لما كانت الليلة السادسة والثلاثون بعد المئتين، قالت شهرزاد للملك شهريار: يحكى أنه كان في قديم الزمان، وسالف العصر والأوان، تاجر من التجار في بلاد خراسان، اسمه مجد الدين، وكان له مالٌ كثير، وعبيد ومماليك وغلمان، إلا أنه بلغ من العمر ستين سنة ولم يرزق ولداً، وبعد ذلك رزقه الله تعالى ولداً فسماه علياً، فلما كبر الغلام، صار كالبدر ليلة التمام، ولما بلغ مبلغ الرجال، وحاز صفات الكمال، أصيب والده بمرض الموت، فدعا ولده وقال له: يا ولدي قرب وقت المنية، وأريد أن أوصيك بوصية.فقال له: ما هي يا والدي؟ فقال الوالد: أوصيك بأنك لا تعاشر أحداً من الأشرار، وتجنب ما يجلب الضرر، وإياك وجليس السوء فإنه كالحدَّاد، إن لم تحرقُك نارُه يضر بك دخانه، وما أحسن قول الشاعر:
ما في زمانك من ترجو مودته ولا صديق إذا خان الزمان وفىفعش فريداً ولا تركن إلى أحد ها قد نصحتك فيما قلته وكفــــى فقال: يا أبي سمعت وأطعت، ثم ماذا أفعل؟ فقال: افعل الخير إذا قدرت، ودم على صنع الجميل مع الناس، واغتنم كل فرصة لبذل المعروف والقيام بالعمل الطيب.لما كانت الليلة السابعة والثلاثون بعد المئتين، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن والد الصبي قال له: احفظ شريعة الله يحفظك، وصن مالك ولا تفرط فيه، فإنك إن فرّطت فيه، قد تحتاج إلى أقل الناس، واعلم أن قيمة المرء ما ملكت يمينه. وما أحسن قول الشاعر: إن قلَّ مالي فلا خلٌ يُصاحبنيأو زاد مالي فكلُ الناسِ خلاني فكم عدو لأجل المال صاحبني وكم صديق لفَقدِ المالِ عاداني ثم قال له: يا ولدي شاور من هو أكبر منك سناً، ولا تتعجّل في الأمر الذي تريده، وارحم من هو دونك يرحمك من هو فوقك، ولا تظلم أحداً فيسلط الله عليك مَن يظلمك، وما أحسن قول الشاعر: اقرن برأيك رأي غيرك واستشرفالحق لا يخفى على الاثنين فالمرء مرآة تريــــــــــه وجهـهويرى قفاه بجـــــــمع مرآتين وقول الآخر: لا تظلمنَّ إذا ما كنتَ مقتدراً إن الظلومَ على حدٍ من النقم تنامُ عينك والمظلومُ مُنتبِهٌيدعو عليك، وعين الله لم تَنَمِ وإياك وشرب الخمر فهي رأس كل شر، وشربها مذهب للعقول، ويزري بصاحبه، فهذه وصيتي لك، فاجعلها بين عينيك، والله خليفتي عليك. ثم أغمي عليه، ومكث ساعة، فلما أفاق استغفر الله وتشهّد، وتٌوفي إلى رحمة الله تعالى. فبكى عليه ولده وانتحب، ثم أخذ في تجهيزه على ما يُحب، ومشت في جنازته الأكابر والأصاغر، وصار القراء يقرأون حول تابوته، ثم صلوا عليه وواروه التراب، وكتبوا على قبره هذين البيتين: خلقت من التراب فصرتَ حياوعلمتَ الفصاحة في الخطاب وعدت إلى التراب فصرت ميتا كأنك ما برحت من التـــــراب وحزن عليه ولده علي شار حزناً شديداً، وعلم عزاءه على عادة الأعيان، استمر حزيناً على أبيه إلى أن ماتت أمه بعده بمدة يسيرة، فقام لها بمثل ما قام به لأبيه، ثم بعد ذلك جلس في الدكان يبيع ويشتري، ولا يعاشر أحداً من خلق الله تعالى، عملاً بوصية أبيه، واستمر كذلك مدة سنة.
