تدافع المغنية البريطانية في جولاتها العالمية عن الأسلوب الذي فرضته على الجميع ولا تهتم بحياة الشهرة الشائكة. تدعم علناً فريق كرة القدم {سبيرز} في {توتنهام}، شمال لندن، علماً أنه الخصم التاريخي لفريق {أرسنال} الشهير.لطالما كانت أديل (28 عاماً) جريئة في حياتها، فقد حققت أعلى المبيعات بعد صدور ألبومها الثالث في عام 2015. في الربيع الماضي، وقفت في ساحة لندن وحملت بكل جرأة علم فريق {سبيرز}. لن نتحدث عن ملايين المشاهدات لأغانيها على موقع {يوتيوب} أو عن ملايين النسخ التي باعتها خلال ستة أشهر من صدور ألبومها الأخير أو عدد الأشخاص الذين نزّلوا أغنيتها Hello. ولا داعي لنذكر أنّ أديل لوري بلو أدكنز المولودة في 5 مايو 1988 في لندن والمعروفة بجسمها الممتلئ دخلت موسوعة {غينيس} للأرقام القياسية بعد الإنجازات التي حققتها. لكن من هي أديل الحقيقية؟
للوهلة الأولى، قد تبدو أديل معزولة في عالمها الكئيب والبعيد. ينتقد كثر أغانيها لأنها تصف الاضطرابات الروحية التي تسبق فشل العلاقة أو تتزامن مع الانفصال وتتحدث دوماً عن استمرار المعاناة. لكنها صورة خاطئة لأن أديل معروفة بمرحها في شوارع لندن.تَصِفها مغنية الروك الفرنسية إيزيا هيغلين (25 عاماً) بالفتاة الشعبية والحرة والسخية والمضحكة التي تبقى على طبيعتها في جميع الظروف، وتؤكد أنها حساسة وساحرة وتثير عواطف الناس حين تغني من دون حاجة إلى التحرك. تقدّم أديل أداءها كأنها تقيم محادثة عادية مع رفاقها. فتضحك حين ترغب في ذلك وتشرب ما تريده وقد تعايد شخصاً مجهولاً وسط الجمهور.عشقت إيزيا أول ألبوم أصدرته الأسطورة الإنكليزية في عام 2008. ظهرت أديل حينها على الغلاف بشعر بنيّ مع غرّة قصيرة. لكن تبدو صورة ألبومها الأخير بالأبيض والأسود أرقى، وقد صممها المصور الإنكليزي ألاسدير ماكليلان. بعدما غيّرت أديل مظهرها، أصبحت عالمية. لكن بعد ظهورها بتلك الملابس الأنيقة والصوت العميق في أغنية Skyfall لفيلم James Bond، لم يحبذ كثر هذا التغيير لأنهم يفضلون أن تحافظ على طبيعتها البسيطة.تُناقِض تصرفات أديل مظاهر هذا العصر كونها لا تكتب تغريدات كثيرة على تويتر ولا تهتم بصفحتها على فيسبوك، وقد منعت تحميل أغانيها عبر برامج البث الشائعة اليوم. ثم أخذت استراحة لأربع سنوات لمعالجة أحبالها الصوتية وخوض تجربة الأمومة.
نسخة خفية من {بريدجيت جونز}
قبل أن تختار أديل، في الفترة الأخيرة، الماكياج الأسود القوي، كانت تعكس صورة شابة عاقلة ترتدي أثواباً مخططة أو قمصاناً بياقة عالية. على مستوى معيّن، يمكن اعتبار أديل نسخة من الشخصية الأساسية في قصة Bridget Jones’s Diary (مذكرات بريدجيت جونز) قبل تحويلها إلى فيلم سينمائي في عام 2001. كانت بريدجيت جونز امرأة عازبة في الثلاثينيات من عمرها وبقيت محبوبة رغم كل شيء. كانت تفرط في التدخين والشرب والأكل وترتدي مقاسات كبيرة وقد كسرت بذلك صورة المرأة النحيفة المعاصرة.اختار الجيل الذي تنتمي إليه أديل، في ظل الضغوط الاقتصادية المستمرة وسرعة الإنترنت، عدم أخذ الأمور على محمل الجد. حققت المغنية النجاح في هذه الأجواء تحديداً. حين قال مصمم الأزياء كارل لاغرفيلد في عام 2013 إن أديل {سمينة بعض الشيء}، كان ردّها لاذعاً: {لم أشأ يوماً أن أشبه عارضات الأزياء اللواتي يظهرن على أغلفة المجلات. أمثّل معظم النساء العاديات وأفتخر بذلك... عندما وقّعتُ عقد العمل، كان معظم العاملين معي يعرفون أن التعامل بيننا سينتهي إذا تجرؤوا على انتقاد وزني}.تكره أديل الأكسسوارات ولا تضع أي أساور لكن تغطي بعض الأوشام جسمها. على المسرح، ترتدي أثواباً فضفاضة وتبقي استعراضاتها بسيطة وتقدّم العروض في أماكن مختلفة عن المسارح التي تستضيف حفلات بيونسيه ومادونا وتايلور سويفت وريهانا، وتعترف أديل باختلاف أسلوبها عنهن. كذلك تعلن بكل ثقة أنها تفضّل البقاء على طبيعتها وتعبّر عن حبها لمدينة لندن ولكنتها ونواديها ونشاطاتها الممتعة. لكن لم تمنعها هذه الشخصية من إيجاد مكانتها في قلب الجمهور الأميركي، كما فعلت سيلين ديون، بفضل اعترافاتها العائلية وصوتها القوي. لكن يصعب أن نتخيّل حفلة لأديل في أحد كازينوهات فيغاس مثلاً! تشتم أديل كثيراً وتضحك بطريقة متصاعدة وقد لاقت فيديوهات ضحكاتها رواجاً على {يوتيوب}.من {سبايس غيرلز} إلى كزافييه دولان
