ذكرت في الأسبوع الماضي أن الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، رحمه الله، كتب رسالة إلى ابنه حمد في عام 1955م لم تنشر من قبل، ووعدتكم أنني سأستعرض ما تضمنته الرسالة من معلومات وأفكار، ومواعظ مهمة تعكس فكر الشيخ يوسف الناضج، سواء كان في مجال السياسة، أو الاقتصاد، أو الاجتماع، أو غير ذلك. الرسالة كتبت بتاريخ 12 يناير 1955م من الكويت إلى مصر في اعتقادي رغم أنه مطبوع في رأسها أنها كتبت في بومبي، وبدأت بالإشارة إلى أن الشيخ يوسف اطلع على منشور أرسله ابنه حمد إلى أخيه عيسى، وأنه كان مليئاً بالمعلومات المغلوطة، ولذلك قال الشيخ يوسف "فصدعني جدا لأنه ليس مبني على حقيقة بل كتابة جاهل يهرف بما لا يعرف ويأخذ اكاذيب الاخبار بلا تحقيق ويكتب عنها كانها تنزيل من حكيم حميد".لقد كان الشيخ يوسف يكتب لابنه حمد وهو منزعج جداً لما ورد في المنشور المذكور، ولم يتجاهل ما ورد فيه، بل أخذ على عاتقه أن يرد بأسلوب حضاري، ليضع ابنه حمد على حقيقة الأمور كما يعرفها، وهو الذي بلغ عمره في ذلك العام 83 عاماً تقريباً. يقول الشيخ يوسف موضحاً حقيقة ما حدث في تلك الفترة "واليك بيان الحادثة وهي ان المطر متتابع علينا نحو عشرين يوم ومن اجله اكثر البيوت خَرّت منازلها وتخوّف الناس من وقوعها، والحقيقة ما وقع شيء منها الا بعض بيوت مبنية من طين ولبن في المستنقعات ولم يمت من هذه الكارثة الا نفرين عبدالله بن سيف وولد عبدالله بن ابراهيم المطوع طفل".
ومن الواضح أن الشيخ يوسف كان يتحدث عن سنة الهدامة الثانية (30 نوفمبر 1954م)، ويبدو أن المنشور الذي اطلع عليه الشيخ يوسف يتضمن انتقاداً لاذعاً للحكومة الكويتية، ظناً أنها تقاعست عن إغاثة الناس ومساعدتهم خلال هذا الحدث، لذلك انبرى الشيخ يوسف لتوضيح الحقيقة، والدفاع عن جهود الحكومة في إغاثة المنكوبين ومساعدة المتضررين، فقال في رسالته: "وبحين ذلك الوقت قامت حكومة الكويت بالواجب التام فأخذ اولاد الصباح مع خدمهم يدورون في البلد ليلا ويأمرون كل انسان يخشى الوقوع من بيته والاهالي نيام فأووهم الى المدارس والى الثكنات الخارجة في البلد والى بيوت الصباح انفسهم ورتبولهم احسن المأكل واحسن الفرش واكرموهم غاية الاكرام بحيث يأكلون في الصباح المربا والزبد والخبز والشاهي والحليب والغداء خبز وحلوى ورهش والعشاء رز ولحم"، وبعد ذلك وجه الشيخ يوسف لولده حمد نصيحة مهمة، وهي أن عليه أن يتوخى الحقيقة ولا يصدق ما يرِده من كلام غير محقق، فقال في الرسالة "والكويت عن مصر قريبة في امكانكم تأخذون الحقيقة من الثقات ولا تستعجلون بكتابة مثل هذا المنشور الذي كله اكاذيب". ورغم أن هذه النصيحة السياسية مضى عليها أكثر من سبعين عاماً، فإنها تبقى صالحة بكل جوانبها، وتظل نبراساً علينا أن نسير عليه في تقييمنا لأوضاعنا، ونظرتنا لما يحدث في بلادنا من تطورات سياسية وغير ذلك. في المقال المقبل سنتحدث عن مزيد من الافكار والمواقف التي تضمنتها رسالة الشيخ يوسف بن عيسى لابنه حمد في عام 1955، والتي سنرى أنها عكست فكراً سياسياً نيّراً.
أخر كلام
وثيقة لها تاريخ : يوسف بن عيسى: «عيال الصباح فزعوا للناس في الهدامة الثانية»
17-06-2016