الصوت الجريح الفنان عبدالكريم عبدالقادر لـ الجريدة• (4-4):

أغنية «وطن النهار» تختصر مأساة 7 أشهر من الغزو

نشر في 18-06-2016
آخر تحديث 18-06-2016 | 00:03
يُعبِّر الصوت الجريح الفنان عبدالكريم عبدالقادر عن الكلمة المغناة والجملة اللحنية بصدق وحس فني متفردين. ينهل من مشاعر مرهفة محمَّلة بالشجن، لينثر صدق الإحساس على المتلقي.

ويدأب «بوخالد» على التعبير عن أحلام العشاق، متأملاً تحقيق أمنياتهم، رافضا التخلي عنهم في انكساراتهم، فيرافقهم في «ليل السهارى» يواسيهم في أحلك الظروف، فلا يفقد الأمل حتى لو تحول الفرح إلى سراب، فيغني للفرح المفقود، منتظراً مجيئة بفارغ الصبر. ورغم قبوله تجرع المرارة على مضض يظل يردد «عاشق وظل صبري يطول»، متجشماً عناء الصبر، ويدندن «مانسيناه روحوا قولوله ترانا ما نسيناه».

وفي الحلقة الرابعة والأخيرة من حواره مع «الجريدة»، أكد عبدالكريم عبدالقادر، أن أغنية «وطن النهار» تختصر مأساة الكويتيين خلال 7 أشهر تجرعوا مرارتها أثناء الغزو العراقي في عام 1990.

وبيَّن أن استمرار نجاحها جاء بسبب ترجمتها لمشاعر الكويتيين إبان تلك الفترة العصيبة.

ويشير «بوخالد» إلى أن التطور التكنولوجي جعل العالم قرية، وتلاشت بعض الحواجز والأسوار، لكن ذلك انعكس سلبا على الهوية الغنائية، إذ لم يعد المطرب يبحث عن الخصوصية في الغناء، بل يريد أن يواكب التطور الحاصل، وإن كان هذا في الاتجاه الخاطئ. وفيما يلي التفاصيل:

• هل هناك ثقافة معينة تتبعها خلال التسجيل في الاستديو؟

- أذكر أننا حينما كنا نسجل في الزمن الجميل بالقاهرة نجتمع مجموعة من الفنانين، ونتباحث للخروج بالأجمل والأفضل، وعقب فترة قمنا نسجل أو نركب الصوت في الكويت بالاستديوهات، وربما أبرز شيء يهمني لحظة التسجيل، أني أحرص على العزلة مع الذات، وأسعى إلى أن يكون تفكيري منحصرا في الأغاني فقط، وذهني صافيا وغير مشغول، إلا في هذه الخطوة، لأني بطبعي لا أحب التشتت، وأعشق التركيز، وهذا أسلوب أتبعته منذ القدم، وأهلي يعرفون ذلك جيدا، وحينما أدخل مرحلة تسجيل الأغاني يحرصون على تهيئة الأجواء لي، ويتجنبون الحديث معي وإشغالي بأمور أخرى.

ما أقوم به اعتدت عليه منذ زمن، ولا أستطيع التخلي عنه، لأني أعشق عملي، وبهذه الطريقة أشعر بأني أديت المطلوب مني، فما يخرج من القلب يصل إلى القلب.

• ما حكاية أغنية "من بين الناس"؟

- لكل إنسان مشاعر وأحاسيس، وكنت أشعر في تلك اللحظات بشيء معيَّن، فبدأت الجملة "من بين الناس" تسيطر على مخيلتي، فأخبرت الشاعر خالد البذال بما يدور بذهني، فردَّ عليَّ "حبيتك من بين الناس"، هنا كانت ولادة هذه الأغنية، ثم عقب كتابتها اتصلنا بالملحن عبدالله الجاسم، واكتملت أضلاع الأغنية، المطرب والشاعر والملحن.

