عرَّاب السينما الكويتية... المخرج العالمي خالد الصديق (1-5):

«طفولتي الشقية نقلتني من مدرسة الشرقية إلى سان بيتر بالهند»

نشر في 19-06-2016
آخر تحديث 19-06-2016 | 00:03
نلتقي على مدى عدة حلقات رائد السينما الكويتية المخرج خالد الصديق، وهو صاحب بصمات واضحة سطرها بأحرف من نور خلال مسيرة تلفزيونية وسينمائية ريادية وحافلة بالإنجازات، وأصبح بحق علامة سينمائية كويتية بارزة حازت الإعجاب والتقدير، في وقت كانت فيه صناعة السينما في عالمنا العربي، وفي الكويت بالذات، مغامرة ومخاطرة مادية وفنية، خصوصاً لمن لا يملك مقوماتها وأدواتها الفنية.
أخرج الصديق أول فيلم كويتي روائي طويل (بس يا بحر) عام 1971، ونال عنه جوائز عدة في مهرجانات عالمية. كذلك، أخرج فيلم «عرس الزين» عام 1977، الحاصل على جوائز عربية وعالمية، إضافة إلى فيلم «شاهين»، وهو إنتاج
كويتي - هندي - إيطالي مشترك عام 1986. كما أخرج أول مسلسل تلفزيوني بعنوان «قاتل أخيه».
في هذه الحلقة، نتعرف على طفولته وقصة هروبه من المدرسة، وولعه بالفن السابع منذ الصغر الذي أبعده عن التجارة مع والده.
• كيف كانت طفولتك وذكريات الدراسة؟

- كنت طفلاً شقياً أحب اللعب أثناء دراستي في مدرسة الشرقية خلف المستشفى الأميري، لأنني من مواليد منطقة شرق، وكان ناظر المدرسة وقتذاك الشاعر والأديب وأحد رواد الحركة الفكرية في الكويت الراحل أحمد السقاف، المعروف بقساوته الشديدة والعصا لمن عصى، لذا أهرب مع مجموعة صبيان من فريجنا من المدرسة لصيد الطيور (الحبال)، وذلك في مقبرة هلال بجانب المدرسة، إلى أن جاء والدي في أحد الأيام من محله بسوق التجار واكتشف هروبي، فأخذت نصيبي من الصفعات (چم طراق)، وفي المرة التالية أصبت بالدهشة، لأنه لم يقل لي شيئاً، وبعد مرور أربعة أيام أرسل أحد موظفيه وأخذني بـ«اللنچ»، ثم صعدت إلى الباخرة المتوجهة إلى الهند، فهو يمتلك العديد من المكاتب التجارية في دبي وكراتشي وبومبي.

في الهند

• وماذا حدث في الهند؟

- طلب والدي من أحد موظفيه إدخالي أفضل المدارس الداخلية عام 1951، وأول مدرسة اسمها «كايس تشيرج»، لأن أحسن المدارس في ذلك الوقت هي التبشيرية في بومباي، تم إنشاؤها منذ عهد الإنكليز، فاكتشفوا أنني لا أعرف التحدث بالهندية، ثم ذهبنا إلى مدرسة أخرى هي «سانت ميري»، التي رفضتني أيضاً.

أما الثالثة، فكانت ثابتة، حيث تم قبولي في «سان بيتر»، وهي ثاني أفضل مدرسة في بومباي، وقضيت هناك 10 سنوات، وسر قبولهم لي، هو اكتشافهم قابليتي للتعلم، وأجمل ما في الموضوع، أنني تفوقت في حصة الدين الإنجيلي طبعاً.

• لماذا كنت الأفضل بين التلاميذ؟

- لأننا كنا في تلك الفترة ندرس العهد القديم، وهو ما سبق أن تعلمته في دروس القرآن الكريم عند الملا محمد، وأنا في سن الخامسة من عمري، وعندما درسنا العهد الجديد تورطت فعلا، حينها انتسب للمدرسة د. مبارك الخضوري من عُمان ومع أخيه خالد، فقال نحن كمسلمين يحق لنا أن نستثنى من دروس الدين المسيحي، وقدمنا كتاباً في هذا الموضوع، فتم إعفاؤنا من حضور هذه الحصص الدينية.

