كعادته كل صباح، استيقظ الحاج «سعيد» مبكراً، غادر فراشه في هدوء حتى لا يوقظ زوجته الشابة «ندى»، التي غطت في نوم عميق. سار الرجل على أطراف أصابعه حتى وصل إلى الحمام، اغتسل واستبدل ملابسه في هدوء، ثم غادر الشقة بالحذر نفسه متجها إلى عمله.

الحاج «سعيد» أحد أشهر الذين عملوا في مجال المقاولات بمدينة الإسكندرية، ذاع صيته لثرائه الفاحش، وامتلاكه مجموعة شركات تدر عليه كثيراً من الأموال، ورغم أنه تجاوز الستين من العمر فإنه تزوج حديثاً من «ندى»، فتاة فقيرة تصغره بـ 28 عاماً.

Ad

عندما أعلن «سعيد» أنه سيرتبط بفتاة تصغره بأكثر من ربع قرن، لم يهتم بحديث الناس ولا بفارق السن الكبير بينه وبين عروسه الجميلة. قال في نفسه: «هي فقيرة، وكل همها أن تعيش حياة رغدة، وفي المقابل ستسعى إلى إسعادي حتى لا تحرم من المال الذي أمنحه لها». لم يكن هذا الرأي بغريب عليه فهو يؤمن بأن لكل شيء في الدنيا ثمناً، سعادته نفسها وسعادة زوجته، وعلى كل منهما أن يدفع الثمن حتى يحصل على السعادة التي يريدها. كان الرجل واقعياً إلى أبعد الحدود، لم يوهم نفسه بأن فتاة في عمر أولاده ستذوب فيه عشقاً، ليقينه بأن سعادته بعد تخطيه الستين من العمر لا بد من أن تكون مدفوعة الأجر.

عاش الحاج «سعيد» مع «ندى» في سعادة طيلة العام الأول لزواجهما، ولكن في الأسابيع الماضية لاحظ بعض التغير في أحوال زوجته الحسناء، أصبحت فجأة عصبية المزاج، تثور لأتفه الأسباب، فجلس في مقر عمله يفكر في أمر تغير أحوالها. استرجع الرجل شريط ذكرياته منذ اللقاء الأول بـ «ندى»، عسى أن يكتشف من خلاله السر وراء عصبية زوجته الجديدة، وهي المعروف عنها الهدوء الشديد.

تقول أحداث اللقاء الأول إن الشابة الجميلة «ندى» خريجة معهد الإدارة والسكرتارية جاءت إلى المقر الرئيس لشركات الحاج باحثة عن عمل، وبمجرد أن شاهدها «سعيد» وافق على تعيينها فوراً. نالت إعجابه كفتاة جميلة، وبمرور الأيام نالت إعجابه أيضاً كسكرتيرة مجتهدة وذكية. تعلمت بسرعة البرق، حتى أنها بعد شهر من عملها صارت السكرتيرة الأهم للحاج «سعيد» بل والأكثر قرباً إليه.

كان الحاج «سعيد» وقتها متزوجاً، ولكنه لم يكن سعيداً بعدما حرمه الله من إنجاب الأبناء، لذلك وضع همه في عمله طوال السنوات الماضية حتى كون إمبراطورية اقتصادية كبرى، عبارة عن مجموعة شركات ضخمة للمقاولات تدر عليه ملايين الجنيهات شهرياً. كان أحد باشاوات الزمن الجديد الذي بدأ منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي، ولكنه كان يقول دائماً: لمن ستكون هذه الثروة الهائلة من بعدي؟ ووجد الحاج "سعيد” إجابة عن سؤاله عندما اندلعت خلافات رهيبة بينه وبين زوجته الأولى التي شاركته رحلة الحياة، فقرر المقاول الثري أن يطلق زوجته ليرتاح من نكدها، ويستمتع بماله كيفما أراد بعد ذلك.

