قصة حب عنيفة جمعت بين مدرّس الرياضيات، الأستاذ «طارق»، ومدرّسة العلوم أبلة «أماني»، انتهت بالزواج. ولكن بعد خمسة أعوام تبدلت الأحوال، هجر الحب عش الزوجية وتحول الغرام إلى كراهية سافرة. ويوما بعد يوم أصبح الأستاذ «طارق» وأبلة «أماني» أشبه بعدوين يعيشان تحت سقف واحد، سواء في البيت أو في المدرسة الإعدادية التي يعملان فيها. حاول أصدقاء وأهل ومعارف إصلاح ذات البين من دون جدوى، والبحث عن سر هذا التغيير الكبير في علاقة الزوجين، ولماذا انهارت قصة الحب التي كانت مسار حديث الجميع فجأة، ولكن من دون جدوى أيضاً.مؤكد أن ثمة سراً لا يعرفه سوى الأستاذ «طارق» وزوجته، وهو سهم الحب الذي أصاب الزوج «طارق» فجأة بمجرد وصول مدرّسة اللغة الإنكليزية الجديدة «إنجي» للعمل في المدرسة الثانوية حيث يعمل الزوجان. هنا انقلبت الأمور رأساً على عقب، كأن إعصاراً يعرف طريقه جيداً اقتلع القيم الجميلة التي احتوتها علاقة «طارق» و«أماني».
كانت «إنجي» فتاة جميلة بحق، كأن فناناً بارعاً نحت جسدها وفق معايير المثالية المطلقة. نظرات عينيها تجذب إليها الرجال، ملابسها ذات ذوق رفيع، والعطور الثمينة التي تفوح منها تدل على ثرائها الفاحش وأنها سليلة أسرة باشاوات قديمة، وتساءل الجميع في دهشة: إيه اللي جاب القمر ده يشتغل في المدرسة دي؟!ويبدو أن «إنجي» أحست بقيمتها ومقامها بين زملائها وزميلاتها، فابتعدت قليلاً عن الجميع في تعال واضح، بعدما لاحظت الرغبة في عيون الرجال، والغيرة في عيون النساء. ولأن كل ممنوع مرغوب، تهافت المدرّسون على الاقتراب من «إنجي»، وزادت غيرة المدرسات منها بعدما انحسرت الأضواء عنهن، وتناقل الجميع سيرة مدرسة اللغة الإنكليزية الفاتنة التي تلاعبت بالمدرّسين الذكور. كانت تعطي إشارات بالاقتراب يعقبها صد وإحراج أمام الجميع، كانت هذه متعتها الوحيدة.
نظرات مختلفة
نظرات الإعجاب التي أطلت من عيني الأستاذ «طارق» للمدرّسة الشابة الجميلة منذ اليوم الأول لها في المدرسة، اختلفت عن نظرات الآخرين، وكان أول من التفت إلى هذه النظرات هي زوجته أبلة «أماني» التي كثيراً ما نهرته بعيدا عن الأعين بسبب تلك النظرات ومغزاها، وهددته بأن استمراره في هذا السلوك قد يؤدي إلى خراب بيتهما وحياتهما الزوجية. ولكن لم يلتفت الأستاذ العاشق الولهان لتهديدات زوجته، وتابع محاولات التقرب من المدرّسة الجميلة التي تغلغل حبها في قلبه من النظرة الأولى.نسى طارق قصة حبه العنيفة لزوجته «أماني»، وكفاحهما الطويل وسنوات الشقاء التي عاشاها سوياً حتى نجحا في تأثيث عش الزوجية، ونسى إصرار زوجته على الارتباط به ومحاربتها أهلها لأجله، ووقوفها إلى جواره عندما كانت ظروفه المادية متعثرة. نسي الزوج الأناني ذلك كله ولم يتذكر سوى محبوبته الجديدة الجميلة، وقوامها الممشوق، ونظرات عينيها الساحرة.