"التحلطم" جمع "حلطمة" باللهجة الكويتية، ومعناها التذمر أو الشكوى لسبب يستحق أو دون أي سبب أحيانا، والمتابع لمنتديات الشعب الكويتي يجد أنه يجيد هذه الصفة بشكل كبير في جوانب حياته المختلفة، وربما لا أكون مبالغا إن قلت إننا ككويتيين نجيد "التحلطم" في كل مناسبات حياتنا. على سبيل المثال حين لا تعجبنا درجات أبنائنا الدراسية أو درجاتنا نحن الوظيفية أو ربما الجامعية نهرب مباشرة للتذمر والشكوى، فتارة يكون المدرس أو النظام التعليمي برمته هو السبب، وتارة أخرى تكون العوامل الخارجية التي مررنا بها وربما يكون سبب الشكوى أن لا أحد يفهمنا!الشكوى والتذمر قد يكون فيهما جانب إيجابي من خلال إحساسنا بوجود خطأ ما في حياتنا، أو قد يدفعنا التذمر للبحث عن الحلول التي تساعدنا على تجاوز السلبيات التي نعيش فيها من خلال مشاركتنا للآخرين بما نحمله من هموم، إذ يقول بشار بن برد:
ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة
يواسيك أو يسليك أو يتوجعفالمواساة والتسلية والتوجع كلها جيدة في حينها، لكن متى ما زادت عن حدها انقلبت عضيدا للتذمر والتحلطم والشكوى، فصارت حالنا أسوأ من ذي قبل. هذا في جوانب الحياة اليومية، فماذا عن الحياة السياسية وهي التي تصرف شؤون الناس في يومنا هذا؟ هل التذمر الذي عايشناه خلال الـ٥٠ سنة الماضية كان كفيلا بحل مشاكلنا؟ متى تنتهي الجملة السياسية الشهيرة "أنا توقعت أن ذلك سيحصل وحذرتكم منه". في عودة سريعة إلى الوراء وإلى تاريخنا السياسي المحلي نجد أن سقف "الحلطمة" كان ولا يزال عاليا، في حين أن المقارنة مع ما تم فعلا على أرض الواقع من إصلاحات لا يكاد يقارن. بالطبع لم أدرس الموضوع دراسة أكاديمية دقيقة، لكن حاولت استرجاع ذاكرتي فوجدت أننا نعيش في المشاكل ذاتها منذ سنوات عديدة، الإسكان والصحة والتعليم والزحمة والوحدة الوطنية وتطبيق القوانين وغيرها من الأمور التي يكثر فيها وحولها "التحلطم". هل فعلا مجلس الأمة الحالي والسابق، ما عدا مجالس الستينيات ربما، أصل هذه الثقافة؟ لماذا أقول هذا الكلام لأنني أجد أن المجلس الحالي بوضعه الحالي والسابق لا يعطي النائب فرصة للإصلاح إنما يعطيه فرصة للصراخ ورفع الصوت والاستجوابات. لا ينكر أحد أن وجود مجلس الأمة أفضل من عدم وجوده، ولا ينكر عاقل أن للمجلس إسهامات جيدة في حياتنا، لكن لا ينكر أحد أيضا أن معركة "ذات الصرامي" وما سبقها من معارك في المجالس السابقة ساهمت في تبيان أن "الحلطمة" لا تكفي!ما الحل إذاً؟ لعل الحل يكمن في إصلاحات جذرية في بناء المؤسسة التشريعية من خلال إقرار قوانين تنظم العمل السياسي أكثر في الكويت، فقانون الأحزاب قد يكون أحد الحلول الممكنة لتنظيم العملية السياسية والقضاء على الحلطمة لكن الاشتراط الوحيد في قانون كهذا ألا يخضع للمزاجية، ولا نتخذ من الدول العربية قدوة لنا في إقرار مثل هذه القانون، بل نذهب إلى دول كالسويد وبريطانيا والدنمارك وسويسرا، إذ إن الأحزاب هناك ساهمت في تعديل مسار التقدم في دولها. نحتاج أيضا إلى تطوير فكر المعارضة من "التحلطم" على كل شاردة وواردة وتغيير مفهوم أن المعارضة تعني عدم الموافقة على ما تقدمه الحكومة إلى ثقافة التعايش والمشاركة في صنع القرار بين الحكومة والأحزاب. ولعله في فترة لاحقة يكون للأحزاب فرصة تشكيل الحكومة ذاتها مع أخذ الاعتبارات المحلية واحترامها."التحلطم" لن يقود إلا إلى مزيد من السلبية والاتكالية وربما العنف، ولا أحمّل "المتحلطم" وحده هذه المسؤولية، بل من وضعنا وأوصلنا إلى مرحلة التحلطم اليومي يتحمل الجزء الأكبر من اللوم.شوارد:"إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ""سورة الرعد".