لم ينكر الحاج "سعيد” أن "ندى” كان لها الدور الأكبر في خلافاته مع زوجته، إذ شعرت الأخيرة باهتمام زوجها الزائد عن الحد بسكرتيرته الجديدة، بعدما تعددت مكالماتهما الهاتفية اليومية، وتطورت إلى مكالمات ليلية مريبة، وفي قرار انفصاله عن زوجته، التي هددته ذات يوم وخيرته بينها وبين سكرتيرته، فاختار المقاول الكبير سكرتيرته الشابة.

جاء قرار الحاج "سعيد” بعدما تأكد أنه وقع في غرام سكرتيرته الشابة الذكية الجميلة، ولا يستطيع الابتعاد عنها يوما واحداً، فصارح المقاول الثري سكرتيرته بحبه الكبير لها، وعرض عليها صفقة العمر. طلب يدها للزواج، وعدها بالسعادة الأبدية، أغدق عليها الأموال مقابل موافقتها على الزواج منه. كانت صفقة لأن الحاج "سعيد” يعرف جيداً أن "ندى” لا تحبه بقدر حبه لها، فالرجل كان واقعياً ويعرف جيداً استحالة أن تحب شابة صغيرة جميلة وتمتلئ بالحيوية والأنوثة رجلا تخطى عامه الستين.

أما بالنسبة إلى السكرتيرة الشابة فلم تكن مجرد صفقة العمر، وإنما طوق نجاة لها ولأسرتها الفقيرة المعدمة. وافقت "ندى” من دون تفكير، كان مجرد التفكير في الأمر في مثل ظروفها المادية الصعبة حماقة، لذلك تزوجت الحاج "سعيد” في زمن قصير، رغبة منها في تحويل الحلم إلى حقيقة في أسرع وقت. رضخ الحاج "سعيد” لرغبتها، وعاشا أياماً من السعادة لا تنسى ولا تعوض، حتى انقلبت الأحوال فجأة، وتبدلت الزوجة من دون سابق إنذار. هنا توقف شريط الذكريات في عقل المقاول الثري من دون أن يعثر على سبب لتغير أحوال زوجته الشابة التي صارت عصبية على غير عادتها.

الحبيب يعود

كان الحاج "سعيد” غارقاً في أفكاره يبحث عن أسباب غضب زوجته. هل يكون هو السبب من دون أن يدري؟ في الوقت نفسه استيقظت زوجته الشابة من نومها على صوت جرس هاتفها الجوال. كانت عقارب الساعة تشير إلى الحادية عشرة صباحا، فتحت الخط ليصلها من الطرف الآخر صوت "حسام” يأتيها قائلاً:

* صباح الخير يا حبيبتي.

هبت "ندى” مذعورة، جلست في فراشها وعلامات الرعب تجتاح ملامح وجهها، ابتلعت ريقها وقالت بصعوبة:

- حسام أنت أكيد اتجننت. مش معقولة كل يوم تكلمني في الميعاد نفسه...

قاطعها "حسام” قائلا في حدة:

* اتجننت علشان بحبك. اتجننت علشان سافرت وتعبت وشقيت في الغربة. وفي الآخر أرجع ألاقي واحد تاني خدك مني لأنه غني؟!

ارتعشت يد "ندى” فسقط هاتفها الجوال من يدها، لم تلتقطه، تركته في مكانه حتى لا تستمع إلى كلمات "حسام” الحب الأول في حياتها، الرجل الوحيد الذي حلمت به، وتمنته زوجاً لها، ولكن ظروفه المادية لم تسمح لهما بتحقيق حلم حياتهما وإتمام زواجهما. بعد فترة، التقطت "ندى” هاتفها وقالت بأسى:

- "حسام اسمعني كويس. أنا دلوقتي ست متجوزة. أنت عاوز مني أيه؟

رد "حسام” بنبرة ساحرة:

* أشوفك مرة وبعدها أموت.

ارتجف قلب "ندى”، رقص بين ضلوعها فرحاً. كادت تسقط مغشياً عليها من سحر كلمات حبها الأول، راحت تتمتم بكلمات لم يسمعها "حسام”، قالت بصوت خفيض "بعد الشر عليك يا حبيبي”، ثم صمتت طويلا حتى استجمعت أعصابها وقالت لمحدثها في تردد:

- بلاش يا حسام... علشان خاطري.