لم يكن الأستاذ «طارق» يوماَ ما رجلاً عابثاً لاهياً محباً للملذات. كان إنساناً على خلق، محبوباً من الجميع لأدبه الجم واحترامه لنفسه ولزملائه بل ولتلامذته. في الرحلات المدرسية، كان الأستاذ «طارق» مدرّس الرياضيات مطلباً شعبياً من الطلاب، ليشرف على الرحلة لحبهم له، كذلك زملاء المدرسة، لخفة ظله وعقله المنظم المرتب الذي يستغل كل دقيقة من زمن الرحلة في إسعاد التلامذة. جذبت هذه المميزات «أماني» قبل خمس سنوات عندما قررت الارتباط به.أما «أماني» فتنتمي إلى أسرة ثرية جداً، والدها أحد كبار رجال الصناعة المصرية. لم تكن تحتاج إلى الراتب الضئيل الذي تحصل عليه نظير عملها كمدرسة للعلوم، لذا كانت توزعه على العاملين الفقراء في المدرسة. همها الوحيد ملء وقت فراغها بما يفيد المجتمع. لم تكن تفكر في الزواج على غرار باقي الفتيات. كانت تؤمن بأن النصيب سيأتي إليها حتى باب بيتها عندما يشاء الله عز وجل، وجاء النصيب فعلاً، أعجبتها أخلاق زميلها "طارق”، تمنت لو تقدم ليطلب يدها فكان ذلك.باح مدرس الرياضيات لزميلته "أماني” بمشاعره تجاهها واعترف بحبه لها، وبأن أمل حياته هو الزواج منها، لولا ضيق ذات اليد وقلة حيلته في تغيير ظروفه المادية الصعبة. لكن "أماني” فاجأته إذ أخبرته بحبها له وموافقتها على الزواج منه وقالت: "سيب حكاية الفلوس دي عليَّ أنا”.خاضت "أماني” حرباً شرسة مع والدها الثري لإقناعه بالموافقة على زواجها من زميلها "طارق”، وبعد تعب ومفاوضات شاقة اقنعت مدرّسة العلوم والدها برغبتها الشخصية. تحقق الحلم وتزوجت "أماني” من "طارق”، وعاشا سوياً في سعادة حسدهما عليها الأقارب والمعارف حتى حدث ما لم يتوقعه أحد مع ظهور "إنجي” في حياة الزوجين السعيدين، فانقلب حال الزوج 180 درجة. لم يعد يرى غير "إنجي”، بدا كالمسحور أو المنوّم مغناطيسياً في حبها رغم أن كل ما كانت تفعله مدرسة الإنكليزي معه مجرد ابتسامة حانية أو نظرة ساحرة تؤجج نار الغرام بداخله.مخطط إنجي
كاد الأمر يمرّ بسلام بين الزوجين «طارق» و«أماني» لو أن حكاية أستاذ الرياضيات مع مدرسة اللغة الإنكليزية توقفت عند مجرد الإعجاب بها، لكن الأمور تعقدت عندما قررت «إنجي» المشاركة في اللعبة، فتقرّبت من الأستاذ «طارق» ليس حبا فيه، وإنما نكاية بزوجته «أماني» التي بدأت تعامل «إنجي» معاملة سيئة أمام زملاء المدرسة، كل واحدة منهما من بنات الطبقة الراقية لذلك كانت المعاملة جافة بينهما منذ البداية.بدأت «إنجي» تتحدث إلى الأستاذ «طارق» وتلمح له عن مدى إعجابها به، قالت له ذات مرة: «بس لو ماكنتش متجوز ....»، لم ينم «طارق» لأيام بعد هذه الجملة ذات المغزى الكبير. عاش أستاذ الرياضيات الحلم، وأحس أنه أصبح على قاب قوسين أو أدنى من قلب محبوبته «إنجي»، فبدأ يمطرها بكلمات الغزل والإعجاب، وتركت مدرّسة اللغة الإنكليزية الحبل على الغارب. وقفت تتفرج وابتسامة عريضة على شفتيها، والرجل يغرق في بحر غرامها، كانت تريده أن يتوغل أكثر فأكثر حتى تنتقم من زوجته «أماني» بإثبات أنها تستطيع أن تجردها من أهم ما تملك بأقل مجهود. كل ما كانت تسعى إليه «إنجي» هو توصيل رسالة لـ «أماني» عبر زوجها، ووصلت الرسالة كاملة للزوجة، وبالطبع لم يفهم أستاذ الرياضيات أنه لم يكن سوى «ساعي بريد» يحمل رسالة مغلقة، وهو يتصور نفسه دونجوان عصره وأوانه الذي أسقط الجميلة «إنجي» في غرامه، لم يكن يدري أنه يهد بيته بيده لأجل غيرة الستات، وأنه تحول إلى مجرد كرة تتناقلها إنجي وأماني.