كيف خططت لفيلم «بس يا بحر؟

خططت لهذا الفيلم لإيصال المعلومة بأننا شعب عصامي، بعد أن عرضت فيلما عن القنص، اسمه «الصقر»، وفي تشيكوسلوفاكيا، ومهرجانات أخرى، شاهدوا السيارات الفارهة في الصحراء، أثناء رحلة القنص، فكانت ردود الأفعال سلبية لاستهزاء الأثرياء بثرواتهم.

Ad

ماذا قلت في مقابلة التلفزيون التشيكي ببراغ؟

كنت في مقتبل شبابي، لا أعرف الأبعاد السياسية والاقتصادية، حيث قاسألني المذيع على الهواء: هل لديكم ثروة كبيرة، وشوارعكم مذهبة؟ فأجبته بالنفي، ومن هذا الحوار ونقاط أخرى اتخذت قرارا بعمل فيلم يبين كفاحنا، فنحن لم نبصر النور وفي أفواهنا ملعقة من ذهب، لذا أردت إلقاء الأضواء على الوضع في الخليج قبل اكتشاف النفط، حيث كان الشعب يكافح بمرارة لمحاربة العوز والفقر والمعاناة.

كيف صنعت أول فيلم كويتي روائي طويل؟

في البداية عرض علي فيلم أميركي كي أقلده، لكنني رفضت الموضوع برمته، وسافرت إلى سوريا ولبنان والعراق وطهران والهند، بحثاً عن نجومهم وأسواقهم، كي أحمي نفسي من الخسارة، ولم أقتنع بذلك، فطرقت باب البحث عن قصة كويتية - خليجية بحتة.

وقال لي حينها الراحل عبدالرحمن الهادي، ثمة قصة قصيرة جميلة اسمها «اللؤلؤة»، لعبدالرحمن الصالح، كاتب المسلسل الإذاعي الشهير «حبابة»، فقرأتها، ووجدت من خلالها فكرة وخطوطا رئيسة يمكن تنميتها لتغدو فيلماً، وتمت تغذيتها عبر المجتمع الكويتي والغوص والناحية العاطفية والبيئة، فالعمل لا يقوم على فكرة فقط، فهناك السيناريو، الذي يعد الدعامة الأساسية في الهيكل العام للفيلم.

لماذا غيرت عنوان الفيلم؟

قبل أن نصل إلى مرحلة التصوير، شعرت أننا بحاجة إلى عنوان أقوى، لأن القصة عنيفة من النوع التراجيدي، وتدريجياً وصلت إلى «بس يا بحر»، وكثير من زملائي في الفيلم وافقوني الرأي، لأنهم لم يشهدوا مثل هذا العنوان الحواري.

ماذا أطلقت عليه بالإنكليزية؟

أسميته Shut Up Sea، احتج البعض على هذا العنوان، على الرغم من عدم معرفتهم بالإنكليزية، ولكن ليلفت النظر، ويفسر ما يصل إليه الإنسان في حالة اليأس، فيقول «اسكت يا بحر» كنوع من العتاب والقهر في الوقت نفسه، وهذا ما قلته أثناء مؤتمر صحافي، بحضور المرحوم صالح شهاب.

متى شرعت بتصويره؟

بدأنا التصوير في 7 يوليو 1969، وانتهينا منه في 19 سبتمبر 1970، وبلغت تكاليفه 125 ألف دينار، وقد أخذت مناظر البحرعلى ساحل الجليعة، أما بقية المشاهد فقد كانت من داخل الكويت، في الأحياء القديمة، والسفينة عثرنا عليها عند أحد التجار، وتم إصلاحها، وصوّرنا مشاهد من الفيلم على متنها.

مَن الذي كتب السيناريو؟

شارك في كتابته أنا وعبدالرحمن الصالح والفنان القدير سعد الفرج وولاء صلاح الدين، ووضعت الأسماء الأربعة في كادر الفيلم، لأني لم أرد أن أظلم أحداً، فلكل واحد منا خطه الواضح، والسيناريو الأصلي موجود الآن في متحف نادي السينما الفرنسي «سينماتيك»، الذي يُحتفظ فيه بكل سيناريوهات الأفلام الناجحة في العالم.

كيف تمت عملية التصوير تحت الماء؟

إنه أول فيلم عربي وآسيوي يصوَّر تحت الماء، وهذه كانت مجازفة وجنوناً، لعدم توافر عوامل الخبرة والدراية والإمكانات الكافية لنصوِّر هذه المشاهد، حتى عبدالرحمن الصالح كان يتهرب من كتابة أي مشهد تحت الماء، لأنه لم يكن يعرف كيف سينفَّذ، فقلت له إن هذا الموضوع من اختصاصي.

وفي البداية صوّرت كل المشاهد العادية فوق سطح البحر، ثم فكرت في تنفيذ بقية المشاهد تحت الماء، وهي عملية تحد كبير، ومن النقاط الرئيسة لنجاح الفيلم، والاتصال مع الخارج.

