تتشابه قصص الحب كافة في البدايات، وبداية قصة حب «عماد» وجارته الحسناء «جيهان» لا جديد فيها ولا تختلف عن ملايين قصص الحب التي نسمع عنها كل يوم.نجح الشاب الاسكندري «عماد» في الحصول على شهادة الثانوية العامة بمجموع 75 في المئة، واختار الالتحاق بكلية التجارة لإكمال دراسته الجامعية بينما كانت الفتاة الجميلة «جيهان» في الصف الثاني الثانوي عندما خفق قلبها وأحبت جارها الوسيم.
قصة حب جميلة شهد عليها موج بحر الإسكندرية، الأحلام كبيرة في قلبي الحبيبين الصغيرين، كلمات الحب وعود بين العاشقين اللذين لا يعرفان كثيراً عن متاعب الحياة. وعد «عماد» محبوبته بأن يجتهد في دراسته، ويحصل على شهادته ليتقدم لوالدها مرفوع الرأس ويطلب يدها للزواج، تظاهرت بالغضب، وقالت له: «أربع سنوات انتظار... دي عمر تاني. إزاي يمكن انتظار المدة الطويلة دي؟ ونار الحب قايدة في قلبي وتنهش فيه بلا رحمة».قرر «عماد» استرضاء حبيبة قلبه، عاد وقال لها مبتسماً إنه سيختصر المدة، فبمجرد وصوله إلى السنة الدراسية النهائية سيتقدم إلى خطبتها ثم يتم الزواج بعد التخرج. وافقت «جيهان» ويكاد قلبها يطير من الفرحة. راحت بدورها تقدم وعودها لمحبوبها، أكدت أنها ستنتظره العمر كله، ولن تكون لشخص آخر غيره، هكذا كانت الوعود كبيرة بحجم الأحلام العريضة لشاب وفتاة غادرا لتوهما مرحلة المراهقة، لم يكن أي منهما يعلم بما تخبئه لهما الأيام، أو كيف ستتلاعب بهما.للأيام قانونها الخاص، لا تعترف بوعود البشر، ولا تعبأ بتحقيقها، تعاملت مع قصة حب «عماد» وجيهان» باستهتار مع أنها استمرت أربع سنوات كاملة.نبتعد عن الفلسفة والتنظير قليلا لنعود إلى سياق قصة الحب بين البريئين من دنس الحياة. عندما اقترب «عماد» من محطة تخرجه الجامعي، برّ بوعده لحبيبته وتقدم إلى والدها ليطلب يدها منه، قال للأب إنه في السنة النهائية بالكلية، وكل ما يريده الآن موافقته على أن تتم الخطبة، وبعد تخرجه يتم الزواج.كانت أولى الصدمات للعاشقين الصغيرين، رفض والد «جيهان» الفكرة من أساسها. رفض «عماد» لأنه شاب فقير ومستقبله في قبضة المجهول، ردد الوالد مخاوف الآباء التقليدية حول رغبته في ضمان مستقبل ابنته. انهار العاشق الشاب، شعر بأن قصة حبه التي خلدتها شواطئ الإسكندرية قد انهارت على صخرة الفقر، وبالموج المتلاطم يدمر بيوت الرمل التي بناها في السنوات التي ارتبط فيها بـ»جيهان»، خصوصاً أنه لم يتوقع ذلك السبب تحديدا ليكون مبرر الرفض لأن أسرة «جيهان» على قد حالها ولا تملك أي ثروات أو أطيان، قال لنفسه: «الحال من بعضه»، فلماذا الرفض؟وقبل أن يفيق «عماد» من الصدمة ويحاول البحث عن مخرج للأزمة التي تهدد حب حياته، جاءت كارثة أخرى غير متوقعة، تم زفاف «جيهان» إلى شخص آخر وانتقالها لتعيش معه في القاهرة. كاد «عماد» يفقد عقله وصوابه ويقترب من حافة الجنون، راح يصرخ ويتساءل عن وعود محبوبته ودموعها، أين ذهب الحب الكبير والوعود العظيمة؟ لا سيما أن محبوبته لم تقاوم هذه «الزيجة» أو «البيعة» كما كان يقول «عماد» عن زواج الأثرياء بالفقراء، أدرك أن الأب وافق لأن العريس من أبناء الباشاوت.