ولكنه حاصرها، أصر بشتى الطرائق على لقاء محبوبته الأولى، لم يتركها حتى سمع منها كلمة "موافقة”، فضرب لها موعداً للقائهما في المكان القديم الذي شهد مولد قصة حبهما، كانت من جانبها تتصنع الرفض، لكنها تتلهف لاستعادة الماضي.

التقى الحبيبان القديمان بعد فراق سنوات، كان اللقاء شديد الرومانسية وأيقظ المشاعر النائمة في قلب "ندى”، ولكن نظرات الناس من حولهما أخافتها، فحاولت إنهاء اللقاء بسرعة على غير رغبتها. إلا أن الحبيب وجد لها حلاً، أقنعها بأن يختفيا عن كل العيون ليتمكنا من الحديث سوياً. لم تتردد "ندى”، سارت مع حبها الأول كالمسحورة إلى شقته، وهناك ذاب كل عاشق في الأخر، ووقع المحظور الذي كانت تخشاه الزوجة الشابة، سقطت في أحضان حبيبها، في فراش الخيانة دار هذا الحوار بين العاشقين.

قالت "ندى” وهي بين أحضان حبيبها الأول والأخير:

- أوعى تسيبني تاني يا حسام.

رد "حسام” وهو ينفث دخان سيجارته:

* أنا لا يمكن أسيبك تاني أبداً... بس لازم نشوف لنا حل في جوزك. لازم تبقي ليا لوحدي... لازم تطلبي الطلاق.

قالت "ندى” في تردد:

- أيوه بس الراجل ده غني أوي... لو طلقني ح تحرم من ثروته... هخسر سنة من عمري قضيتها معاه على الفاضي!

شرد "حسام” بذهنه بعيداً، ثم قال:

* عندك حق. يبقى مافيش قدامنا غير أننا نفضل مع بعض لحد ربنا ما يفتكره... وأهي الحكاية قريبة مش بعيدة.

غادر العاشقان الخائنان عشهما. عادت الزوجة إلى زوجها لتذيقه كل صنوف العذاب، أرادت تدميره على البطيء، اختلقت وسائل النكد لتعكر عليه صفو حياته، تمنت إصابته بأمراض لعل وعسى يموت في أقرب فرصة، لذلك زاد غضبها عندما لم يتأثر زوجها صحياً وكراهيتها له، فيما استمرت في لقاءاتها المحرمة مع عشيقها بعيدا عن العيون، وفي كل لقاء كان العاشقان يجددان العهد بينهما على ضرورة الصبر حتى يرحل الحاج "سعيد” عن دنيانا ويخلو لهما الجو.

تعديل الخطة
خطة العاشقين انقلبت رأساً على عقب عندما فوجئت "ندى” ذات يوم بآلام شديدة فأسرعت إلى الطبيب ليؤكد لها بعد الكشف عليها أنها "حامل”. من العيادة انطلقت "ندى” إلى عشيقها "حسام” تزف له الخبر، أكدت له أنها تحمل بين أحشائها ثمرة حبهما الكبير. هنا كان لا بد من تعديل الخطة السابقة التي اتفق عليها العاشقان، خصوصاً أن الحاج "سعيد” لا ينجب، فقد تزوّج مرتين ولم ينجب في أي منهما، وبالطبع لن يصدق أن الجنين الذي تحمله "ندى” من صلبه ما سيدفع بالمقاول الشهير إما إلى قتل زوجته الخائنة أو الطلاق منها وحرمانها من ثروته وحقوقها كافة.

فكر "حسام” ومحبوبته "ندى” طويلاً حتى اتخذاً قرارهما الحاسم بضرورة التخلص من الحاج "سعيد”، وبأسرع ما يمكن قبل أن يظهر الحمل على الزوجة الخائنة، ليحتفظ العاشقان بالجنين وثروة الزوج المخدوع معاً. كانت الخطة الشيطانية بسيطة قوامها التخلص من الزوج عن طريق السم، ثم تعلن "ندى” أنها حامل من زوجها المتوفى، وعندما تنجب ستستأثر بمعظم الثروة لتتزوج بعدها بحبيب القلب.