وكانت المعدات والإمكانات المتوافرة لاتكفي، وتغلبت على هذه العقبة باستئجار غلاف الكاميرا الخاصة بالتصوير تحت الماء من انكلترا لمدة أسبوعين، ومع مساعدين لمدير التصوير توفيق الأمير، وصورنا في أعماق مختلفة في عدة مناطق على عمق 3 و5 و7 أمتار، ونفذنا بعض الخدع في حمام السباحة، لصعوبة تنفيذ بعض اللقطات في البحر، لأسباب عدة منها: حالة الطقس وحركة الممثلين والإضاءة.

كيف تم تمويل «بس يا بحر»؟

أرسلت إلى الأمير الراحل صباح السالم، نسخة 16 ملم، وكان سموه يعرف والدي الذي شكاني لديه، لعدم تحبيذه عملي بالسينما، فقال لي: «ان والدك «زعلان» لدخولك مجال السينما»، فطلبت رأي سموه السديد، فقال: «ما دام هذا العمل شريفا، وفيه خدمة للكويت، فهو عين الصواب، وهذا الكلام قلته لوالدك»، ثم سألني: لماذا لم تطلب من وزارة الإعلام تمويل الفيلم؟، فقلت «حاولت، لكن التلفزيون ليست لديه موازنة مالية، كي يموّل الفيلم، وكذلك الأمر بالنسبة للوزارة».

هل استعنت بتمويل من والدك؟

وبدأت أنتج بنفسي، إذ بعت أرضي التي تصل قيمتها اليوم حوالي مليون و200 ألف دينار، بعد رفض والدي مساعدتي بمبلغ 5 آلاف دينار، وقال لي السينما حرام!، ثم قدمت له بطاقة دعوة للافتتاح برعاية سمو الأمير، فلم يقبلها، وقال «ألا تعرف أن يوم القيامة هذه الصور لابد أن تنفخ فيها الروح»، ورأيه هذا آت من مقولة شعبية، ولو كان حياً في أيامنا هذه، لقلت له «نعم ممكن أنفخ فيهم الروح».

كيف؟

إذا كان أحد الممثلين قد توفي، ولم يكمل لقطاته، بالكمبيوتر غرافيكس (سي جي آي)، يمكن أن أحييه، ويلعب الدور الذي أريده.

أمير‭ ‬القلوب‭ ‬راقب‭ ‬الفيلم‭ ‬قبل‭ ‬افتتاحه
قال المخرج الكبير خالد الصديق إن ‬ فيلم «بس يا بحر»‭ ‬كان تحت‭ ‬رعاية‭ ‬أمير‭ ‬القلوب‭ ‬الراحل‭ ‬الشيخ‭ ‬جابر‭ ‬الأحمد،‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬ولياً‭ ‬للعهد‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬مبيناً أن سموه ‬طلب‭ ‬مشاهدته‭ ‬قبل‭ ‬الافتتاح‭ ‬الرسمي،‭ ‬»فانتظرته‭ ‬مع‭ ‬وكيل‭ ‬التلفزيون‭ ‬سعدون‭ ‬الجاسم‭ ‬في‭ ‬رقابة‭ ‬وزارة‭ ‬الإعلام‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬مسجد‭ ‬العوضي‭ ‬بمنطقة‭ ‬شرق،‭ ‬ووصل‭ ‬سموه‭ ‬ترافقه‭ ‬20‭ ‬سيارة‭ ‬أخرى‭ ‬لمدعوين‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬ومن‭ ‬مختلف‭ ‬أطياف‭ ‬المجتمع،‭ ‬وقد‭ ‬شعرت‭ ‬حينها‭ ‬بتوتر‭ ‬وقلق»‭.‬

وأضاف: «أدرنا‭ ‬الفيلم،‭ ‬وبعد‭ ‬45‭ ‬دقيقة‭ ‬طلب‭ ‬الشيخ‭ ‬جابر‭ ‬إيقافه،‭ ‬لأداء‭ ‬الصلاة،‭ ‬ثم‭ ‬أكلمنا،‭ ‬وبعد‭ ‬النهاية،‭ ‬هنأنا‭ ‬بقوله ‬‮(إنه‭ ‬عمل‭ ‬مشرف‭ ‬وأفضل‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬تطلع‭ ‬من‭ ‬حوالينا‮)‬»،‭ ‬مؤكداً أن تلك الجملة جاءت «‬عميقة‭ ‬ومؤثرة،‭ ‬وشكرت‭ ‬سموه‭ ‬عليها‭.»‬