أمل جديد
كان «عماد» صغيراً في مقتبل الحياة، لذلك لم يكن يعرف أن لكل شيء نهاية، وأن الأيام كفيلة بأن تنسيه كل آلامه، وفعلاً مرت السنون وتبدلت الأحوال، وبدأ حياته العملية، لكنه لم ينس الحب الأول في حياته، ولكن الأهم من النسيان هل تعلّم الدرس؟مثل كل يوم، عاد المحاسب الشاب «عماد» من عمله في الثالثة عصراً، فتح باب الشقة ليجد والدته المسنة في انتظاره على مائدة الطعام، وقد أعدت له وجبة الغداء. طبع قبلة حانية على جبينها، وجلس إلى جوارها يحكي لها عما جرى في البنك الاستثماري الذي يعمل فيه.كانت الأم على غير عادتها تستمع لابنها الوحيد وذهنها مشغول بأمر آخر، كانت قلقة ومتوترة، وبدا على وجهها أن أمراً ما يشغل بالها، وما إن لاحظ الابن ذلك حتى توقف عن الحديث وسأل أمه: «مالك يا أمي... أنتِ مش معايا خالص».انتبهت الأم لسؤال ابنها، حاولت إخفاء ما يشغل بالها، ولكن إلحاح ابنها عليها جعلها تخبره بالأمر الذي حاولت إخفاءه عنه بعدما علمت بالخبر الجلل من بعض الجيران، قالت الأم وكأنها تلقي قنبلة:- جيهان طلقت.كان ذكر اسم «جيهان» كفيلاً بأن ترتسم الابتسامة على قسمات وجه المحاسب الشاب «عماد»، الذي سرح بخياله بعيداً، عادت الذاكرة به إلى الوراء عشر سنوات كاملة، إلى الثانية والعشرين من العمر، ومر شريط الذكريات على محطات مهمة في علاقته بجارته الحسناء «جيهان»، بداية من قصة غرامه لها قبل أن يصارحها بحقيقة مشاعره، ثم عندما رفض والد «جيهان» إتمام فرحة الحبيبين بحجة أن «عماد» ما زال طالباً، وأمامه مشوار طويل ليستطيع فتح بيت وتحمل المسؤولية، ثم صدمته عندما علم بزواجها من رجل ثري، انتقلت معه لتعيش في القاهرة.ذكريات أخرى تدافعت في رأس المحاسب الشاب، تذكر وعود محبوبته التي راحت أدراج الرياح، ضحكاتهما والجلوس على الشاطئ في برد الشتاء ودفء الحب يحتويهما. ورغم مرور عشر سنوات فإن المحاسب الشاب لم يقوَ على نسيانها، لذلك رفض الزواج رغم توسلات والدته المسنة بأن ينسى حبه الأول الضائع ويتزوج، وينجب لها حفيدا لتفرح به، وترى أولاده في حياتها.توقف شريط الذكريات الطويل الذي مر أمام عيني المحاسب «عماد» بمجرد نطق اسم «جيهان» أمامه، انتبه فجأة إلى باقي الجملة التي خرجت على لسان أمه المسنة «جيهان اتطلقت»، قال «عماد» والفرحة تقفز في عينيه:* أنتِ قولتِ اتطلقت؟!.. يعني... ولم يكمل الابن جملته قاطعته والدته في غضب محذرة:- أوعَ تكون لسه عاوز تتجوزها يا عماد... دي ما تنفعكش يا ابني؟وتبدلت علامات الفرحة على وجه الابن وتجهم وجهه بعد تحذير أمه وسألها:*أنتِ ليه بتكرهي جيهان يا أمي؟ تنهدت الأم وقالت:- أنا مش بأكرهها يا ابني... بس دي واحدة تخلت عنك وعن حبك لها وراحت اتجوزت واحد لا تعرفه ولا يعرفها علشان الفلوس... إزاي أنت نفسك تآمن لها بعد كده؟!رد الابن قائلا:* أيوة يا أمي بس...وقاطعته الأم قائلة:- اللي تبيع الحب مرة علشان الفلوس... ملهاش أمان يا ابني لأنها هتبيع الحب مليون مرة علشان أي حاجة تانية.كان منطق الأم سديداً، ورغم ذلك لم تعجب كلماتها الممزوجة بالخبرة الطويلة ابنها «عماد»، الذي قال في إصرار غريب:- بس أنا لسه بأحبها يا أمي... ومش هأقدر أتجوز واحدة غير جيهان!لم تكن كلمات «عماد» لوالدته مجرد رأي، وإنما بمثابة قرار حاسم اتخذه بالفعل حتى لو لم توافق عليه والدته، أجبر الأمل الجديد عقله ليرضخ لقلبه والحب القديم.عود على بدء
