من مكادور إلى بسكرة (1-2)

نشر في 20-06-2016
آخر تحديث 20-06-2016 | 00:00
 فوزية شويش السالم من مكادور إلى بسكرة، رحلات داخل المغرب والجزائر، عنوان طويل لكتاب الرحالة الجغرافي البلجيكي جيل لوكليرك (1848-1928)، هذا الكتاب وثيقة غنية بالمعلومات التاريخية والجغرافية والثقافية والاجتماعية وكل العادات والتقاليد وأنظمة الحكم والاحتفالات والملبس والمأكل وحتى السلوك العام، كتاب مثير يكشف عن بلاد المغرب والجزائر في زمن غابر ومجهول للقارئ، وقد قام بترجمته الروائي المغربي بوشعيب الساوري الذي ضرب مثالا رائعا للمترجم الأمين، حيث بذل مجهودا كبيرا في شرح وتعقب معلومات الهوامش بدقة كبيرة، سواء ما يخص التواريخ والأمكنة الجغرافية وأنساب القبائل والسكان والأساطير وعلم النبات والبيئة والمناخ، وهذه بحد ذاتها كتاب آخر، ولأهمية الكتاب سأخصص له مقالا آخر يخص الجزائر.

هذا الكتاب يشوق القارئ لزيارة هذه الأمكنة التي ذكرها الكاتب، ورغم جودة ما كتبه إلا أنه كان متحيزا وعنصريا بنظرته إلى أهل المغرب والعرب عموما، ويقول عنهم: "يبدو أن سورا صينيا يحجُب هذا البلد عن أي حضارة، هذا السور ليس شيئا آخر سوى الاستبداد الذي يشجع عليه دين يرتكز على المذهب القدري للقرآن". "يمكن لصيني أن يتكيف بسهولة مع عاداتنا أفضل من مقيم في موريتانيا، يبدو أن المغربي والأوروبي متضادان". "لقد حافظوا على عاداتهم ولغتهم ودينهم، لكنهم فقدوا فنونهم وعلومهم، هذه الأمة التي كانت فيما مضى جد متنورة تحولت إلى قبيلة متوحشين، مدنهم التي كانت بؤرا للأنوار ليست اليوم سوى أكوام بئيسة من الأطلال، وأن بلدا يقع على أبواب أوروبا وهو لا علم له، إلى حد كبير بحركة الأمم الأخرى".

بالفعل المغرب حافظ على أصالة تراثه، وهو ما جهله هذا الرحالة، ربما بسبب هذا الانغلاق استطاع المغرب أن يحافظ على جماليات المدن العربية التي ضاعت بالتحضر والتشبه بأوروبا.

الغريب أيضا أن الأوروبيين ولزمن قريب لم يفهموا ولم يتقبلوا اختلاف الآخر، وهذا الانفتاح الإلكتروني ساعد وقرب من فهم الآخر وأزال الدهشة من روحه العنصرية، وهو ما حصل للكاتب حين اعتاد عليهم فهو يقول: "بمجرد ما تأقلمت مع جو حكايات ألف ليلة وليلة هذا، شعرت بسحر حقيقي بالتسكع في الدروب، والتمعن في عاداتهم على الطبيعة". "من لم يزر طنجة لا يمتلك أي فكرة لا عن الأزرق ولا عن الأبيض".

كما أورد معلومة رائعة، وهي أن المدارس كثيرة بطنجة والمغاربة كلهم يعرفون القراءة، وهذا كان في زمن 1880، ما يفسر أسباب الثقافة العميقة لدى المغاربة الآن.

هذا الرحالة جاب بلاد المغرب تقريبا كلها، لم يردعه عن بعضها إلا الأوبئة الخطيرة عدا ذلك لا الحمى ولا الأمراض ولا المخاطر منعته من لذة السفر والاكتشافات، ورغبته الشديدة في معرفة كل ما يخص تاريخ المنطقة وجغرافيتها وعادات ناسها بكل تفاصيلها، فمثلا يذكر العلاقات بين اليهود والمسلمين بطنجة: "لا يوجد حي لليهود بطنجة، يعيش أبناء إسرائيل وسط أتباع محمد، ولا تختلف منازلهم عن المغاربة، لا يمتطون أبدا الخيول، يسمح لهم فقط بامتطاء البغال، فالحصان بالنسبة للمسلمين حيوان شريف جدا ولا يمكن أن تمتطيه كائنات تُعد وضيعة في نظرهم". وما لفته نظره حال العبيد بالمغرب، وهو ما يشبه حالهم بدول الخليج. "لا يوجد في هذا البلد أي تحامل على اللون، الزواج بين المغاربة والعبيد جد مألوف، والأطفال الذين يولدون عن هذه الزيجات هم أحرار وينعمون بنفس حقوق الأطفال الشرعيين، لا يمكن مقارنة عبودية السود بالمغرب أبدا بالعبودية التي كانت في ما مضى بالولايات المتحدة".

الرحالة والمستشرقون يقدرون الفنون العربية في العمارة والنسيج والنقش والتراث أكثر مما يقدره العرب ذاتهم، وهذا مثال يكشف دقة وعي الرحالة بالعمارة المغربية بطنجة: "بدخولي كانت مفاجأة سارة بانتظاري، إذ وجدتني داخل قصر مغربي ذي معمار جميل، حول فناء أنيق في الهواء الطلق، الحيطان مزينة بالزليج العربي الجميل، سقوف من خشب الأرز، وأبواب مزينة برسوم هندسية من النوع الذي سبق لي أن رأيته بقصر بغرناطة وبقصر إشبيلية، يوجد بالطابق الأول رواق يمتد حول الفناء، أدخلوني إلى غرفة مؤثثة بذوق عربي رفيع، ذات أرضية مزلجة وحيطان مطلية بالجير، ومضاءة بنافذتين صغيرتين مفتوحتين على الفناء الداخلي لأن الشقق العربية لا تستمد أبدا ضوء النهار من الخارج".

back to top