مرافعة : قانون ضياع الأسرة!
من قانون أراده مجلس الأمة علاجا وسترا للعيوب، التي تعانيها محاكم الأحوال الشخصية، ورغبة في اختصار مراحل التقاضي بها، إلى قانون يعقد إجراءات التقاضي ويطيلها ويجعل المتقاضين يترحمون على إجراءات التقاضي التي كانت تتم وفق القانون السابق، بسبب يعود إلى التطبيق السيئ للقانون من قبل وزارة العدل، رغم إقرار الوزارة برمتها عدم جاهزيتها لإمكانية تطبيقه، ومع ذلك يكابر مسؤولو الوزارة لمواجهة تلك الحقائق، ويعمدون على تنفيذه مهما كانت الظروف والنتائج!وعندما أقول إن تطبيق القانون الذي مضى عليه الآن قرابة 3 أشهر فشل بسبب تطبيقه، لأن الوزارة لم تنجح في تحقيق أي هدف من الأهداف والغايات التي جاء القانون لمعالجتها، بل على العكس تماما، لأن القانون جاء ليحقق السرية والعزلة لقضايا الأسرة، وما يحدث عمليا لا يحقق ذلك، فالقانون يؤكد ضرورة توفير مبان منفصلة ومستقلة، فيما تخصص الوزارة من بعض المحاكم الحالية ممرات وتحجبها بقواطع وتسميها محكمة أسرة!والقانون يؤكد إنشاء دوائر للأسرة فيما أنتم حولتم دوائر الأحوال الشخصية بجرة قلم وبدلتم تسميتها إلى دوائر للأسرة، فيما نصت المادة الأولى وجوبيا من قانون إنشاء محكمة الأسرة على إحالة كل القضايا المنطورة أمام دوائر الأحوال الشخصية إلى دوائر محاكم الأسرة، ولا أعرف كيف طوعت الوزارة نصوص القانون وفق مزاجها!
والقانون يؤكد ضرورة إنشاء دوائر لنظر القضايا المستعجلة بين المتقاضين وإشكالات التنفيذ، فتقوم الإدارات التابعة للوزارة بإسناد مهمة الفصل في تلك الإشكالات إلى دوائر الأسرة ذاتها، في حين أن القانون ينص على اختصاص دوائر المستعجل يتبع محكمة الأسرة منفصلة عن دوائر الأسرة! والقانون يقطع باختصاص قاضي الأمور الوقتية بنظر الطلبات على عرائض لبعض الحالات المحددة بالقانون، ومنها الحضانة والرؤية، فيما اليوم من ينظر تلك الطلبات هو قاضي دائرة الأسرة ذاته رغم أن القانون ينص على أن من ينظرها هو قاضي الأمور الوقتية، ولم يعط هذا الاختصاص لقاض آخر!والقانون يعطي لقاضي الأسرة أن ينظر في مسائل الأحوال بين الزوجين المتعلقة ببعض النفقات، وكذلك دعاوى التفريق والطلاق، وما يحدث اليوم تشويه لنصوص القانون بإسناد كل المسائل إلى قاض واحد فقط، في حين أن القانون ينص على إيجاد أكثر من 3 دوائر مختلفة تنظر في المستعجل والأمور الوقتية والتظلمات والعادية فيما يتم عمليا إسنادها إلى دائرة واحدة!ولنتخيل الأمر الذي يحدث عمليا اليوم، وهو أن القاضي الذي يصدر الأمر على عريضة بقضية رؤية مثلا أو حضانة فيقوم الخصم الصادر عليه الحكم بالتظلم من الأمر والاستشكال من الحكم ووقف تنفيذه، فينظر ذات القاضي مصدر الأمر على العريضة بالإشكال والتظلم والدعاوى الأخرى بين ذات الخصوم، في حين نص القانون على قضاة ودوائر أخرى تتكفل بذلك!ما يحدث عمليا من سوء تطبيق لقانون محكمة الأسرة يعمل على تشتيت جهود الهيئات القضائية والمحامين معا، ولا يمكن أن ينجح هذا القانون ما لم تتم زيادة الطاقات البشرية التي تعمل على تغطية هذا القانون من كل جوانبه، فالدوائر القضائية الواردة بالقانون تتطلب تعيين عدد من القضاة، أو التعامل وفق نظام الإعارة لتغطيته، علاوة على ضرورة تعيين الكوادر والطاقات البشرية في الإدارات المتعددة بالتوثيقات والاستشارات والتنفيذ، مع مراعاة اختيار الكوادر الفنية المتخصصة، فضلا عن ضرورة توفير المباني اللازمة لتلك المحاكم والتوقف عن سياسة التأجير المرهقة لميزانية الدولة. دون معالجة حقيقية للمشاكل التي يعانيها سوء تطبيق قانون محكمة الأسرة فسنكون أمام تجربة معقدة تطيل إجراءات التقاضي، وستعمل على استمرار حالة الفوضى التي تشهدها المحاكم حاليا، وستزيد فوق إرهاق المواطن (المتقاضي) إرهاق القضاة والمحامين بها، علاوة على إرهاق ميزانية الدولة بمصاريف سببها تأجير العديد من المباني وبعضها لم يسلم بعد، وكل ذلك يحدث دون هدف حقيقي وراءه!