• ماذا فعلت حينها؟

- طبعا إعفائي من حصص الدين هو بداية العيد بالنسبة لي، حيث حضرت في تلك الأوقات الأفلام، سواء كانت هندية أم إنكليزية أم أميركية، وفي خمسينيات القرن الماضي كانت الأفلام الإنكليزية الأكثر انتشاراً في الهند، كما أذهب إلى الاستديوهات، متطوعاً كعامل، لأشبع فضولي، وتعرفت عن قرب على كثير من جوانب العمل، فخصصوا أجراً لي، لكنني رفضت تسلمه، لأن لدي ما يكفيني، ما يهمني فقط التواجد، وكل ما كانت هناك مساحة من الوقت، استغلها بالذهاب إلى الاستديو واسمه «سنترال استديو»، أو ارتياد صالات السينما، ومشاهدة النجوم السينما والمخرجين، وكنت مستمتعاً وسعيداً بهذه الأجواء.

عشق السينما

• ما سبب عشقك للسينما؟

- تولعت لدرجة رهيبة بهذا الفن، ويعود ذلك إلى الهروب الدائم من التعاسة التي عايشتها في تلك الفترة، حيث كنت بعيداً عن والدتي وأخواتي وإخوتي وأصدقائي وديرتي، فكانت السينما هي الملاذ الوحيد والملجأ بالنسبة لي.

تدريجياً أحببتها لدرجة الجنون، فانتسبت إلى معهد التصوير السينمائي، أثناء دراستي هناك، حيث خططت منذ البداية، وحينها كان عمري 14 عاما، أن أشتغل في مجال السينما، وأن أصنع فيلماً.

• هل اكتشف والدك غيابك عن المدرسة؟

- كان والدي يأتي كل عامين، للإشراف على مكتبه في الهند، وبعض موظفي مكتبه قدموا له تقاريري المدرسية، فاكتشف كثرة غيابي عن المدرسة، فاستفسر عن سبب ذلك، فقالوا له إنني ارتاد السينما، فما كان منه إلا أن غضب وقال لي في الهند تهرب من أجل السينما وفي الكويت من أجل صيد الطيور، فآثر أن يصحبني معه للكويت، وكان قرار العودة لمساعدته في تجارته.

• ما عدد الأفلام التي شاهدتها في الهند؟

- كنت أشاهد من 4 إلى 5 أفلام خلال عطلة نهاية الأسبوع، واكتشفت أنني وقعت أسيرا لغرام السينما التي استحوذت على اهتمامي وشغفي، لذا طمحت إلى دخول المعهد السينمائي الرسمي في تخصص الإنتاج والإخراج في منطقة اسمها بونا، بعد تخرجي في الثانوية، لكن والدي رفض الموضوع برمته، ولم أكمل دراستي، وسحبني فوراً إلى الكويت، من زعله وقهره مني.

أول راتب

• ماذا عملت في الكويت؟

- أراد والدي أن أعمل معه في التجارة، حاولت لمدة شهر، لكنني لم استسغ الموضوع، وتصادمت معه، وقلت له إن تجارة اليوم غير الأمس (عشرينيات القرن الماضي)، فلم يواكب تطور العصر، فتوسط لي أن أعمل في مجال البنوك، لكي أتعلم أصول التجارة، وذلك عن طريق صديقه عبدالحسين معرفي، مدير البنك البريطاني والشرق الأوسط، الذي أصبح في ما بعد بنك الكويت والشرق الأوسط، والآن البنك الأهلي المتحد، وبالفعل عملت لمدة عامين، وعندما تقاضيت أول راتب اشتريت كاميرا سينمائية، وفي المعاش التالي اشتريت كاميرا فوتوغرافية، لأنه رفض أن يشتري لي كاميرا، فهو ضد تعلمي السينما.

• هل كتبت لك الاستمرارية في البنك؟

- أثرت الظروف التي عشتها على مشوار حياتي، ولا سيما أنني عشت تحدياً من أجل العمل في مجال أحبه، وقد ضحيت كثيراً وصبرت كي أحقق ذاتي، إذ رأيت أن المكان الوحيد الذي أستطيع من خلاله تحقيق طموحي السينمائي، هو تلفزيون الكويت، الذي كان في بدايات انطلاقته، ودققت في الأمر، لم أجد قسما للسينما، وبدأت أطلب العديد من الكتب المتخصصة في مجال السينما على مبدأ علّم نفسك بنفسك، إضافة إلى معرفتي للمبادئ الأولية التي تعلمتها في معهد الهند.

فقدمت استقالتي من البنك، قال لي عبدالحسين معرفي يجب أن تراجع والدك، وتجادلت معه بقولي يحق لي أن أقدمها لكوني فوق الـ 18 سنة. فتحدث إلى والدي، وقال له لن يشتغل معك سيذهب إلى التلفزيون، وفعلاً ضحيت في العمل بالتجارة مع والدي وعملت في قطاع التلفزيون عام 1963.