كثيرا ما ضبطت أبلة «أماني» زوجها شارد الذهن يفكر في محبوبته الجديدة، خصوصاً أنه أخطأ أكثر من مرة ونادى زوجته باسم «إنجي». تجاهلت الزوجة الجريحة الأمر في البداية، وردّدت في نفسها أن الأمر مجرد نزوة من زوجها، مثل معظم الرجال، ستنتهي وتذهب إلى حال سبيلها. ولكن تصرفات الأستاذ «طارق» كانت مستفزة فعلاً. في النهاية، هي زوجة ولها كرامة يجب الحفاظ عليها. ثارت في وجه زوجها وأعلنت عليه حربا شعواء لا هوادة فيها حتى يعود إلى عقله وحبه القديم ويترك هذا الحب الجديد.تهديد متبادل
كعادته أهمل «طارق» تهديدات زوجته، عندها قررت اللعب بالورقة الوحيدة التي تملكها في دفاعها عن بيتها وحياتها وكرامتها، ورقة قائمة الأثاث (المنقولات). عندما دب اليأس في قلبها من إصلاح حال زوجها أمسكت الزوجة بالورقة ذات يوم ولوحت بها للأستاذ «طارق» قائلة في عصبية: «شايف الورقة دي يا طارق... والله لو ما رجعت لعقلك لأسجنك بيها».كان التهديد واضحاً وضوح الشمس، وأدرك الزوج ما تنوي زوجته الغاضبة فعله، ستزج به في ساحات المحاكم ومنها إلى غياهب السجون. تمالك «طارق» أعصابه، وأبدى عدم اهتمامه أو اكتراثه بأمر قائمة الأثاث، وقلل من جدواها. لم يرد على زوجته بكلمة. ترك لها الصالة التي كان جالساً فيها حتى لا تلمح الرعب الذي اجتاح قلبه. انطلق إلى غرفة نومه، جلس فوق السرير يفكر طوال الليل في حل لهذه الكارثة المتوقعة، ومع الخيوط الأولى للصباح كان مدرس الرياضيات قد عثر على الحل الأمثل من وجهة نظره.أمسك الأستاذ «طارق» بورقة بيضاء، وسار على أطراف أصابعه ودخل غرفة نوم زوجته التي كانت تغط في نوم عميق، اقترب منها بخطوات حثيثة حتى لا تستيقظ وأخرج من جيبه «ختامة»، وفي هدوء شديد أمسك بأصبع زوجته النائمة، ووضعه في الختامة ثم طبع بصمتها على الورقة البيضاء، وانسحب بهدوء من حيث أتى.في غرفة نومه، وقف الأستاذ «طارق» والابتسامة تعلو وجهه، والفرحة تتراقص بين ضلوعه بعد أن أصبح يملك ورقة للضغط على زوجته مثلما تملك هي ورقة للضغط عليه، الآن أصبح ثمة توازن في القوى، قال مزهواً بنفسه: «واحدة بواحدة يا أماني... والبادئ أظلم».عندما استيقظت «أماني» في ذلك اليوم، لم تلتفت إلى الحبر الذي أغرق أصابع يدها، اعتقدت أنه من آثار استخدامها القلم الذي تصحح به كراسات تلامذتها، وتابعت محاولاتها إبعاد زوجها عن حبه الجديد، لكنها فوجئت به يقف في وجهها للمرة الأولى، ويثور عليها ويضربها ويطردها من البيت، ويبادرها هو بالتهديد هذه المرة بأنه سيطلقها ويتزوج من «إنجي»، وقال لزوجته عن ورقة الأثاث التي كانت تهدده بها: «بليها واشربي مايتها».كانت ثورة الزوج مفاجئة عارمة. لم تستطع «أماني» الوقوف في طريقها أو مواجهتها، لعدم علمها سبب انقلاب زوجها من حالة الاستكانة إلى الثورة. حزمت حقائبها في ذهول وعادت إلى بيت أهلها باكية، وهناك جلست مع أسرتها تفكر في وسيلة للانتقام من زوجها قليل الأصل الذي باع كل شيء لأجل نزواته مع فتاة استغلته اسوأ استغلال.أروقة المحاكم
