أول العمود:

Ad

تنفيذ مشروع البيت العائلي في السجن المركزي خطوة اجتماعية مستحقة سيكون لها مردود نفسي إيجابي على النزلاء وأسرهم.

***

بعد انتهاء حصار جيش المسلمين لبيت المقدس (إيلياء) إثر معركة اليرموك والاتفاق الذي تم بين قائد جيش المسلمين أبو عبيدة بن الجراح وأهلها، ومجيء الخليفة عمر بن الخطاب وخادمه على ظهر ناقة من المدينة المنورة في رحلة طويلة شاقة انتهت بالقدس، قابل فيها بطريرك المدينة صفرونيوس وأساقفتها في سنة ١٥ هجرية الموافق ٦٣٦ ميلادية كشف لنا التاريخ عن أبرز وثيقة تسامح في العهد الإسلامي، والمسماة بالعهدة العمرية نسبة إلى ثاني خلفاء العهد الراشد.

وفيها أمن الخليفة عمر، رضي الله عنه، أهل المقدس على كنائسهم وصلبانهم وحرية عقيدتهم، كما في مطلع الوثيقة: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبدالله أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان: أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصُلبانهم، وسقيمها وبريئها، وسائر مِلَّتها؛ أنه لا تُسكَن كنائسهم، ولا تُهدم ولا يُنتقص منها، ولا من خيرها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يُضام أحد منهم…".

كان بإمكان خليفة المسلمين وهو صاحب النصر المبين أن يحول الكنائس إلى مساجد كما حدث في وقائع تاريخية كثيرة للأديان المنتصرة لكنه أبى ذلك، أو أن يدمر المدينة كما فعلت الأمم السابقة التي غزت القدس. وتذكر كتب التاريخ رفضه إقامة الصلاة في كنيسة القيامة وخروجه لإقامتها في مكان آخر توقيرا لأصحابها، وحتى لا يأتي من بعده ويهيمن على دور غير المسلمين بحجة التغلب.

أين معاني هذه الوثيقة مما يحدث اليوم للطوائف المسيحية في العراق وسورية، والتشنيع بالأقليات الأيزيدية والآشورية وغيرها من الأقليات التي ملأت مدونات الإعلام المختلفة أخبار سحقهم والتنكيل بهم باسم القرآن وكلمة لا إله إلا الله؟! أين حرية العقيدة التي نصّت عليها الوثيقة وحفظتها مما يحدث اليوم من نفي وإقصاء بين مذاهب الدين الواحد؟

العهدة العمرية إحدى والوثائق الشهيرة في تاريخ العرب التي تعكس سماحة الدين الإسلامي وثقافته المتسعة، نعم فهناك "دستور المدينة" الذي أصدره النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، بعد الهجرة للمدينة، وهناك "عهد نصارى نجران" الشهير، وغيرها من الوثائق التي جمعها كتاب "مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة" لمؤلفه محمد حميد الله.

إن محاولات الإسلام السياسي اليوم العبث بتاريخ عريق من التسامح، وتجاهله أحداثا موثقة للتعايش والسلام الاجتماعي ما هي إلا تزييف بائس، لكنه مع الأسف نجح في إعطاء صورة سلبية عن الدين الإسلامي بسبب غياب التيار التنويري الذي يعتمد إبراز القيم الأخلاقية للدين قبل شعائره وحدوده.