هذه الطريقة هي المحببة إلى قلبي، لأن الأغنيات يجب أن تكون وليدة اللحظة، وكلماتها تمس مشاعر المتلقي ووجدانه، لذلك أفضل أن تكون نابعة من الواقع، وألحانها تتقاطع مع يوميات الإنسان، لذلك تحقق الأغنية الفلانية النجاح، وتشكل علامة بارزة في مشوار الفنان، لأنها تخاطب المتلقي، وتمس وجدانه، ربما موقف معين أو حكاية تكون شاهدا عليها أو تسمع بها، ومن خلال ذلك تنسج تفاصيل أغنيه ماز

وأذكر أن كثيرا من الأعمال جاءت بهذه الطريقة بيني وبين عبداللطيف البناي وأنور عبدالله، ومنها "الصوت الجريح".

الهوية الكويتية

• الهوية الكويتية بدأت تغيب في الأغنية المحلية، ولا سيما عقب انتشار الفضائيات؟

- العالم أصبح قرية، وتلاشت بعض الحواجز والأسوار، كما أن في السابق، وتقريبا قبل 30 عاما كانت وسائل الإعلام تحرص على تقديم هوية بلدها في الفنون بلبنان أو مصر أو البحرين، لأنها تريد ترويج فنون بلدها، فيما في الوقت الحالي، كما يُقال، العالم بين يديك. فما يحصل في الجزائر تستطيع أن تراه باللحظة نفسها مع الذين يعيشون في الجزائر.

سأذكر لك مثالا يوضح التطورات التي حصلت خلال هذه الأعوام، وأذكر أن الراحل حمد الرجيب جاء في أحد الأيام ومعه أغنية "جريت وجريت" للمطربة نعيمة سميح، وقال عنها إنها أغنية مغربية ناجحة جدا، وصدرت قبل 6 أشهر، ونحن في الكويت لم نسمع بها، لكن الآن باستطاعة أي إنسان الاطلاع على ما يجري في أي بقعة بالعالم لحظة بلحظة.

فأعتقد أن هناك كثيرا من التداخل حدث بسبب التطور التكنولوجي، وهذا الوضع أدى إلى تلاشي جزء من الهوية والخصوصية والقلة من هم يتمسكون بالهوية الأصيلة.

ويجب أن ندرك جيدا أن الإنسان يوثر ويتأثر، لكن يجب علينا أن نعي بوعي أن درجة تأثير في الآخرين قليلة جدا، فيما نسبة تأثرنا بما يحيط بنا مرتفعة جدا.

جرعة التنافس

• هل الغيرة الفنية مطلوبة في المجال الغنائي؟

- ربما مفردة الغيرة لها مفهوم آخر في الفن، أي أن تكون هناك روح للتنافس والبحث عن الأجمل، من خلال عمل فني، لأن العمل في هذا المجال لا يخضع للحسد وغيره، بحيث يحسد المطرب الفلاني زميله، بسبب نجاح عمل جديد.

وسأذكر لك مثالا لأحد الشعراء، ممن وجهت له سؤال: لماذا لا تكتب؟ فردّ، لانه لا يوجد ما يشجعه على الكتابة، فقلت له: لماذا؟ فردّ، قائلا: لم أجد المنافسة التي أبحث عنها، وهو يعني أنه يريد أجواء المنافسة المحفزة للعمل والإبداع، لكن في ظل انعدام هذه الأجواء يخفت شعور الكتابة في نفس الإنسان.

أنا لا أسمي التنافس غيرة، بل أرى جانبا مهما في التنافس، إذ يعمل على إثراء الساحة الفنية، غنائيا ودراميا ومسرحيا، لأن تنوع الأعمال واختلاف جودتها يساهم في ارتفاع الأعمال، وبالتالي زيادة جرعة التنافس بين الكُتاب والملحنين والشعراء والممثلين والمطربين، وكل ذلك يصب في مصلحة الفن باختلاف نوعه.

