حسمت محكمة القضاء الإداري في مصر جزءاً من الجدل الذي أحدثه الإعلان عن اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية، التي تم توقيعها بالأحرف الأولى، بين القاهرة والرياض 8 أبريل الماضي بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي، والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، إذ قضت المحكمة أمس، ببطلان الاتفاقية ووقف تنفيذ القرار المُتعلق بتوقيع الاتفاقية، ليضع العلاقات المصرية السعودية في اختبار جديد.

ورغم أن حكم محكمة القضاء الإداري لا يزال قابلاً للطعن أمام المحكمة الإدارية العليا، فإن مراقبين قالوا إن الحكم «مشمول بالنفاذ المُعجّل، والطعن عليه أمام المحكمة الإدارية لا يعني وقف تنفيذه». وسادت في أعقاب الحكم حالة من الارتياح والسعادة بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و»تويتر»، معتبرين الحكم «تاريخياً» وينصف ملايين المصريين، الذين عارضوا الاتفاقية بوصفها تخلياً عن الأرض وتظاهروا عدة مرات لإعلان رفضها.

Ad

وشمل حُكم، محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة، برئاسة المستشار يحيى دكروري، نائب رئيس مجلس الدولة، وقف تنفيذ القرار، وبطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، التي كانت ستُنقل بموجبها تبعية جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى المملكة، وأكد الحكم استمرار الجزيرتين تحت السيادة المصرية، كما قضت المحكمة برفض دفع هيئة قضايا الدولة بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر دعاوى البطلان، بزعم أنها عمل من أعمال السيادة.

وجاء في الدعوى أن «الطاعن فوجئ بقيام رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء أثناء استقبالهما العاهل السعودي بإعلان الحكومة توقيع 16 اتفاقا، بينها اتفاق بإعادة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، لاسيما فيما يتعلق بحقوق السيادة على جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين في البحر الأحمر، ضمن الحدود الإقليمية التاريخية لمصر».

ارتباك وطعن

إلى ذلك، وفي حين رأى مراقبون أن الحكم ببطلان الاتفاقية اربك الحكومة المصرية التي تأخرت في عرض الوثائق التي استندت عليها لتوقيع الاتفاقية أمام المحكمة ولم ترسل الاتفاقية حتى الآن إلى مجلس النواب لمناقشتها، أكد مصدر حكومي رفيع المستوى، لـ«الجريدة»، أن الحكم الصادر من القضاء الإداري، بشأن قبول دعوى الطعن على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، لا يمنع عرض الاتفاقية على مجلس النواب.

وأضاف المصدر أن هناك عدة اعتبارات حول حكم المحكمة ببطلان الاتفاقية، يجب الالتفات إليها، أولاً أن صدور الحكم يؤكد أن مصر دولة مؤسسات وقضاءها مستقل، كما أنه لم تصدر بعد حيثيات حكم المحكمة، وبالتالي من المبكر تفسيره أو تأويله، مشيرا إلى أن درجة التقاضي الأولى بمجلس الدولة تسمح للحكومة بالطعن (الاستشكال) على الحكم الصادر وإيقاف تنفيذه، لافتاً إلى أن قرار المحكمة بأي من التفسيرات المحتملة لا يمنع عرض الاتفاقية على مجلس النواب. وأشار المصدر إلى أنه بعد إيداع حيثيات الحكم، يمكن أن تنقلب القضية رأساً على عقب، حيث إن ممارسة أعمال السيادة ليست من اختصاص القضاء الإداري.

في الأثناء، قالت مصادر مطلعة، لـ«الجريدة»، إن هيئة قضايا الدولة، التي تمثل الحكومة، ستقوم بالاستئناف على حكم بطلان الاتفاقية الحدودية، بعد دراسة الحكم، لافتة إلى أن هيئة قضايا الدولة ستقوم بدراسة منطوق الحكم قبل الرد عليه والدفع ببطلانه، وأن هيئة قضايا الدولة ستدفع بعدم الاختصاص، لأن القضية تخص السيادة، وبالتالي يحق فقط للبرلمان حسم القرار، وأن الحكومة اتخذت قراراً بتأجيل إرسال اتفاقية صنافير وتيران للبرلمان، لحين صدور القرار النهائي من القضاء، بشأن الجزيرتين.

المصادر لفتت أيضاً إلى أن وفداً مصرياً رفيع المستوى سيقوم بزيارة للمملكة السعودية خلال الفترة المقبلة، للتواصل مع القيادة في المملكة حول الاتفاقية، وأن وزير الشؤون القانونية، المستشار مجدي العجاتي، اقترح على رئيس الحكومة الطعن على الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا.

ردود فعل

بدوره، وفي أول رد فعل له، قال المحامي المدعي بالحق المدني، طارق نجيدة: «كنا موقنين من صحة موقفنا بأن هذه الأرض مصرية، وأن القضاء الإداري ينتصر دائماً للحق»، مطالباً الدولة بعدم الطعن على الحكم والكف عن الإجراءات التي تتحدى الإرادة الشعبية، وقال: «على الدولة إعادة الوضع إلى ما كان عليه، برفع العلم المصري وإعادة الرحلات السياحية والشرطة إلى الجزيرتين».

من جانبه، احتفل المحامي الحقوقي خالد علي، بحكم محكمة القضاء الإداري صباح أمس، وكتب على «فيسبوك»: «الله أكبر... الجزر مصرية وبطلان توقيع الاتفاقية»، وأضاف علي: «منطوق الحكم التاريخي الصادر لصالحنا، ورفض الدفع بعدم الاختصاص الولائي».

الفقيه الدستوري رمضان بطيخ، قال لـ»الجريدة»: «يمكن لهيئة قضايا الدولة الطعن على الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا»، موضحاً أنه في حال تأييد الإدارية العليا للحكم فإنه سيكون ملزماً للدولة ولا يجوز الطعن عليه أمام أي جهة أخرى، في حين رجّح رئيس مجلس الدولة الأسبق المستشار محمد حامد الجمل أن تقوم الحكومة بالطعن على الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا، متوقعاً أن تقوم المحكمة بإيقاف الحكم استناداً إلى أن الاتفاقية من أعمال السيادة التي لا يجوز الرقابة عليها.

نقيب الصحافيين الأسبق، مكرم محمد أحمد، رجّح تأثر العلاقات المصرية السعودية بالقرار، مشيراً في تصريحات لـ«الجريدة» إلى أن الجانب السعودي قد يلجأ إلى التحكيم الدولي لإثبات أحقيته في الجزيرتين.