وبيَّن أن ‬أمير القلوب رحمه الله طلب إليه ‬أن‭ ‬يزوره‭ ‬بديوانه،‭ ‬»وفي‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬ذهبت،‭ ‬فقال‭ ‬لي‭ ‬ملاحظته‭ ‬حول‭ ‬عملية‭ ‬الزواج،‭ ‬وقصده‭ ‬هنا‭ ‬الاغتصاب،‭ ‬فقلت‭ ‬لسموه‭ ‬قصدنا‭ ‬أن‭ ‬نبين‭ ‬العنف‭ ‬لدى‭ ‬الرجل‭ ‬العجوز عندما‭ ‬يقترن‭ ‬بفتاة‭ ‬صغيرة‭ ‬جداً،‭ ‬فرد‭ ‬بأنها‭ ‬صعبة‭ ‬على‭ ‬مجتمعنا‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬عمل‭ ‬سينمائي،‭ ‬طالباً‭ ‬تخفيف‭ ‬المشهد‭ ‬إلى أقصى‭ ‬ما‭ ‬يمكن،‭ ‬وأن‭ ‬أقوم‭ ‬بتقطيعه‭ ‬بنفسي،‭ ‬ولا‭ ‬أسند‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬لغيري‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يشوهه،‭ ‬وهذه‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أميرنا‭ ‬الراحل‭ ‬كان‭ ‬مثقفاً‭ ‬سينمائياً»‭.‬

وأوضح أن المشهد‭ ‬الثاني الذي طلب سموه حذفه‭ ‬هو «مشهد‭ ‬البحار،‭ ‬الذي‭ ‬رفع‭ ‬إزاره‭ ‬ليقضي‭ ‬حاجته،‭ ‬وعلق‭ ‬عليه‭ ‬أحدهم‭ ‬في‭ ‬المشهد:‭ ‬من‭ ‬أكل‭ ‬التمر،‭ ‬فقلت‭ ‬إن‭ ‬للمشهد‭ ‬عدة‭ ‬أهداف،‭ ‬منها‭ ‬توثيق‭ ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬هؤلاء‭ ‬البحارة‭ ‬يقضون‭ ‬حاجتهم‭ ‬اليومية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬السفن‭ ‬الصغيرة،‭ ‬لنا‭ ‬والأجيال‭ ‬القادمة،‭ ‬وللعالم‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬دراسة‭ ‬الأنثروبولوجيا‭ ‬أو‭ ‬علم‭ ‬الإنسان،‭ ‬وهي‭ ‬الناحية‭ ‬الرئيسية،‭ ‬فهي‭ ‬موضع‭ ‬تساؤل‭.»‬

ولفت الصديق إلى أنه ‭‬حذف‭ ‬المشهدين ‬بنفسه،‭ ‬كما قطع ‬اللقطات‭ ‬بطريقة‭ ‬فنية‭ ‬بحتة،‭ ‬لم‭ ‬يلحظها‭ ‬المتفرج،‭ ‬»فقد‭ ‬حافظت‭ ‬على‭ ‬الصوت،‭ ‬لأنه‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬الصورة‭ ‬بـ19‭ ‬كادراً،‭ ‬إذ‭ ‬العملية‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬دقة‭ ‬كبيرة»‭.‬

توضيح واعتذار
ورد خطأً في صفحة «أوتار» ضمن الحلقة الأولى من موضوع «عراب السينما الكويتية»، المنشور بعدد أمس الأول الأحد، على لسان المخرج العالمي القدير خالد الصديق، أنه قال: «تعلمت الإخراج في مصر»، والصحيح: «تعلمت الإخراج في الهند».

و«الجريدة» إذ تعتذر للمخرج الكبير عن هذا الخطأ الفني غير المقصود، فإنها تعرب له عن خالص تقديرها واحترامها لشخصه الكريم، لذا اقتضى التوضيح.

«الطريق إلى مكة» لم يقنع والده بتمويل «بس يا بحر»
في محاولة أخرى منه لإقناع والده بتمويل الفيلم، يقول الصديق إنه أخذ نسخة من فيلم «الطريق إلى مكة» الذي عمله صديقه محمود سابو مدير التصوير السينمائي بتلفزيون الكويت، المعار من مصر، مضيفاً: «قلت لوالدي إن هناك فيلما عن مكة، فقال: ائتني به، وبعد صلاة المغرب عرضته بآلة 16 ملم، ولم تمر سوى دقائق لتنهمر الدموع من عيني والدي، فقلت لفنسي: لقد ضمنت الـ5 آلاف دينار، وبعد انتهاء العرض، قلت له: أرايت ماذا يمكن أن تفعل السينما؟ فردّ: وهل ستصور طوال عمرك أفلاما عن مكة؟!».

وأضاف أنه عندما أرد توقيع العقود مع الممثلين، وكانت بحوزة مدير التصوير توفيق الأمير، رفضوا أخذ مقابل، «وقالوا إذا لم يكن لديكم المال فسنعطيكم، لأنهم جزاهم الله خيرا، وهذا أمر طيب منهم، قد تلمسوا عدم مقدرتي على الدفع».