وُلدت أديل بعد ثلاث سنوات على اندلاع أعمال الشغب والعنف في منطقتها غداة موت امرأة من أصل إفريقي. في المدرسة، كانت التلميذة البيضاء الوحيدة في صفها لكن سرعان ما نسيت اختلافها عن الآخرين. في عام 2011، حين أصدرت أديل ألبوم 21، تجددت الاشتباكات في {توتنهام}. لم تُعَلّق أديل على الأحداث مع أنها تميل إلى دعم حزب العمّال اليساري. لكن حين تتألم لرؤية أعمال العنف، تُعبّر عن سخطها من السياسيين ورغبتها في تجاوز الاضطرابات السائدة. لم تتردد في الغناء لباريس وبروكسل بعد الاعتداءات فيهما.نشأت أديل في {توتنهام} ثم انتقلت إلى {برايتون} قبل أن تستقر في حي {بريكستون}. كانت والدتها بيني أدكنز في الثامنة عشرة من عمرها حين أنجبتها، وكانت تدرس الفنون عندما التقت بالشاب الاسكتلندي مارك إيفنز الذي كان يكثر الشرب وسرعان ما تركهما. تقول أديل إن والدها كان فاسداً. في عمر العاشرة، كانت تغني ألبومات فرقة {سبايس غيرلز} كلها. وبعد 13 سنة، أصبحت تلك الفتاة التي ربّتها والدتها وحدها {منجم ذهب}: في 2011، حصد ألبوم 21 أرباحاً بقيمة 51.8 مليون يورو. ويُفترض أن يحصد ألبوم 25 الأخير أرقاماً أفضل. منذ فترة، اشترت منزلاً قرميدياً يعود إلى القرن التاسع عشر في جنوب العاصمة، وفيه عشر غرف وصالونات وحمّامات وأحواض سباحة ويتّسم بتصميم أرستقراطي. استعانت أديل بالمخرج الكندي الشاب كزافييه دولان لإخراج كليب أغنية Hello. يعرض الفيديو مكالمة هاتفية عابرة للقارات بين حبيبَين سابقين. اختار دولان الممثل الأميركي من أصل إفريقي تريستان وايلدز المعروف بأدواره في مسلسلَي The Wire (السلك) و90210 للمشاركة في العمل.إرادة قوية
تستطيع الأغاني تغيير حياة الناس وتدرك أديل هذه الحقيقة. في بداياتها، كانت جزءاً من ثلاثي متأثر بالعصر الذهبي لموسيقى السول: أديل ثم دافي وإيمي واينهاوس. في عام 2008، أصدرت أديل ألبوم 19 ثم ألبوم 21 بعد ثلاث سنوات. اختفت دافي من الساحة وماتت واينهاوس في 2011 عن عمر 27 عاماً.تستمر نجاحات أديل التي تصر على أهمية الأغاني ولا تتكل في مساعيها إلا على صوتها.يقول المنتج الموسيقي بول إيبوورث إنها تسمع حدسها وتفهم أهمية ما تفعله وتحافظ في الوقت نفسه على بساطتها. قد تصبح أحياناً حساسة جداً. منذ فترة، راحت تبكي أمام المغنية ستيفي نيكس التي تحبها. ينتابها الهلع في البداية أمام النجوم الكبار ثم تشعر بأن الموقف سيتحوّل فجأةً إلى مشهد أمام الكاميرا الخفيّة.لا تكره أديل الشهرة بل تعتبرها تجربة عمليّة ومريحة لكنها سامة، في الوقت نفسه، وهذا الجانب منها يرعبها. تقرأ أديل الفضائح التي تُنشَر حول أهم المشاهير، وقد شاهدت ما حصل مع واينهاوس وشعرت بالحزن حين لاحظت فضول الناس لمعرفة أسباب انهيارها وأصبحت مهووسة بفرض سيطرتها على حياتها.تقول إنها تعيش حياة طبيعية وتتحكم بوقتها وتعطي ألبوماتها أرقاماً تعبّر عن عمرها حين كتبت أغانيها. لا تعتبر مهنتها محور حياتها بل مجرّد هواية. يقول مدير أعمالها جوناثان ديكنز إن الوقت لا يزال أمامهما لأنه يتوقع لها مسيرة مهنية طويلة مثل سيلين ديون أو فرانك سيناترا، ومن المنتظر أن تصدر عشرات الألبومات. تحمل أديل جانباً تقليدياً ولا تحب ربط اسمها بالإعلانات أو الماركات مع أنه عُرض عليها أن تكون الوجه الإعلاني لجميع أنواع المنتجات لكنها ترفض دوماً.قد لا تكون أديل عصرية بمعنى الكلمة، لكنها وقّعت عقداً لإنتاج ثلاثة ألبومات مع شركة XL Recordings التي نشأت عام 1989. لا يحب رئيس الشركة ريتشارد راسل إلا الأسماء القوية ويحرص على دعمها. لو انضمّت أديل إلى شركة كبرى، هل كانوا ليطلبوا منها أن تنحف وتغيّر أسلوبها وتقدّم تنازلات بشأن تحميل أغانيها؟ وفق شخصيتها، لن يستطيع أحد إرغامها على ما لا تريده!