لماذا 48 ساعة فقط؟!
إعلان روسيا وقفاً لإطلاق النار في حلب، من دون علم مَنْ يُفترض أنهم حلفاؤها وشركاؤها ومعرفتهم، يعني أن الرئيس فلاديمير بوتين بات يتصرف بالنسبة للأزمة السورية على أساس أنه لا وجود لا لبشار الأسد ونظامه، ولا لإيران، وأنَّ القرار هو قرار موسكو؛ إنْ على الصعيد العسكري، وإنْ بالنسبة للأمور السياسية. وحقيقة أنَّ هذا كان واضحاً ومعروفاً، منذ التدخل العسكري الروسي في سورية في نهايات سبتمبر الماضي... اللهم إلاّ لِمنْ يضع كفيه فوق عينيه حتى لا يرى هذه الحقيقة، وحتى يجد مبرراً لعدم الاعتراف بها. هل توجد هناك إهانة أكثر من هذه الإهانة، إنْ بالنسبة لبشار الأسد ونظامه وإنْ بالنسبة لإيران وجنرالاتها وأولهم قاسم سليماني؟! فالمفترض لو أنه، أي بوتين، يعترف بهؤلاء الحلفاء ألاّ يفعل هذه الفعلة الشنيعة، وأن يتخذ هذا القرار، قرار وقف إطلاق النار، ويترك لمن لا يزال يعتبره رئيساً شرعياً لسورية إعلان هذا القرار والتشاور بعد ذلك مع الذين يجلسون على المقاعد المرتفعة في طهران. ولعل ما يؤكد أنَّ هذا الذي فعله بوتين كان مقصوداً وكان عن سابق تصميم وإصرار أنه حتى الأميركيون الذين هم شركاؤه في "الوصاية" على الأزمة السورية لم يعلموا بقرار وقف إطلاق النار في حلب ولـ 48 ساعة فقط إلا من وسائل الإعلام، وهذا من المفترض أن يعتبره الرئيس باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري إهانة للولايات المتحدة الأميركية الدولة العظمى التي تعتبر نفسها، إنْ ليست صاحبة القرارات الإستراتيجية في الكرة الأرضية كلها، فشريك أساسي فيها!
والسؤال هنا هو: ما الذي يا ترى يجعل فلاديمير بوتين يتصرف بكل هذه العنجهية ويجعله يتجاوز شريكيه، إيران ونظام بشار الأسد، ويتخذ قراراً كهذا القرار، الذي له أبعاد سياسية كثيرة، بالإضافة إلى أبعاده العسكرية الواضحة، بدون إبلاغ واشنطن مسبقاً، ولو من قبيل العلم والخبر؟! والجواب هو: "مَن يهُنْ يسهُلِ الهوانُ عليه... ما لجُرحٍ بميّت إيلامُ"، فبالنسبة لبشار الأسد، فالمعروف أنه غدا، في وقت مبكر جداً، خارج هذه اللعبة وبصورة نهائية، وأنَّ دوره بات يقتصر على الظهور الشكلي الاستعراضي وأن علاقته بكل هذه التطورات الخطيرة التي تجرى في بلد من المفترض أنه لا يزال بلده كعلاقته بما يجري في جزر "الماو ماو"، هذا إن كانت هناك فعلاً جزر اسمها جزر الماو.. ماو! أما بالنسبة لإيران فيبدو أن اجتماع وزراء الدفاع الثلاثة الأخير في طهران قد أخرجها هي بدورها من هذه الدائرة، وأن الإيرانيين أصبحوا مجرد شهود زور لا أكثر. وأما بالنسبة للأميركيين فإن عليهم أن يدركوا أن ميوعتهم في التعاطي مع أزمة إقليمية ودولية كالأزمة السورية هي التي أوصلتهم إلى كل هذا الهوان السياسي الذي لا يحسدون عليه. ثم، وفي النهاية، فإنه لابد من التساؤل عن حكاية "وقف إطلاق النار لـ48 ساعة" التي استمرأها الروس، والتي كانوا طرحوها مراراً خلال الفترة الماضية كلها بعد احتلالهم لـ"القطر العربي السوري"! وهاهم يطرحونها مجدداً... ألا يعني هذا أنه استهتار بكل أطراف هذا الصراع وكل المعنيين به، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وأوروبا بكل دولها وبلا استثناء حتى ولو دولة واحدة.