي إفريقيا والشرق الأقصى، في استهداف واحد هو الانتقام من البشرية وفق رؤية يزعم أنها دينية ضيقة ومريضة ومكابرة ومتعالية لا تقبل إلا أن تسود سلطتها البالية والمتخلفة على إرادة الجميع، إلا أن عنصر الغرابة أن هذه الشرذمة تمارس جرائمها أمام مرأى ومسمع دول العالم بما فيها الدول المستهدفة وشعوبها، وتنتشر طولاً وعرضاً مستفيدة من دعم الحكومات وأجهزة الاستخبارات وتمويل الأفراد والمؤسسات المالية فيها، وهماً من الجميع بأن العصابات الإرهابية يمكن استغلالها وتوظيفها سياسياً في معارك المصالح المتناقضة بين هذه الدول.

Ad

إسقاطات حادث تفجير مسجد الإمام الصادق (ع) في الكويت يمكن تحليلها أيضاً وفق هذا المنظور، فعلى الرغم من حالة توحّد الأمة ضد هذه الجريمة المنكرة، وفي مقدمتها القيادة السياسية العليا في الدولة ممثلة بسمو الأمير ووجوده في قلب الحدث، والالتفاف الشعبي الجميل حول بعضه في هكذا محنة، فإن هذه الجبهة لم تصمد كثيراً، وسرعان ما غابت تلك الصور الأليمة يعتليها بلسم الروح الوطنية والتآزر الكويتي، وتبدّلت بمشاهد جديدة قديمة لا تخلو من التنابز والتقاذف وتبادل الاتهامات، ومع الأسف الشديد بدوافع من مصالح ضيقة ومكاسب إعلامية وسياسية.

قبل سنة تحديداً وبالتزامن مع واقعة التفجير الإرهابي شهدت صحافتنا عشرات المقالات وشهد إعلامنا المحلي تجليات عكست حاجة الكويتيين إلى بعضهم في السراء والضراء، وكتبنا وقتها حول ضرورة الاعتبار من حدث مسجد الصادق (ع) واغتنام تلك المناسبة رغم مرارتها لفتح صفحة جديدة، لا سيما أن مشروع عودة اللحمة الوطنية وضع لبنتها صاحب السمو أمير البلاد، وأعاد تأكيدها بوجوده ومشاركته إعادة افتتاح المسجد المستهدف، الأمر الذي يعبر عن سياسة دولة، إلا أن السؤال الكبير لماذا لم يكتمل مثل هذا المشروع، ولماذا عادت الأمور إلى سابق عهدها وتم نسيان مغزى الحاجة وجوهرها إلى التماسك الداخلي؟ قد لا تبدو الأمور ظاهرياً أننا في مرحلة متقدمة من التمزق الداخلي، فما زال الشعب الكويتي، بمختلف مشاربه وانتماءاته، يجسد صور التعايش وتبادل الزيارات ونبذ أشكال التعصب، لا سيما في أمسيات الشهر الفضيل، إلا أن هناك نارا تحت الرماد تحاول بعض التغريدات أو التصريحات أو عبارات الهمز واللمز أن تنفخ فيها دون أن يكون هناك رادعٌ حقيقيٌ حتى من الجهات الحكومية الرسمية لوقف هؤلاء المتطفلين ومثيري الفتن في سياق متناقض مع ما تعلنه السياسة الرسمية؟ إن أسماء شهداء الإمام الصادق (ع) وكل حالة فيها تمثل أسرة كويتية وتمثل الزوجة الأرملة أو الأيتام من الأبناء أو الثكلى من الأمهات، كما تمثل شخصية وطنية خسرها البلد في قطاع التعليم أو الصحة أو العمل الإداري، ويمثل الجميع مشروع إنسان له قيمة وكرامة وحقوق في الحياة الآمنة، وكان بالإمكان أن يكون أي منا من بين ضحايا الإرهاب وبأي من أشكاله القبيحة، ولذا يتطلب الأمر الحد الأعلى من الوعي والتجردّ في حرمة بلدنا وأمنه، والدماء الطاهرة البريئة لشهداء الكويت دين في أعناقنا جميعاً لحفظ وطننا من شرور المغرضين والمعتدين أياً كان مصدرهم وانتماؤهم وفكرهم، لنكون أكثر تماسكاً ولنخرج من هكذا ابتلاءات بمزيد من القوة واللحمة الداخلية!