في ليلة حالكة السواد، دست "ندى” لزوجها المخدوع أقراص المخدر في كوب الشاي، وبعدما غاب الحاج "سعيد” عن الوعي، أسرعت بفتح باب الشقة ودعت عشيقها "حسام” إلى الدخول، ومن دون تفكير أخرج العشيق "بلطة” كان يخفيها بين طيات ملابسه، وانهال بها على رأس الزوج الغائب عن الوعي والذي غاب عن الدنيا كلها بعد لحظات. بسرعة حمل العاشقان جثة الزوج، وانطلقا بها بسيارة القتيل بعيداً، وألقيا بالجثة في البحر، وتركا سيارة الزوج القتيل في مكان قريب من الجثة، وبعد يومين أسرعت "ندى” إلى مديرية أمن الإسكندرية، وأبلغت باختفاء زوجها المقاول الشهير.

ثلاثة أيام وعثر رجال الشرطة على المقاول الغائب، وقد شوهت مياه البحر جثته، وقيدت القضية ضد مجهول، لعدم وجود أدلة قوية تكفي لإدانة الأرملة الطروب، التي لم تعلن لأحد أنها حامل وأخفت هذا الأمر على الجميع، لتأكدها من عقم زوجها القتيل، لذلك ما إن انتهت شهور العدة حتى تزوجت من حبها الأول "حسام”، بعدما تأكدا أن جريمتهما ماتت إلى الأبد مع الزوج القتيل، وعاش الزوجان حياتهما في هدوء القتلة، كل منهما يطمئن أن الجريمة البشعة طويت صفحتها إلى الأبد، لكن هيهات.

ورثت "ندى” ثروة زوجها الراحل الطائلة وكل شركاته، وكلفت أحد المقربين من زوجها الراحل بتحمل المسؤولية كاملة، لأنها لا تفهم في مجال المقاولات، كذلك زوجها الجديد. ولكن يوما بعد الآخر تبدلت أحوال "حسام”، طلب من زوجته ألا يصبح عمله مجرد أن يكون "زوج الست”، بل أن يدير شركات زوجها الراحل التي ورثتها، وافقت "ندى” لتبعد شبح الخلافات عن حياتها مع حبيبها.

تسلم "حسام” مسؤولية كل الشركات، ولعبت الأموال الطائلة برأس الزوج الذي اندفع في مغامرات تجارية مجنونة كانت نتيجتها خسارة فادحة، وتحريره لشيكات من دون رصيد، حصل أصحابها بعد ذلك على أحكام قضائية بحبس "حسام”.

انهار كل شيء في أشهر قليلة. لم يكن أمام "حسام” سوى الهرب بعدما أضاع بتهوره ثروة تقدر بملايين الجنيهات، وبالفعل اختفى تماماً، وراح أصحاب الشيكات يطالبون "ندى” بأموالهم، لكنها لم تستطع فعل أي شيء، فاضطر العملاء المتضررون إلى إبلاغ مباحث تنفيذ الأحكام لإلقاء القبض على الزوج الهارب "حسام”.

لم تمر أشهر قليلة حتى سقط في قبضة الشرطة، وتبين وجود جرائم نصب اقترفها في الماضي بالإضافة إلى أحكام قضائية الصادرة ضده في قضايا الشيكات من دون رصيد، وبتضيق رجال الشرطة الخناق عليه اعترف "حسام” بجريمة قتله للمقاول "سعيد” بمشاركة أرملة القتيل.

انكشفت الحقيقة كاملة مرة واحدة، القي القبض على "ندى” التي انهارت بدورها، واعترفت بمشاركتها "حسام” في قتل زوجها السابق الحاج "سعيد”، واحيل الزوجان إلى محكمة جنايات الإسكندرية، ووقفت "ندى” وهي حامل في شهرها الأخير داخل قفص الاتهام إلى جوار "حسام” زوجها الحالي وعشيقها السابق، ينتظران كلمة النهاية، والتي جاءت على لسان القاضي بالحكم عليهما بالسجن المشدد 25 عاماً.