تتعالى في الأيام الأخيرة صيحات الخبراء الاقتصاديين بضرورة البدء بالإصلاحات الاقتصادية في البلد، وتحذيرهم من ضياع فرصة إقرار تلك الإصلاحات، وغالبية من ينادون بذلك يركزون على إجراءات تتعلق بمراجعة الصرف على الرواتب والأجور، ورفع الدعم عن السلع والخدمات وزيادة أسعار الوقود (البنزين والمشتقات البترولية)، ورفع أسعار الكهرباء والماء، وتخفيض الإنفاق على البعثات الدراسية الخارجية، إضافة إلى فرض ضريبة القيمة المضافة.

طبعاً... معظم المطالبين بالإصلاح الاقتصادي بشكله "النيوليبرالي" لا يذكرون شيئاً عن إصلاحات أخرى تحقق العدالة في توزيع ثروة البلاد، وتمكن المواطن العادي، الذي سيتحمل العبء الأكبر نتيجة تلك الإصلاحات، ليجد وسيلة لاستثمار مدخراته تساعده على تحمل الالتزامات الجديدة التي ستترتب عليه، مثل استثمار المواطن في الإنفاق الأكبر في الكويت المتمثل في صرف الدولة على المناقصات العامة.

Ad

مجلس الأمة أقر قانون المناقصات العامة الأسبوع الماضي، وشطب أي أمل بأن يستثمر المواطنون في هذا الإنفاق، بعد إلغاء النواب المادة التي تستوجب أن تكون الشركات التي تتقدم للمناقصات بقيمة معينة مدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية (البورصة)، ونجحت اليد العليا للمتنفذين لتبقي الوضع على ما هو عليه، ليستمر تدفق مليارات المناقصات على عدد معين من المؤسسات الفردية والعائلية دون استفادة حقيقية للاقتصاد الوطني والمواطنين، ويمضي مجلس الأمة في طريقه دون الرد أو الالتفات إلى التساؤلات والنقد المتصاعد لهذا الإجراء.

في المقابل، فإن برلمان الشعب -المفترض- ينفذ بطريقة أو أخرى مطالب أصحاب اليد العليا كلها، فمثلاً وليس حصراً عدل قانون الـ"B.O.T" استجابة لهم، وكذلك قانون خصخصة الخطوط الجوية الكويتية، ليسمح للشركات المحلية بتملك حصص، رغم أن الهدف من الخصخصة كان الحصول على خبرات عالمية، وناور في قانون الوكالات التجارية ليبقى الوضع على ما هو عليه، فيما رأى أن إعادة البنوك للفوائد التي حصلت عليها دون وجه حق للمواطنين أمر مستحيل لاعتبارات محاسبية! وكشف عن توجهه ذلك بشكل مفضوح في قانون المناقصات عندما شطب المادة المتعلقة بالشركات المدرجة بالبورصة، وروج بأن الشركات الأجنبية ستتمكن من الدخول في المناقصات مباشرة... رغم عدم تحقق الفائدة من ذلك إذا كانت تلك الشركات ستأخذ الأموال وتخرج من البلد دون أن تلزمها بأن تكون شريكة أو متحالفة مع شركة مدرجة في البورصة.

بصريح العبارة الإصلاحات الاقتصادية ستكون من جيب المواطن البسيط، ولن يتركوا له حتى مسرب لاستثمار بسيط يعينه على مطالبه الحياتية والتزاماته الأسرية، والقوانين التي تسن تحرص على إبقاء الوضع على ما هو عليه لمصلحة أصحاب اليد العليا بشكل أو بآخر.

كما أن ضريبة القيمة المضافة، التي ستطبق قريباً، هي أشد أنواع الضرائب ظلما، إذ إنها تساوي بين الملياردير والأرملة التي تحصل على مساعدة اجتماعية عند شراء سلعة معينة، بينما تنحى جانباً فكرة ضرائب الأرباح التصاعدية على الدخل العادلة، ليتمكن صاحب اليد العليا من مليارات الدولة دون أن يسدد أي التزام للمجتمع نظير التمتع بها... وهو ما سيجعل الوضع يبقى على ما هو عليه من استحواذ وتفرد!