كانت المائدة جامعة للأسرة، والموحدة لأفرادها، ولما فقدت دورها الجامع تفرقت الأسرة. هناك أُسر لا ترى بعضها إلا صدفة أو في المناسبات.المائدة منذ أن كانت على سفرة الخوص جامعة للأسرة، رغم بساطة الوجبات الغذائية، يتصدرها الجد والجدة، والأب والأم، هكذا حتى انتهى دور الجد القيادي، الذي تُدس إليه الآن وجبته في إناء صغير، ولا يحيط به نفر من أهله... هذا الإناء يحمله إليه الخادم أو الخادمة - وهكذا عزلت الجدة بزاوية في المنزل أو مفردة بغرفة... هذا مثل لا يشمل الغالبية. كانت البلاد كريفٍ أو قرية، والأسرة لها نظام جامع لا يتخلف أحد عن الالتفاف حول المائدة.
إعداد الوجبة لا ينجز إلا بمشقة في مطبخ طيني وأرض رملية وجدران فاحمة سوداء مما يُوقد من السعف والأخشاب والحطب، ولا توقد إلا بشق الأنفس، والمنزل كأي منزل ريفي، في فنائه الأغنام أو البقر، للاعتماد على ألبانها. الآن، سهُل إعداد الوجبات بالأفران الكهربائية ومواقد الغاز، وصار الاعتماد على إحضار الوجبات السريعة بالتلفون، ويكاد كل فرد ينفرد بوجبته يأكلها وهو قائم أو سائر على قدميه، أو راكباً في السيارة.ومعظم الفتيات هجرن المطبخ، رغم سهولة إنجاز الطعام. في السابق كان يُرغب في الزوجة، إن كانت طباخة ماهرة.. الآن كثرت المطاعم، وازدادت أمراضها، وصارت العيادات الصحية تنافس المطاعم في عددها.* * *الأفران قديماً كانت بدائية، إما أن تكون على الأثافي، مفردها أثفَية، أو ذات تشديد الياء أثغّية. والأثافي أحجار ثلاثة توضع عليها القدر، أو المركة من صنع الحداد ذات قوائم ثلاثة أو أربعة، تركن عليها القدر، ويسميه أهل البادية "مركب" برواية الأستاذ حمد السعيدان.وموقد السفينة (السريدان)، وهو صندوق معدني مفتوح من الجهة الأمامية، لاتقاء الهواء ورش ماء البحر، وهناك تنور المنزل، لإعداد الخبز (خبز الخمير)، كما توضع به بعض القدور وشواء اللحوم والأسماك.وكانت الأم، ومن تساعدها من بناتها، في مشقة من حلب الماشية، إلى إحضار الأخشاب والسعف والجلة واحتراقها للطبخ، فتنبعث منها سُحب من الدخان يضر صدورهن وعيونهن. في زمن لم تكن قدرة الأهالي لجلب الخدم هكذا، كانت الأسر ودور المرأة الشاق لإحضار المائدة في الوجبات الثلاث... ومعظم الشعوب كانت بهذه الأحوال قبل الكهرباء والغاز والحياة البسيطة مع القناعة ورضا العيش.
توابل - ثقافات
المائدة (2-3)
19-06-2016