لم تمض أسابيع حتى التقى «عماد» بحبه القديم «جيهان»، لكن بعدما حملت لقب مطلقة. كان لقاء يشبه الحلم. لم يصدق «عماد» أن الأيام التي فرقت بينه وبين حبيبته هي نفسها التي جمعته بها مجدداً، ففي دقائق معدودة عادت المياه بين الحبيبين إلى مجاريها بعد عشر سنوات من الفراق، واتفق المحاسب العاشق مع المطلقة «جيهان» على إتمام زواجهما بمجرد انتهاء فترة العدة بعد طلاقها من زوجها السابق.في هذه الفترة كانت الأم المسنة تسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى إقناع وحيدها بالعدول عن قراره بالزواج من «جيهان». لم تكن تكتفي بإسداء النصائح لابنها، بل كانت تسابق الزمن بحثاً عن عروس أخرى مناسبة لابنها الرافض فكرة الأم من الأساس أو حتى مجرد الحديث في هذا الأمر لاستعداده لاتمام زواجه من محبوبته القديمة التي لا يرضى عنها بديلا.وبمرور الوقت، استسلمت الأم للأمر الواقع، ورضخت لرغبة ابنها الوحيد، وهي تدعو له أن تُكذب الأيام رأيها في «جيهان»، وأن تكون زوجة صالحة لابنها. وتزوج «عماد» من «جيهان»، الحلم القديم تحقق. فرح العاشق بعودة الصلات القديمة مع حب حياته، وحتى لا تصطدم الأم بزوجة ابنها فضلت ترك شقتها للعروسين، وأقامت مع شقيقتها الصغرى التي تسكن بمفردها في أحد الشوارع القريبة من عش الزوجية في الحي نفسه.مرت الأيام، والعريس الشاب ينهل من السعادة مع عروسه، وبعد أسابيع شعرت «جيهان» بجنين يتحرك بين أحشائها، وطارت الزوجة إلى زوجها تزف إليه الخبر السعيد، لم يصدق «عماد» نفسه، طار من الفرحة أخيراً، ابتسمت له الدنيا، وأحلامه تتحق الواحد تلو الآخر، أسرع المحاسب الشاب مع زوجته إلى عيادة طبيب أمراض النساء الذي سيشرف على متابعة حمل «جيهان» حتى يصل ولي العهد إلى الدنيا بالسلامة.حمل واتهام
دخلت «جيهان» إلى غرفة الكشف، وبعد ربع ساعة خرج الطبيب، وعلى وجهه ابتسامة صافية وقال بفرحة للزوج: «مبروك يا سيدي... المدام حامل في الأسبوع الـ 12.. يعني نقدر نقول 3 أشهر»، وقعت كلمات طبيب أمراض النساء على رأس المحاسب الشاب كالصاعقة، انسحبت الفرحة من على وجهه وتوجه بنظره إلى زوجته التي خرجت لتوها من غرفة الكشف، وطأطأت رأسها إلى الأرض خجلا وراح «عماد» يلح على الطبيب بالسؤال نفسه:* حضرتك بتقول 3 اشهر؟ حضرتك متأكد؟ورد الطبيب في ثقة: - طبعاً متأكد!صرخ «عماد» بأعلى صوته:* 3 أشهر إزاي؟ إحنا متجوزين من شهر بس. اللي في بطنها ده مش ابني يا دكتور!لم يجد الطبيب ما يرد به في مثل هذا الموقف المحرج. التفت إلى الزوجة ليجدها تنكس رأسها إلى الأرض وتلتزم الصمت، فعاد الطبيب يقول:- والله أنا اللي عندي قولته... دي أمور بينكما حلوها مع بعض.