• هل توقعت استمرار نجاح أغنية "وطن النهار"؟

- لأنها أغنية مختلفة، وتمثل ذاكرة وطن، وتؤرخ لمرحلة مهمة من تاريخ الكويت، وستبقى في الوجدان والذاكرة، لأن ما حدث ليس سهلا، وهذه اللوحة الغنائية تصور حدثا كبيرا لم يكن يخطر على البال، وسيتوارث الأجيال هذه اللوحة، التي ترصد من خلال 7 دقائق 7 أشهر من تاريخ صعب عاشته الكويت.

• أغنية تمنيت غناءها؟

- تمنيت أداء أغنية الفنان محمد عبده "لا تردين الرسايل"، لكن ثمة شهادة يجب أن أقولها، إن الفنان محمد عبده أجاد فيها، ونجحت الأغنية بصوته.

لا تردين الرسايل ويش أسوي بالورق

وكل معنى للمحبة ذاب فيها واحترق

لو تركتيني في ليلة بسمتك عند الرحيل

دمعة العين الكحيلة عذرها الواهي ذليل

• من الحلقة الأقوى في العمل الفني؟

- العمل الفني شراكة بين المطرب والمؤلف والملحن، لأن المسؤولية تقع على عاتق الجميع، فالعمل الفني يمثلنا جميعا، ولا يقتصر على شخص واحد فقط.

• ما رأيك بـ"الدويتو الغنائي"؟

- "الدويتو" كان شائعاً منذ أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، ومن خلال الأفلام العربية، ثم توقف وعاد في مرحلة السبعينيات، من خلال طروب وضياء الدين، وعقب فترة توقف، وفقا لمعطيات الزمن.

ومن أبرز الأعمال الأخيرة التي أحببتها ""كان ودي نلتقي" للفنانة نوال وعبدالله رشاد، والدويتو يصور جمال الأغنية، وأنا أحب هذه النوعية من الأعمال، ويجب أن يكون العمل مدروسا بشكل دقيق.

كما أود القول إن المطربة نوال لها بصمة جميلة في الساحة الفنية، ولها جمهورها، وهي الوردة الجميلة في الغناء الكويتي، ووصلت إلى قلوب المستمعين والمشاهدين.

• بدأت الاتجاه إلى الأغنيات الوطنية في الفترة الأخيرة، حدثنا عن هذا المشروع؟

- سجلت 5 أغنيات وطنية من كلمات الشاعر خالد البذال، أما الألحان، فهي للملحنين سليمان الملا وجاسم الخلف ورحال، وحرصت على تقديم هذه الأعمال للوطن الغالي الذي نعيش فيه، ويمنحنا الخير والرعاية، ويوفر لنا الأمان، وأعتقد أن تقديم هذه الأغاني واجب وطني لا مناص من أدائه.

• تحرص على التعامل مع الشاعر خالد البذال، ما سر هذا التواصل بينكما؟

- بصراحة، البذال يشبع قناعاتي، وأشعر بأن كلماته تلامس وجداني وتمس مشاعري، وكأنه يقرأ أفكاري ويصوغها من خلال كلماته. أعتقد أن هذا التعاون بدأ منذ زمن، واستمراره دليل على نجاح المشاريع السابقة، وآمل أن نقدم المزيد والمزيد لجمهورنا.

• كيف وجدت تفاعل الناس مع ألبومك الأخير "مالك شبيه"؟

- الحمد لله، الألبوم حقق أصداء جميلة، وأنا أعتز به، كباقي ألبوماتي، وربما ما يميزه راهنا، أنه جاء بدعم من وزارة الإعلام، التي أثبتت من جديد أنها الحاضنة لفناني الكويت، وتقدم لنا الكثير لمواصلة النجاح والعطاء.

وأنا أود أن أشكر وزير الإعلام الشيخ سلمان الحمود، الذي فتح لنا الأبواب الموصدة، فعاد الفنانون الكبار إلى بيتهم في وزارة الإعلام، عقب تذليل الصعوبات التي كانت تعرقل التعاون، وتعاونت في الألبوم مع مجموعة من الملحنين، وهم: سليمان الملا، الذي لحن أغنية "دفا الإحساس"، والملحن رحال، الذي لحن "مالك شبيه"، و"هذي المقادير"، والملحن حمد القطان في أغنية "ميزة العشاق"، والأغنيات الأربع المذكورة كلها للشاعر خالد البذال.

