عراب السينما الكويتية... المخرج العالمي خالد الصديق (4-5):

الافتتاح الرسمي لـ «بس يا بحر» كان في 27 مارس 1971

نشر في 22-06-2016
آخر تحديث 22-06-2016 | 00:03
يتابع المخرج المبدع خالد الصديق، الحاصل على جائزة الدولة التقديرية لعام 2010، حديثه عن أول فيلم كويتي روائي طويل «بس يا بحر»، الذي نال عنه جوائز عدة في مهرجانات عالمية، حيث بدأت الديون تتراكم عليه، وعن خلافه مع شركة السينما الكويتية ووصول المفاوضات بينهما إلى طريق مسدود، ثم طمع بعض الممثلين بعد نجاح العمل.
وأكد الصديق أن عرض العمل انطلاقاً من مهرجان طهران الدولي ثم العديد من المهرجانات الدولية، أسهم في تسويقه عالمياً، بعد أن رفضته في بادئ الأمر شركات التوزيع من المغرب العربي ومصر والشرق الأوسط. كما كشف النقاب عن فكرة «درب الزلق» التي كانت في الأصل فيلماً كوميدياً من تأليف الفنان القدير سعد الفرج، مستغرباً الخلافات التي تحصل بعد نجاح أي عمل فني.
● ما حكاية المرضى الذين حضروا فيلم "بس يا بحر"؟

- عرض الفيلم وعمل ضجة في المجتمع الكويتي، ومن الأمور الملاحظة قالها الأمير الراحل المغفور له صباح السالم، هل صحيح أن سيارات الإسعاف تأتي بالمرضى لمشاهدة الفيلم في سينما الحمراء؟ قلت له إنني أحضر العروض لكن ليست كلها، نقدم ثلاث حفلات، الساعة 3 و6 و9 مساء، فطلب مني التأكد وابلاغه بالأمر، وفعلا رأيت سيارة الإسعاف تأتي بالمرضى، وبعد الفيلم تقلهم إلى المستشفى، فأوصلت إليه المعلومة، فكان رده حيال ذلك إنهم يشعرون بالحنين إلى فترة الكفاح.

● ما المدة التي بقى فيها الفيلم بالصالات السينمائية؟

- في تلك الفترة، كانت أطول مدة لعرض الفيلم أسبوع، وفيلمي عرض لـ6 أسابيع، صاحبته ضجة وربكة، والأطماع ظهرت لدى بعض الممثلين مع الأسف الشديد.

● هل لديك مشكلة مع شركة السينما؟

- نعم، حيث حدث خلاف بيننا على موضوع، لأنهم تعودوا على شراء الفيلم المصري والهندي والأميركي بسعر رخيص، ويعرضونها كأنها شراء قطعي، وقفت ضدهم وقلت لهم من غير المعقول أن تطبقوا ذلك على الفيلم الكويتي، فنحن نريد أن نظهر بصناعة السينما، الكل بقي على عناده وبتحد، فلم أتسلم شيئا، وفي الجانب الآخر ازدادت الضغوط علي من نميمة بعض الممثلين بأنني أكلت حقوقهم المادية، التي طالت سمعتي، والله يسامحهم.

● هل تم حلها؟

- بدأت الديون تتراكم علي، وفي يوم من الأيام بعد وصول التفاوض مع المسؤولين في الشركة إلى طريق مسدود، ارتأيت الذهاب إلى صديق الوالد، رئيس مجلس إدارة شركة السينما آنذاك المرحوم الحاج يوسف الفليج، لكن قبل ذلك ذهبت إلى سمو الأمير الحالي الشيخ صباح الأحمد، أطال الله في عمره، عندما كان وزيرا للإعلام، وشرحت له الموضوع، فكتب سموه كتابا شخصيا بنفسه، تسلمته في اليوم التالي، وقال لي سلمه إلى الحاج يوسف.

ذهبت إليه قائلا له هذا الكتاب من الشيخ صباح، هل أجلس أم أذهب؟ قال لي اذهب، بعد فترة اتصلت شركة السينما تدعوني للمجيء كي نتحاسب، فذهبت، وتم تقييم الأمور بصورة مرضية، بفضل الشيخ صباح، حفظه الله.

● كيف ستتصرف لو كنت رئيسا لشركة السينما؟

- سأقول لشخص جازف بما يملك من أجل تقديم أول فيلم روائي كويتي طويل، نعرض لك بالمدة التي تريدها مجاناً.

● ماذا اقترح عليك سعدون الجاسم؟

- اقترح سعدون الجاسم بيع الفيلم لتلفزيون الكويت، للتخلص ممن يطالبونك، طلبت منه إعطائي مهلة للتفكير، كي أقيم الموضوع من الناحية الاقتصادية، ووافقت مضحيا بالسوق السينمائي الذي مجال ربحيته أكبر، فدونوا لديهم كل الأسماء الموجودة في العمل، ومن ثم تم تقدير أجورهم وفق لائحة وزارة الإعلام، التي تقول إن أجر الممثل السينمائي يقدر بثلاثة أضعاف الممثل التلفزيوني، وهنا أخذ التلفزيون حقوق عرضه على شاشته مقابل دفع التكاليف المادية للفنانين والفنيين.