العمل في التلفزيون

• أين بدأت العمل في التلفزيون؟

- قدمت أوراقي، من بينها كتب من الشركات الإنتاج السينمائي التي عملت لديها بلا مقابل، ومعهد التصوير الفوتوغرافي والسينمائي، وشهادة في مجال الهندسة الإلكترونية، وخاصة الراديو، حيث كان هوايتي في تلك الفترة، فلم يعترفوا بكل هذه الكتب والشهادات، وعرضوا عليّ العمل كمبتدئ براتب 26 ديناراً، فوافقت على الرغم من كون معاشي في البنك 90 ديناراً. واشتغلت في القسم الهندسي مع اثنين بلجيكيين كانا يركبان أجهزة الإرسال وغيرها، وكان معي يعقوب دشتي، الذي أصبح في ما بعد الوكيل المساعد للشؤون الهندسية في التلفزيون، ومصطفى المطوع.

• لماذا لم تكمل عملك في القسم الهندسي؟

- لقد حققت هناك جزءاً من هوايتي، لكنه ليس ما أريده وأطمح إليه، وخلال فترة العمل في القسم الهندسي بالتلفزيون سألني مدير التلفزيون، وكان حينها د. يعقوب الغنيم، عما إذا كان لدي معرفة بالإخراج التلفزيوني، وأبلغته بعدم معرفتي بذلك، فقرر أن أعمل مدير استديو، لأتعلم وأكتسب خبرة من الشغل اليومي، ودوري هنا أن أنقل أوامر المخرج للممثلين، وكان المخرجون قد جاؤوا بنظام الإعارة من مصر، اشتغلت معهم لفترة من الزمن.

ثم سنحت لي العديد من الفرص في الانتداب والمشاركة بعدة مهرجانات، كما ذهبت إلى القاهرة، بإعارة مقدمة من التلفزيون المصري لمديري الاستديو لمدة 3 شهور، وهناك تعلمت الكثير في عمل الإخراج.

تصوير أغنيات عبدالحليم حافظ
* كيف تم تكليفك بتصوير أغنيات عبدالحليم حافظ؟

- في عام 1965، اتصل الشيخ جابر العلي، رحمه الله، وكان حينها وزيراً للإرشاد والأنباء (وزارة الإعلام حالياً)، وقال لي اتفقت مع الفنان عبدالحليم حافظ على أن يأتي إلى الكويت لتصوير 6 إلى 7 أغنيات، ومعه المخرج يوسف شاهين، وعليك أن تكون معهما، فاستقبلنا حافظ وشاهين، وصورنا أغنيتين، من بينها «بلاش عتاب» كلمات مرسي عزيز جميل والحان كمال الطويل، التي شاركت فيها الفنانة الراحلة عائشة إبراهيم، وتم تصويرها في قصر عبدالله المبارك، بقرب المسبح في مشرف.

وبعد تصويرهما، قال لي شاهين إنه لن يستطيع إكمال تصوير البقية، لأنه مرتبط بعقد مع الأخوين رحباني، لتصوير فيلم «بياع الخواتم»، وهنا قلت له عليك الاستئذان من مضيفك الشيخ جابر العلي، فذهبت معه إليه، وقال له عن التزامه، فسأله من سيقوم باستكمال بقية الأغنيات؟ فقال له عندكم واحد مجنون مثلي لديه القدرة على تنفيذها بأفضل ما يمكن، فسألني الشيخ جابر: هل بمقدورك تكملة التصوير؟ أجبته بنعم.

* ما الأغنيات المتبقية؟

- «يا هلي يا هلي» من كلمات وليد جعفر وألحان عبدالحميد السيد، و»عيني ضناها السهر «من كلمات عبدالمحسن الرفاعي وألحان سعود الراشد، و»وفي المنام» و»ضي القناديل»، طلبت من عبدالحليم أن يلبس الدشداشة والغترة والعقال في «يا هلي يا هلي»، وقد اعترض على ارتدائه الزي الكويتي الملحن السيد والفنان سعود الراشد، فقلت لهما إذا لم يعجبكما ذلك، فعليكما التحدث إلى الشيخ جابر العلي، فرد عليهما، بأن المخرج هو المسؤول الأول والأخير، وهذه الأغنية المصورة حققت نجاحاً كبيراً على المستويين الخليجي والعربي، وهي من أوائل أعمالي.

السقاف كان ناظر مدرستنا وقد عُرف بشدة قساوته وإيمانه بمبدأ «العصا لمن عصى»

عملت في القسم الهندسي عام 1963 كمبتدئ براتب 26 ديناراً

إعفائي من حصة الدين بالمدرسة الهندية جعلني أرتاد السينما

أول راتب تقاضيته من البنك 90 ديناراً اشتريت به كاميرا سينمائية

ألبست عبدالحليم حافظ الدشداشة والغترة والعقال في «يا هلي يا هلي»
back to top