إضافة إلى ذلك، أديت أغنيتين في الألبوم من كلمات الشاعر ناشي الحربي، وهما "لا تلوم القلب" ألحان جاسم الخلف، و"درب مشيته" للملحن عبيد عبدالرحمن، وقام بالتوزيع الموسيقي للألبوم أحمد عبدالجواد، أما الإشراف العام، فكان للملحن جاسم الخلف.

عبدالرب إدريس: ما يميز صوت «بوخالد» إحساسه المرهف بالكلمة
أكد الفنان عبدالرب إدريس، أن ثمة علاقة وطيدة تربطه بالفنان عبدالكريم عبدالقادر، مشيرا إلى أن «بوخالد» دقيق جدا في اختياراته، ويتأنى في تمديد خطواته، رغبة في تقديم أعمال غنائية يستمر نجاحها طويلا، وذلك لا يأتي بالمصادفة، بل من خلال التركيز كثيرا في الكلمات والألحان، فهو يبحث عن المفردة التي تعمر، وكذلك الفكرة التي ترسخ في الأذهان.

وأضاف: «علاقتي بدأت مع عبدالكريم عبدالقادر في بداية حقبة سبعينيات القرن الماضي، وبوخالد يعد من أبرز نجوم الغناء في الكويت، وأذكر حينما تعرفت عليه عن قرب، وجدت قواسم مشتركة كثيرة بيننا، وأصف هذا اللقاء بلقاء الأرواح، حيث كان الانسجام عنوانا له».

وعن أغنية «غريب» الشهيرة، التي أداها عبدالكريم عبدالقادر، ولحنها عبدالرب إدريس، وكتبها بدر بورسلي، قال إدريس: من أبرز الأعمال التي جمعتني بالفنان عبدالكريم عبدالقادر أغنية «غريب»، وهي من العلامات البارزة في مشوار تعاوننا.

وأضاف: أذكر أني بدأت تلحين الكويت بصحبة الفنان عبدالكريم عبدالقادر، وجاءت فكرة الجملة اللحنية، فطلبت من «بوخالد» العودة إلى البيت، لتدوين الجملة واستكمال الأغنية.

وأشار إدريس إلى أن من أبرز الأعمال التي شدا الفنان عبدالكريم عبدالقادر من ألحانه أغنية «عاشق وظل صبري يطول»، من كلمات الشاعر عبداللطيف البناي، مبنيا أن «بوخالد» كان مترددا في أداء الأغنية، لكن عقب تدخل الموسيقار سعيد البنا، الذي كان حاضرا في الاستديو، اقتنع عبدالكريم بحديث البنا، الذي مدح الأغنية.

وأشار إدريس إلى أن ما يميز صوت الفنان عبدالكريم عبدالقادر، أنه نادر وجوده في الساحة الغنائية، وإمكاناته الصوتية لا توجد في صوت آخر، كما أن أكثر ما يميز صوت عبدالكريم عبدالقادر، إحساسه المرهف بالكلمة التي يغنيها، وحرصه على معايشتها، وكأنه هو الشاعر وصاحب المعاناة، فتجد الكلمة تظهر بإحساس كبير، إضافة إلى الموسيقى التي يشعر بكل نغماتها، وكأنه هو الملحن.

التطور التكنولوجي أثر كثيراً في الهوية الغنائية

العمل الفني يمثل المغني والشاعر والملحن ولا يقتصر على شخص واحد

التنافس ليس غيرة بل دعوة لتقديم الأفضل

كلمات الشاعر خالد البذال تلامس وجداني وتمس مشاعري

أحرص على أن يكون ذهني صافياً وغير مشغول وقت تسجيل الأغاني
back to top