قبل أن تُمتهن كلمة «سيناريو» وتتحول إلى «ورق» احتل كتّاب السيناريو مكانة مرموقة في السينما المصرية، وكانوا دائماً بمثابة «العقل المفكر» أو حجر الأساس في الصناعة العريقة، سواء في حقبة الاقتباس والتمصير أو مرحلة النهل عن مصادر أدبية انتهاء بمرحلة «النص المكتوب خصيصاً للسينما».

في الثلاثينيات من القرن الماضي لم تعرف السينما المصرية الكاتب الذي يكتب خصيصاً للشاشة الفضية، فلجأت إلى تعويض هذا النقص الفادح عبر الاستعانة بقامات كبيرة على غرار: بديع خيري، الذي كتب فيلمي «صاحب السعادة كشكش بك» و{ياقوت أفندي» (مع نجيب الريحاني)، ومع مطلع الأربعينيات بزغ نجم أبو السعود الإبياري، قبل أن تشهد نهاية المرحلة ظهور الثلاثي يوسف جوهر ونجيب محفوظ وعلي الزرقاني، الذين أضافوا الكثير إلى النص السينمائي، وإن لم يخلُ الأمر من طغيان الحرفية على حساب الرؤية الفكرية، وتكرر الحال مطلع الخمسينيات في الأفلام التي كتبها: حسين حلمي المهندس، السيد بدير، يوسف عيسى ومحمد عثمان، ممن عرفوا بأنهم الأغزر كتابة، لكن بظهور جليل البنداري عرفت السينما طريقها إلى الأفكار الطازجة، كما في فيلمي «الآنسة حنفي»، و{العتبة الخضراء»، وجاء أمين يوسف غراب ليثري الساحة بأفلام استلهمت أفكار قصصه، مثل: «رنة الخلخال» و{شباب امرأة»، وقبل انتهاء حقبة الخمسينيات، وفي وقت واحد تقريباً، ظهر اسما عبد الحي أديب وفريد شوقي في عالم السيناريو قبل أن يكونا ثنائياً سينمائياً كتب فيه الأول سيناريوهات عدة من أفلام الثاني!

Ad

قبل أن تنتهي حقبة الخمسينيات ظهر اسم صبري عزت صاحب سيناريوهات أهم أفلام الستينيات، مثل :{اللص والكلاب»، «شيء من الخوف» و{امرأة ورجل»، لكن اللافت أن صبري عزت لم يكن الاسم الوحيد الذي ظهر في تلك الحقبة، فالطفرة الثقافية التي تحققت على يد ثورة يوليو 1952، شجعت أدباء كثراً على كتابة السيناريو، مثل: توفيق الحكيم، الذي كتب «طريد الفردوس»، د.مصطفى محمود «المستحيل»، ثروت أباظة «بنت من البنات»، صبري موسى «البوسطجي» و{قنديل أم هاشم»، ولطيفة الزيات «الباب المفتوح»، كذلك فتحت الباب أمام أسماء أضافت الكثير إلى الصناعة، مثل: أحمد عباس صالح صاحب سيناريوهات «السمان والخريف» و{الشحات» و{قاع المدينة»، بهجت قمر، سعد الدين وهبة الذي كانت بدايته قوية للغاية، فكتب سيناريوهات أفلام: «زقاق المدق»، «أدهم الشرقاوي»، «الحرام» و{أرض النفاق»، وتقتضي المناسبة الإشارة إلى أنه صاحب سيناريو فيلم «أبي فوق الشجرة»!

ما يستحق التنويه أن نهاية الستينيات شهدت ظهور أسماء شابة واعدة، مثل: مصطفى محرم ورأفت الميهي... يرجع الفضل في اكتسابها المهارة والرؤية فضلاً عن الحرفة، إلى معهد السيناريو الذي أسسه المخرج الكبير صلاح أبو سيف، بينما أتاح الإنتاج الغزير للأفلام، في تلك الفترة، الفرصة لظهور أسماء مثل: أحمد عبد الوهاب وفيصل ندا، وكان لتلك الانتعاشة الفضل في اتجاه الكاتب والفنان حسن فؤاد إلى كتابة سيناريو فيلمي «الأرض» و{الناس والنيل».

مع انحسار الحقبة الناصرية، في السبعينيات، تغير شكل السينما المصرية وفكرها، ووجدت أسماء مثل: محمود أبو زيد، أحمد صالح، كوثر هيكل، محسن زايد ورفيق الصبان طريقها إلى الجمهور وشركات الإنتاج، بعد نجاح تجاربهم الأولى: «بنات في الجامعة»، «نحن لا نزرع الشوك»، «إمبراطورية ميم»، «حمام الملاطيلي» و{الأخوة الأعداء»... كذلك كانت الفرصة مهيأة لظهور أسماء تمتلك الحرفة من دون موهبة مثل: سمير عبد العظيم وشريف المنباوي.

لكن الطفرة الحقيقية، التي غيرت وجه الشاشة تحققت مع نهاية السبعينيات على أيدي: وحيد حامد، بشير الديك وفايز غالي، رغم اختلاف مدارسهم الفكرية وأسلوب كلُ منهم!

طفرة نهاية السبعينيات تركت صداها على جيل جديد تقدم الصفوف مطلع الثمانينيات، أبرزه : رؤوف توفيق، الذي أدهش الجميع بسيناريو فيلم «زوجة رجل مهم»، وماهر عواد الذي قلب مسار السينما المصرية، على صعيدي الشكل والمضمون، بأفلامه السبعة، أهمها: «الأقزام قادمون»، «الدرجة الثالثة»، «سمع هس»، «يا مهلبية يا» و{الحب في الثلاجة»، وهو ما سعى مصطفى ذكري إلى تأكيده بصورة أخرى عبر فيلمي «جنة الشياطين» و{عفاريت الإسفلت»، لكنه اختفى في ظروف غامضة، وتكرر الأمر مع كاتب السيناريو مدحت العدل الذي وعد بالكثير في فيلمي «أيس كريم في جليم» و{أمريكا شيكا بيكا» لكنه لم يُكمل المشوار!

تجدر الإشارة إلى أن كتاب السيناريو الأغزر: محمد عثمان، محمد مصطفى سامي ومحمد أبو يوسف لم يصلوا إلى الشهرة التي تنسجم ووفرة أفلامهم، بينما فشلت أسماء على غرار: أسامة أنور عكاشة، محمد صفاء عامر، مجدي صابر، محمد الباسوسي ويوسف معاطي في بلوغ المكانة التي حققوها في الدراما التلفزيونية!