أمين معلوف والحرية
حرية التعبير عن الرأي ليست مطلقة، فهناك ظروف محددة تكون فيها حرية التعبير عن الرأي مقيدة، كحالة الحرب التي حين تتسرب فيها المعلومات تغدو أرواح البشر في خطر، غير أن أمين معلوف لم يفصح عن معلومات ليس لأحد الحق في اقتنائها أو الكشف عنها.
الغضبة المضرية الجاهلية التي انطلقت من أبواق الممانعة تجاه الروائي أمين معلوف، هي بمثابة الشاهد على مقدار العطب الصميمي المصابة به القبيلة البدائية التي تطنطن ليل نهار بانتصارات الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبشار الأسد وحسن نصرالله، وهي قبيلة ليس فقط لكونها تنطق بصوت واحد لا مكان فيه للمختلف والمغاير بل لخضوع أعضائها لصوت واحد يرونه بيقين لا يتزعزع كلي الفهم وصنيعة القدر. فهم هجروا التفكير الحر وليست لديهم الجرأة على خوض غماره، وذلك مصدر بغضهم لإطلالة أمين معلوف التلفزيونية، فهي باختصار شديد احتفاء بحرية التعبير عن الرأي وبرهنة للقدرة على اختراق الآخر والعبور إليه في عصر إنساني لم تعد فيه خنادق ومتاريس ثقافية.منتقدو معلوف الأكثر اصطخابا هم الأكبر خوفا من الحرية، فمواقفهم وتصريحاتهم تشير دون لبس إلى أنهم يعيشون حالة حرب دائمة ليس سببها خطراً يشكله خصم ما، بقدر ما هي صادرة عن خوف من انكشاف ضعف وهشاشة في تراكيبهم الثقافية.
حرية التعبير عن الرأي ليست مطلقة، فهناك ظروف محددة تكون فيها حرية التعبير عن الرأي مقيدة، كحالة الحرب التي حين تتسرب فيها المعلومات تغدو أرواح البشر في خطر، غير أن أمين معلوف لم يفصح عن معلومات ليس لأحد الحق في اقتنائها أو الكشف عنها، والنظر إلى الثقافة والتلاقح الثقافي مع ما يعدّ خصما كريها على أنها ترتقي إلى سوية القيام بوظائف الجواسيس وأجهزة المخابرات إنما هو العطب الثقافي في أشد صوره وضوحاً. ومنتقدو معلوف يعيشون هذه الحالة بكل جوارحهم، فهم في حالة عداء مع العالم الخارجي وحذر دائم من المؤامرة إياها التي تحاك ضدهم وضد الطوطم الذي يدورون في فلكه.طرح معلوف في تواصله الثقافي أمامنا درسا كبيرا مفاده أن الرقابة وإن اتخذت مسميات ابتدعها متحذلقون تافهون مثل "التطبيع" هي دخيلة على صفة جوهرية تميز البشر، وهي الحديث بشكل حر. وللحق، فإن هذه الصفة هي التي تقيم الفارق بين البشر والحيوانات، فالحيوانات لا حقوق لها بهذا المعنى وليست لها القدرة على التعبير عن نفسها، أما البشر فلديهم هذه القدرة وقد حازوا على مدى فترة طويلة الحق في أن يعبروا عن أنفسهم بحرية دون عائق أو ضغوط. الحرية التي صدر عنها موقف أمين معلوف هي عينها التي جعلت "ويكيليكس" ظاهرة صحافة العصر الجديد، والتي بكشفها حجما هائلا من المعلومات السرية إلى الإنترنت جعلت الإنسانية تبصر عن كثب الوجه الدميم للحرب الأميركية في أفغانستان والعراق ومعتقل غوانتانامو. حرية التعير عن الرأي هي التي دفعت الشباب إلى توظيف التكنولوجيات الجديدة وتسخيرها لإمكاناتهم الثورية في الربيع العربي عام 2010/ 2011 والتي كانت أكثر توهجات الحرية والانعتاق منذ سقوط حائط برلين عام 1989. والإيمان بحرية الرأي هي ما جعلت الناس في سورية وليبيا يكسرون جدران مجتمعاتهم المغلقة ويتواصلون مع بقية العالم. في ظني أن ثمة دلالة مهمة لمن يهمه موقف أمين معلوف، وهي أن كسر الأغلال الثقافية والأصفاد الحضارية لا يكون إلا من خلال حرية التعبير عن الرأي.