كان رأي أسرة «أماني» هو «جرجرة» الزوج في المحاكم، وفعلاً أسرعت الزوجة إلى المحكمة وأقامت دعويين ضد زوجها، تطلب في الأولى الطلاق، وتتهمه في الثانية بتبديد منقولات عش الزوجية، وقدمت ورقة قائمة المنقولات التي سبق ووقع عليها الزوج، ودفعت بها ضمن أوراق الدعوى. كان قرار «أماني» إعلان الحرب. ضربت ضربتها وانتظرت الرد، وتوقعت أن يأتي إليها زوجها طالبا العفو والمغفرة.لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن. جاء رد «طارق» سريعاً، أمسك بالورقة البيضاء الموجود عليها بصمة أصبع زوجته وكتب فيها ما يلى:«إيصال أمانة»... استلمت أنا أماني ... مبلغ وقدره 250 ألف جنيه، من السيد/ عماد... على سبيل الأمانة، وأتعهد بسداد المبلغ المذكور في موعد أقصاه ...».وبعد 24 ساعة، قدم شخص يدعى عماد، من أقارب الأستاذ «طارق»، هذه الورقة لوكيل النائب العام وتقدم ببلاغ اتهم فيه «أماني» بخيانة الأمانة، فاستدعيت في سراي النيابة، وانكرت معرفتها بأمر إيصال الأمانة، والمدعو «عماد»، وشددت على أنها لم تتسلم منه أي مبالغ ولا تعرفه أصلاً ولم تشاهده سابقاً.وقررت النيابة إحالة القضية للمحاكمة. وأمام محكمة جنح القاهرة، كررت الزوجة أقوالها، فقرر القاضي إحالة إيصال الأمانة إلى الطب الشرعي لبيان ما إذا كانت البصمة الموجودة في إيصال الأمانة تخصّ المتهمة أم لا؟ وجاء تقرير الطب الشرعي ليؤكد أن البصمة فعلاً هي بصمة «أماني»، ولكن الكلمات المحررة في إيصال الأمانة تم تحريرها بعد طبع البصمة على إيصال الأمانة بوقت طويل لتقضي المحكمة ببراءة مدرّسة العلوم من التهمة الموجهة إليها.وقالت المحكمة في حيثيات الحكم إن المتهة تعمل مدرسة للعلوم وتوقيعها على إيصال أمانة بالبصمة فقط أمر مستبعد، وغير منطقي، لا سيما أنها تجيد القراءة والكتابة، كذلك ثبت من تحريات رجال المباحث فقر «عماد» الشديد، ما يصعب معه أن يديّن مدرّسة العلوم بمثل هذا المبلغ المالي الكبير.استقبلت «أماني» قرار المحكمة بفرحة على عكس زوجها «طارق» الذي علا الوجوم قسمات وجهه، وعند باب قاعة المحكمة التقى الزوجان، وتلاقت نظراتهما ودار بينهما هذا الحديث العابر.طارق: معلش خيرها في غيرها! أماني: معركتنا طويلة... تحمّل ما سيجرى لك. غادر الزوجان قاعة المحكمة وهما على يقين بأن إجراءات الانفصال ستبدأ فوراً، لم يعد يربطهما أي رابط، باستثناء إقرارهما بأن «إنجي» نجحت في مخططها بالكامل، بعدما نجحت في تدمير علاقة «طارق» بـ»أماني»، ثم تركته، لتكون ضحكتها الشريرة هي مسك الختام.