طوال الطريق إلى البيت، لم ينطق «عماد» بكلمة، كذلك «جيهان» التي لم تكتف بالتزام الصمت، وإنما تظاهرت بالغضب من زوجها الذي أحرجها وأهانها أمام الطبيب. تحول عقل الزوج المصدوم إلى آلة حاسبة، راح يحسب بداية فترة الحمل ويسأل نفسه من يكون والد الجنين، فقد تم طلاقها قبل أربعة أشهر، وتزوجته قبل شهر، والجنين عمره الآن ثلاثة شهور، فلا الجنين ابن طليقها ولا ابنه بالورقة والقلم.بمجرد وصول الزوجين إلى بيتهما انطلقت «جيهان» تجمع ملابسها بسرعة، وغادرت عش الزوجية عائدة إلى منزل أسرتها تاركة «عماد» جالسا شارد الذهن، ولم تنس أن تقول له وهي تغلق باب الشقة خلفها: «أنت بتتهمني في شرفي. أنا هادفعك الثمن غالي».نفذت «جيهان» تهديدها بكل شراسة. أسرعت إلى محكمة الأسرة بالإسكندرية تطلب الخلع من زوجها. لم تكتف بذلك، بل توجهت إلى قسم الشرطة، وحررت محضراً اتهمت فيه زوجها المحاسب الشاب بالاعتداء عليها بالضرب والسب والقذف، وإهانتها أمام الطبيب واتهامه لها بأن الجنين الذي تحمله بين أحشائها ليس من صلبه.هكذا انقلبت الدنيا فوق رأس «عماد» فجأة. لم يجد المحاسب الشاب أمامه سوى حضن أمه المسنة ليرتمي فيه باكياً معتذراً على عناده، وعدم سماعه نصيحتها وتحذيراتها له بعدم الزواج من «جيهان». ويوماً بعد آخر، انهالت إنذارات المحاكم على «عماد»، مرة لسماع أقواله في واقعة السب والقذف في حق زوجته، ومرة في قضية الضرب، وثالثة في قضية الخلع، ورابعة في قضية إنكار نسب الطفل الذي تحمله زوجته في أحشائها، وهي القضية الوحيدة التي أقامها «عماد» ضد زوجته بناء على نصيحة والدته، مقابل ثلاث قضايا أقامتها «جيهان» ضده.وكما يقولون: المحاكم حبالها طويلة، جاءت كلمات الفصل في كل القضايا بين الزوجين على جولات متباعدة. الجولة الأولى جاءت بعد مرور أشهر من الحرب القضائية بين المحاسب الشاب «عماد» وزوجته «جيهان» حيث قضية السب والقذف، والتي أقامتها «جيهان»، فقضت المحكمة ببراءة المحاسب «عماد»، وقالت في حيثيات الحكم إن الدستور كفل حق الشكوى لجميع المواطنين.أما ثاني الجولات فجاءت بعد أشهر أخرى في القضية المتهم فيها «عماد» بالاعتداء على زوجته بالضرب، وقضت المحكمة ببراءة «عماد» من التهمة، ثم كانت الجولة الثالثة والخاصة بقضية الخلع، وجاء الحكم في صالح «جيهان» حيث قضت محكمة الأسرة بتطليقها خلعاً من زوجها المحاسب «عماد»، هكذا مات الحب الكبير.أما في الجولة الرابعة والأخيرة بينهما فحملت فصل الختام في علاقتهما للأبد، إذ كانت الدعوى بخصوص إنكار «عماد» نسب ابن «جيهان» والذي جاء إلى الدنيا بالفعل، وقضت المحكمة لصالح «عماد» بإنكار نسب الطفل بعدما أكد تحليل الـحمض النووي (DNA) ذلك، ليخرج بعدها "عماد” من قاعة المحكمة منتصرا ويطبع قبلة على جبين أمه المسنة قائلا لها: "أنا أسف يا ست الحبايب... يا ريتني سمعت كلامك من الأول”، ثم تبادل النظرات مع زوجته السابقة، وقال لها بلغة العيون "وداعا يا من كنت حبيبتي”.