● كم هي مدة حقوق العرض؟

- يفترض أن حقوق العرض لأربع سنوات وفق ما هو مقدر من الوزارة، لكنهم عرضوه مدة 40 عاما، وهذه حقيقة، ولأنه عمل وطني، التزمت الصمت.

بدأ بعض الحساد اليوم، بالقول إن الفيلم من إنتاج تلفزيون الكويت، وإذا قالوا ذلك مرة ثانية سأرفع دعوى عليهم، بالفعل إن العمل الناجح مصيبة ويجلب لك المتاعب والمؤامرات والحسد والغيرة وادعاءات كاذبة من أطراف كسولة نائمة بأن لهم دورا في إنجاز "بس يا بحر"، وهي تحلم فقط بكيفية استغلال أي وضع من دون أن تعمل، محاولة البروز من خلال التسلق على ظهر جهود ومجازفات الآخرين.

وأقول لهم: لقد تدخل صاحب السمو، حفظه الله، عندما كان وزيرا للإعلام للوساطة مع رئيس مجلس إدارة شركة السينما الكويتية، حتى تتم معاملتي بطريقة أفضل، كمنتج ومخرج كويتي.

الوحيدون الذين ذكرت أسماءهم في تترات الفيلم منذ ظهوره يستحقون الشكر والتقدير والثناء، لما قاموا بها من جهود، والأغرب من هذا، هناك من بين المدعين كذبا، كان يدرس في الخارج في تلك الفترة، وسجلات وزارة الإعلام تشهد على ذلك.

وأخيرا، إذا استمرت هذه الادعاءات الباطلة، فاللجوء إلى القضاء والمطالبة بالتعويضات هو أفضل وسيلة.

● لمن تقدم الشكر والعرفان؟

- بسبب المسؤوليات والانشغال المتواصل، مع الأسف الشديد والمعذرة، لم أتمكن من تقديم خالص الشكر والامتنان إلى كل من الأخ يوسف الخرافي وكيل وزارة الداخلية سابقا بشخصه الكريم، ومجموعته، وإلى الأخ حامد محمد صالح الفارسي وتعاونهما المنقطع النظير في تنفيذ وتسهيل الأمور الفنية المتعلقة بفيلم "بس يا بحر"، وعذراً على عدم تقديم هذا الشكر في وقته.

● ماذا عن تسويق الفيلم؟

- أردت تسويق العمل من المغرب العربي إلى مصر، والشرق الأوسط، الكل رفض شراء "بس يا بحر"، وأسبابهم كانت منطقية، ليس لديك نجوم معروفون وكذلك المخرج، لكن اختياري لفريق العمل كان في محله وليس خاطئاً، تعاقدت في البداية مع نجمين من مصر لبطولة الفيلم، الأول بدور البحار الذي جسده سعد الفرج، والآخر بدور كوميدي لشخصية "الحمّار"، ودفعت لهما 25 في المئة من أجرهم كدفعة أولى، كي أتجنب الخسارة.

وفي إحدى الليالي، فزعت من نومي، وقلت إنها غلطة سأرتكبها، فمن سيقتنع بأن هذا الممثل المصري هو بحّار كويتي، رغم نجوميته في عدة أفلام في السينما المصرية ومواطنه، لو استعنت بممثلين غير معروفين من مصر ربما تعدي.

فاتصلت بهما واعتذرت إليهما، والمقدم المادي حلال عليكم، فلابد من استقطاب ممثلين كويتيين حتى يقتنع بهم الجمهور، فوقع الاختيار على سعد الفرج، وحياة الفهد، محمد المنصور، محمد المنيع، أحمد الصالح، علي المفيدي، أمل باقر، نوال باقر، عبدالعزيز المسعود، حمد ناصر، عبدالله خريبط، صالح حمد، وغيرهم.

● لماذا عرضت الفيلم في مصر قبل الكويت؟

- صنعنا الفيلم في استديو مصر بالقاهرة، في يناير 1971، وعدنا إلى الكويت استعدادا للافتتاح الرسمي، قال لي سفير الكويت لدى القاهرة حمد الرجيب: ما رأيك في عرضه بالقاهرة للنقاد والنجوم السينمائيين؟، أيدت الفكرة، فدعونا من الكويت سعد الفرج وأحمد الصالح ومحمد المنيع وعبدالعزيز المسعود، وتم عرض الفيلم، وكان من بين الحضور الرجيب يوسف وهبي وأمينة رزق، الجميع أبدوا إعجابهم بالعمل، وكتب يوسف السباعي في مجلة المصور مقالا بعنوان "بس يا سينما"، لافتا إلى أن الكويت بأول عمل سينمائي لها تقدم فيلما بهذا المستوى من التقنيات التي لم تكن معروفة في عالمنا العربي، ومصر التي عرفت بالسينما من سنوات لم تقدم مثله، لم أتوقع نجاح الفيلم الباهر، لكن هدفي أن أعمل من حيث ما انتهى إليه الآخرون، وفق إمكاناتنا وظروفنا.

