نقطة : واحد من خمسين
قرر خوض الانتخابات، وياله من قرار إبداعي في بلد كهذا لا أحد يفكر فيه بخوض الانتخابات أو يبحث عن شعبية وشهرة. يمكن القول إن المشروع قد بدأ بالتبلور في ذهنه منذ سن البلوغ، تغير صوته وتغيرت معه أحلامه، فصوته الأجش أعطاه إحساساً بالتميز والقوة والثقة، مما مكنه من قيادة أصدقائه في "الفريج" وإدخالهم معه في مغامرة تلو أخرى، منتصرين تارة ومقيمين بـ"الرازي" تارات، ولأن الكويتيين بطبيعتهم طيبون ومتسامحون و"نسّايون" فلم يحمّله أصدقاؤه مسؤولية مغامراته، وذلك مما زاد من ثقته بنفسه، حيث تيقن مع مرور الوقت وتراكم الخبرات أنه متوافق مع مواصفات الجودة القياسية الرسمية للقيادة والارتقاء في الكويت. وعلى هذا المنوال كبر وكبرت طموحاته معه، وصارت الوظيفة الحكومية لا تكفيه، وعدم تطبيق القانون لا يشفي غليله، يريد أن يُشرع القوانين، ولم لا؟ فمن شرعوا قبله ليسوا بأفضل منه! وفي تلك المرحلة بدأت تسري سمعة شجاعته و"مرجلته" في ممارسة الفساد القانوني المحترم، فقد أنشأ شركتين لرفد السوق المحلي بالعمالة الهامشية المدربة على أحدث أساليب جمع والتقاط القمامة وإلقاء التحايا والأدعية، مما وفر له قليلاً من السيولة المالية، فدخول جنة الكويت ليس مجانياً بالطبع، وإيماناً منه بمقولة "اطلبوا العلم ولو في الفلبين"، واستكمالاً للشكل التسويقي يمّم وجهه شطر إحدى الدول "المتقدمة" التي لا تشترط تعلم لغتها أو علومها أو حتى زيارتها، فنال شهادة أكاديمية تعينه في مشوار كفاحه للأعلى. ثم، وبحكم علاقاته التاريخية وسمعته في منطقته وشهادته العلمية الجديدة، وبحكم كونه "عقيد" ربعه وجماعته، تم تعيينه بمناصب في عدة هيئات حكومية ورقابية، فلا أحد سيعرف يراقب ويوجه الآخرين أفضل منه، وفي تلك الفترة تحصل بالطبع بطرق "مشروعة" كعادته على مزارع وجواخير لممارسة الفعاليات الاجتماعية التي تؤهله لتمثيل الأمة. ولكن، وللأمانة التاريخية، فإنه في خضم كل هذا النشاط لم ينسَ ربه فأسس "مبرّة"، لذلك وفقه الله، وبفضل بركة دعاء الوالدين ودعم ربع "الرازي" الأوّلين صار عضواً في مجلس الأمة، يُشرع ويراقب ويشتم ويضرب ويكذب ويزوّر ويعارض ويحارب الفساد، ويعيش أزهى عصور نكوصه لمرحلة المراهقة بكل أريحية وحصانة وانسجام مع الذات. وهكذا استطاع بفضل تاريخه الهادف وكفاحه المستمر وسيرته المهنية أن يكون نموذجاً يحتذى، جاعلاً من مسيرة حياته خطة عمل يسير على هديها الطامحون والإصلاحيون، حيث لم يتبقَ له من إنجازات لاستكمال أسطورته إلا انتقال روحه لبارئها، ومن ثم إطلاق اسمه على أحد الشوارع لتخليد ذكراه العطرة.