● ماذا حدث في الافتتاح الرسمي بالكويت؟

- كان الافتتاح الرسمي لفيلم "بس يا بحر" في 27 مارس 1971، وحينها كان سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد وزيرا للإعلام، وحضر نيابة عن الشيخ جابر الأحمد لسفره. حضر العرض في سينما الأندلس 1500 شخص، حيث كان الجمهور قد سمع عنه ونجاحه، بسبب الضجة الكبيرة التي صاحبته في عرضه الخاص بالقاهرة، التي وصلت إلى الكويت من خلال الصحف.

● إذاً كيف تم تسويقه؟

- عندما شاركت في مهرجان طهران الدولي، والمهرجانات العالمية التي تلته، استطعت بيعه، من عروض سينمائية وخاصة، وردتني رسائل و"تلكس" من الموزعين العرب الذين رفضوه، فقلت لهم طلبكم جاء متأخراً.

● ماذا عن الفيلم الكوميدي "سعد وسعيد"؟

- بعد فيلم "بس يا بحر"، كانت لدى الأستاذ سعد الفرج فكرة قدمها كملخص لفيلم كوميدي، له أبعاد اجتماعية واقتصادية، عنوانه "سعد وسعيد"، وأضفت عليه بعض المواقف والقفشات الكوميدية، لكن الظروف لم تسعفني لإنتاج هذا العمل، حيث كنت منشغلا بفيلمي "عرس الزين" في السودان، وأصبح "سعد وسعيد" في ما بعد "درب الزلق" عند تحوله إلى مسلسل تلفزيوني، والحق يقال إن بداية القصة وأصلها للأخ سعد الفرج، والملخص موجود عندي عبارة عن 5 صفحات.

مع الأسف، لا أدري لماذا تحصل هذه الخلافات بين الإخوة الفنانين مثل ما حصل بين الكاتب الراحل عبدالأمير التركي والفنان سعد الفرج حول "درب الزلق"، ومن الملاحظ بمكان أن أي عمل ناجح يتبعه خلاف. المشكلة أننا لا نرضى بنجاح الآخرين، وهو ما حدث معي أيضاً بنجاح "بس يا بحر".

تصديت لكل من انتقد الفيلم
لدى حديثه عما واجه فيلم "بس يا بحر" من انتقادات، قال المخرج العالمي خالد الصديق إن البعض حارب الفيلم، حيث قال أحدهم "قبل النفط لا يوجد عندنا حب، وكان ردي عليه أين ذهبت قصص حب قيس وليلى، وروميو وجولييت، وآدم وحواء، ولو ذكرت حقائق أكثر من ذلك كنت بحاجة إليها للتركيبة الدرامية لهذا العمل، لطالبوا بإعدامي، فعلى سبيل المثال في الخمسينيات، كان الحبيب إذا أراد الالتقاء بحبيبته، ينتقل فوق الأسطح حتى يصل إليها".

وأشار إلى أن بعض أعضاء مجلس الأمة حاولوا منع الفيلم، لأنه أظهر المجتمع الكويتي فقيراً، "لكنني تصديت لهذا القول بأن الشعب الكويتي كان عصاميا، وهو يفتخر بذلك، لكنهم مع الأسف لم يكونوا يريدون الاعتراف بهذه الحقيقة، غير أنني استطعت إقناعهم"، مستذكرا أن "أحد النواب اعتقد أنني قصدته من خلال صبي صاحب بشرة داكنة مثله، كان يشتغل تباباً على السفينة".

وتساءل: "لماذا ننسى ماضينا؟ لقد قرأت منذ فترة أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مر في شارع بمكان ما، لرؤيته بقالة تبيع الخبز، فتوقف عندها، لأنه عندما كان طفلا كان يبيع نفس النوع، دون أن لم يخجل من ذلك".

أما عن انتقاد البحارة بأنهم يأكلون بشراهة، فمرد ذلك أنهم لا يتناولون إلا وجبة واحدة في اليوم، إما "معدس" أو "مموش"، مبيناً أن الغواص كان يغوص منذ الصباح حتى المغرب، فمن الطبيعي أن يأكل بشراهة ويحدث "مخامط" على الطعام.

سيارات الإسعاف نقلت المرضى من المستشفى لمشاهدة الفيلم في «الحمراء»

استطعت بيعه بعد عرضه في سوق المهرجانات السينمائية العالمية

السباعي كتب إعجابه بأول عمل كويتي في مقال «بس يا سينما»

بعض الحساد قالوا إن الفيلم من إنتاج التلفزيون... وإذا تكرر فسألجأ للقضاء

«درب الزلق» التلفزيوني أصله فكرة فيلم «سعد وسعيد» لسعد الفرج
back to top