اختيار «زمرد»
وبعد ذلك دخل عليه أولاد الحرام بالحيل، حتى مال معهم إلى الفساد، وأعرض عن طريق الرشاد، وشرب الراح بالأقداح، وإلى الملاح غدا وراح، وقال لنفسه: إن والدي جمع لي هذا المال، وأنا إن لم أتصرف فيه، فلمن أخليه؟ والله لا أفعل إلا كما قال الشاعر: إِنْ كنتَ دهرَك كلهتحوي إليكَ وتجمعُ فمتـى بما حصــلته وجمعته تتمـــــــَّتع وما زال علي شار يبعثر المال آناء الليل وأطراف النهار، حتى أضاع ماله كله وافتقر، فساء حاله وتكدَّر باله، وباع الدكان والقصور ثم باع أمتعته وثيابه، ولم يترك لنفسه غير بذلة، فلما ذهبت السّكرة وجاءت الفكرة وقع في الحسرة، وقعد يوماً من الصبح إلى العصر بغير إفطار، فقال لنفسه: أطوف على الذين كنت أنفق مالي عليهم، لعل أحداً منهم يطعمني في هذا اليوم، فدار عليهم جميعاً، وكلما طرق باب أحد منهم ينكر نفسه ويتوارى منه. لما كانت الليلة الثامنة والثلاثون بعد المئتين، قالت شهرزاد: بلغني أيَّها الملك السعيد أن علي شار لما أحرقه الجوع، ذهب إلى سوق التجار، فوجد حلقة ازدحام والناس مجتمعون فيها، فقال لنفسه: يا ترى ما سبب اجتماع الناس؟ ثم تقدم إلى الحلقة فوجد جارية خماسية، معتدلة القد، موردة الخد، قاعدة النهد، قد فاقت أهل زمانها في الحسن والجمال، والبهاء والكمال، اسمها زمرد، فتعجب من حسنها وجمالها وقال: والله لا أبرح حتى أنظر القدر الذي يبلغه ثمن هذه الجارية، وأعرف الذي يشتريها. ثم وقف في جملة التجار فظنوا أنه وقف ليشتري، ثم عرض الدلال تلك الجارية وقال: يا تجار يا أرباب الأموال، من يفتح السعر في هذه الجارية سيدة الأقمار، الدرة السنية، "زمرد الستورية”، بغية الطالب، ونزهة الراغب، فافتحوا الباب، فليس على من فتحه لوم ولا عتاب. فقال بعض التجار: هي علىّ بخمسمئة دينار، وزاد آخر عشرة دنانير. فقال شيخ يسمى رشيد الدين، وكان أزرق العين قبيح المنظر: هي علي بستمئة، فزاد آخر عشرة دنانير. فقال الشيخ: هي عليَّ بألف دينار. فحبس التجار ألسنتهم، وسكتوا، وشاور الدلال سيدها فقال: أنا حالف ما أبيعها إلا لمن تختاره. فقال لها الدلال: يا سيدة الأقمار، إن هذا التاجر يريد أن يشتريك. فنظرت إليه فوجدته كما ذكرنا فقالت للدلال: أنا لا أباع لشيخ أوقعته الهموم في أسوأ حال، ولله در من قال: سألتها قبلة يوماً وقد نظرتشــــــيبي وقد كنت ذا مال وذا نــــــــعمِ فأعرضت عن مرامي وهي قائلة لا والذي خلق الإنسان من عَــــــدَمِ ما كان لي في بياض الشيب من إرب أفي الحياة يكون القطن حشو فمي لما سمع الدلال قولها قال لها: والله إنك معذورة، وقيمتك عشرة آلاف دينار. ثم أعلم سيدها أنها ما رضيت بذلك الشيخ فقال له: شاورها على غيره. فتقدم شخص آخر وقال: هي عليّ بالألف كما قال الشيخ الذي لم ترض به. فنظرت إلى ذلك الرجل فوجدته مصبوغ اللحية فقالت: ما هذا العيب والريب، وسواد وجه الشيب؟ ثم أكثرت التعجبات، وأنشدت هذه الأبيات: بدا لي من فلان ما بدا ليقفا والله يُصـــــــــفع بالنعالِ وذقن للبعوض بها مجالٌ وقرن مال من ربط الحبــال أيا مفتون في خدي وقدي تزور بالمــــــحال ولا تبالي وتصبغ بالعيوب بياض شيب وتخفي ما بدا للاحتيــــــــال تروح بلحية وتجي بأخرى كأنك بعض صنــَّاع الخيال لما سمع الدلال شعرها قال لها: والله إنك صدقت. وسأله التاجر عما قالت فأعاد عليه الأبيات، فعرف أن الحق معها وامتنع من شرائها، فتقدم تاجر آخر وقال: شاورها عليّ بالثمن نفسه، فشاورها عليه، فوجدته قصيراً ولحيته حتى سرته، فقالت: هذا الذي قال فيه الشاعر: ولي صديق له لحيةأنبتَها الله بلا فائـــــــدة كأنها بعض ليالي الشتا طويلة مظلمة بــــاردة فقال الدلال: يا سيدتي انظري من يعجبك من الحاضرين وقولي عليه حتى أبيعك له، فنظرت إلى حلقة التجار وتفرَّستهم واحداً بعد واحد، فوقع نظرها على علي شار.شربة ماء
لما كانت الليلة التاسعة والثلاثون بعد المئتين، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أنه لما وقع نظرها على علي شار، نظرت إليه نظرة أعقبتها ألف حسرة، وتعلق قلبها به، لأنه كان بديع الجمال، وألطف من نسيم الشمال، فقالت: يا دلال أنا لا أباع إلا لسيدي هذا صاحب الوجه المليح، كما قال الشاعر: قالوا: بدا خط العذار بخــــــدهكيف التعشق فيه وهو مـُــــعذر فأجبتهم كفوا الملامة واقصرواإنْ صحَّ ذاك الخط فهو مُـزور جنات عدن في جني وجنـــاتهِ ودليله أن المراشف كـــــــوثرُ لما سمع الدلال ما أنشدت من الأشعار في محاسن علي شار، تعجَّب من فصاحتها وإشراق بهجتها، فقال له صاحبها: لا تعجب من بهجتها التي تفضح شمس النهار، ولا من حفظها لرقائق الأشعار، فإنها مع ذلك تقرأ القرآن العظيم بالقراءات السبع، وتروي الأحاديث بصحيح الروايات، وتكتب الأقلام السبعة، وتعرف من العلوم ما لا يعرفه العالم العلامة، ويداها أحسن من الذهب والفضة، فإنها تصنع ستائر الحرير وتبيعها فتكسب في كل ستارة خمسين ديناراً، وتتم الستارة في ثمانية أيام، يا سعادة من تكون هذه في داره. ثم قال له سيدها: بعها لمن أرادَتْه.فرجع الدلال إلى علي شار وقبل يديه وقال: يا سيدي اشتر هذه الجارية فإنها اختارتك. وذكر له صفاتها وما تعرفه وقال له: هنيئاً لك إذا اشتريتها فإنه قد أعطاك من لا يخل بالعطاء. فأطرق علي شار ساعة وهو يقول لنفسه: أنا إلى هذا الوقت من غير إفطار، ولكن أستحي من التجار، أن أقول ما عندي مال أشتريها به. فنظرت الجارية إلى إطراقه وقالت للدلال: خذ بيدي وامض بي إليه، حتى أعرض نفسي عليه، وأرغبه في أخذي، فإني ما أباع إلاَّ له. فأخذها الدلال وأوقفها قدام علي شار وقال له: ما رأيك يا سيدي؟ فلم يرد عليه جواباً. فقالت له الجارية: يا سيدي وحبيب قلبي، مالك لا تشتريني فأكون سبب سعادتك؟ فرفع رأسه إليها وقال: هل الشراء بالغصب؟ أنت غالية بألف دينار، فقالت له: يا سيدي اشتر بتسعمئة فقال: لا. قالت بثمانمئة. قال: لا. وما زالت تنقص من الثمن إلى أن قالت له: بمئة دينار، فقال لها ما معي مئة كاملة. فضحكت وقالت له: كم تنقص مئتك؟ قال: ما معي مئة ولا غيرها، أنا والله لا أملك أبيض ولا أحمر من درهم ولا دينار، فانظري لك شارياً غيري. فلما علمت أنه لا يملك مالاً، قالت له: خذ بيدي إلى تلك العطفة. فلما فعل وصارا وحدهما، أخرجت من جيبها كيساً فيه ألف دينار وقالت له: زن منه تسعمئة في ثمني، وابق المئة معك تنفعنا.ففعل ما أمرته به، واشتراها بتسعمئة دينار ودفع ثمنها من ذلك الكيس ومضى بها إلى الدار، فلما وصلت إلى الدار وجدتها قاعاً صَفْصفاً لا فرش بها. فأعطته ألف دينار وقالت له: امض إلى السوق واشتر لنا فرشاً. ففعل. ثم قالت له: اشتر لنا مأكولاً ومشروباً.زلما كانت الليلة الأربعون بعد المئتين، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية قالت لعلي شار: اشتر لنا خيوط حرير ملونة وقصباً أصفر وأبيض، ففعل. ثم فرشت البيت وأوقدت الشمع وجلست تأكل وتشرب معه، وسكنت محبة كل واحد منهما في قلب صاحبه. ثم صنعت ستارة وطرزتها بالحرير الملون وزركشتها بالقصب وجعلت فيها منطقة بها صور لمختلف الطيور والوحوش في الدنيا، وقد أتمت صنعها في ثمانية أيام، ثم صقلتها وطوتها وأعطتها لسيدها وقالت له: اذهب بها إلى السوق وبعها بخمسين ديناراً، وحذار أن تبيعها لأي عابر طريق، فإن ذلك يكون سبباً للفراق بيني وبينك، لأن لنا أعداء لا يغفلون عنا.فقال: سمعاً وطاعة. ثم ذهب بالستارة إلى السوق وباعها لتاجر كما أمرته، وبعد ذلك اشترى خيوطاً وقصباً وما يحتاجان إليه من الطعام، وصارت كل ثمانية أيام تعطيه ستارة فيبيعها بخمسين ديناراً. مكثت على ذلك سنة كاملة، ثم اتفق أن توجه إلى السوق كالعادة، فقابله رجل نصراني عرض عليه شراء الستارة بستين ديناراً فامتنع. فما زال يزيده حتى باعها له بمئة دينار، وقبض الثمن ورجع إلى البيت، فوجد النصراني ماشياً خلفه، فسأله: لماذا تسير خلفي؟ فأجابه: يا سيدي إن لي حاجة في صدر الزقاق. ولما وصل علي شار إلى منزله وجد النصراني خلفه، فقال له: مالك تتبعني؟ فقال: يا سيدي اسقني شربة ماء فإني عطشان وأجرك على الله تعالى. فقال علي شار لنفسه: هذا رجل ذمي وقصدني في شربة ماء، فوالله لا أخيبه.حيلة النصراني
لما كانت الليلة الحادية والأربعون بعد المئتين، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن علي شار دخل البيت وأخذ كوز ماء، فرأته جاريته زمرد وقالت له: يا حبيب هل بعت الستر؟ قال: نعم. فقالت له: لعلك بعته لعابر سبيل، فقال: ما بعته إلا لتاجر، قالت: أخبرني بحقيقة الأمر حتى أتداركه، وما بالك أخذت كوز الماء، قال: لأسقي الدلال، فقالت: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم خرج بالكوز فوجد النصراني دخل دهليز البيت فسأله: كيف تدخل منزلي بغير إذني؟ فأجاب: يا سيدي لا فرق بين الباب والدهليز، وما بقيت أنتقل من مكاني هذا إلا للخروج، وأنت لك الفضل والإحسان والجود والامتناع. ثم تناول كوز الماء وشرب منه، وبعد ذلك ناوله إلى علي شار، فأخذه وانتظر أن يقوم فما قام، فقال له: لأي شيء لم تقم وتذهب إلى سبيلك؟ فقال: يا مولاي لا تكن ممن يفعل الجميل ويمن به، فقد شربت ولكن أريد منك أن تطعمني ولو كسرة. فقال له: قم بلا مماحكة، ما في البيت شيء. فقال: يا مولاي إن لم يكن في البيت شيء فخذ هذه المئة دينار، وأئتني بشيء من السوق ولو برغيف ليصير بيني وبينك خبز وملح. فقال علي شار في سره: إن هذا النصراني مجنون فأنا آخذ منه المئة دينار وأجيء له بشيء يساوي درهمين وأضحك عليه. فقال النصراني: يا سيدي إنما أريد شيئاً يطرد الجوع ولو رغيفاً وبصلة، فخير الزاد ما دفع الجوع، لا الطعام الفاخر وما أحسن قول الشاعر: الجوع يطرد بالرغيف اليابس فعلام تعظم حسرتي ووساوسي فقال له علي شار: اصبر حتى أغلق القاعة وآتيك بشيء من السوق. فقال له: سمعاً وطاعة. ثم خرج علي شار بعد أن أغلق الباب وأخذ المفتاح معه، وذهب إلى السوق فاشترى جبنا مقلياً وعسلاً أبيض وموزاً وخبزاً، وعاد به إلى البيت، فلما نظر النصراني إلى ذلك قال له: هذا شيء كثير يكفي عشرة رجال، وأنا وحدي، فلعلك تأكل معي. فقال له: أنا شبعان. فقال النصراني: ولكن الحكماء قالوا من لم يأكل مع ضيفه، فكأنما ضربه بسيفه.لما كانت الليلة الثانية والأربعون بعد المئتين، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن علي شار لما سمع من النصراني هذا الكلام، جلس وأكل شيئاً قليلاً، ثم أراد أن يرفع يده فأخذ النصراني موزة وقشرها وشقها نصفين، وجعل في نصفها بنجا مكرراً ممزوجا بأفيون، الدرهم منه يرمي الفيل، ثم غمس نصف الموزة في العسل وناوله إياها قائلاً: بحق دينك خذ هذه. فأخذها منه وابتلعها فما استقرت في بطنه حتى صار كأن له سنة وهو راقد، فلما رأى النصراني ذلك قام وكأنه ذئب أمعط، أو قضاء مُسلط، وأخذ مفتاح القاعة وذهب يجري إلى أخيه فأخبره بالخبر.وكان أخوه هو الشيخ الهرم، الذي أراد أن يشتري "زمرد”، بألف دينار، فلم ترض به وهجته بالشعر، فلما شكا ذلك إلى أخيه واسمه "برسوم”، قال له هذا: لا تحزن من هذا الأمر فأنا أحتال لك في أخذها بلا درهم ولا دينار.وكان برسوم هذا كاهناً ماكراً مُخادعاً، فعمل الحيلة التي ذكرناها، وأخذ المفتاح وذهب إلى أخيه وأخبره بما حصل، فركب بغلته وأخذ غلمانه وتوجه مع أخيه إلى بيت علي شار، ففتح القاعة وهجم الرجال الذين معه على "زمرد” فأخذوها قهراً وهددوها إن تكلمت، وتركوا المنزل على حاله، ولم يأخذوا منه شيئاً كما تركوا علي شار راقداً في الدهليز، ثم ردوا الباب عليه وتركوا مفتاح القاعة بجانبه. ومضى النصراني بالجارية زمرد إلى قصره، حيث وضعها بين جواريه وسراريه وقال لها: يا فاجرة أنا الشيخ الذي مارضيت بي وهجوتني، وقد أخذتك بلا درهم ولا دينار. فقالت له وقد امتلأت عيناها بالدموع: حسبك الله يا شيخ السوء، حيث فرقت بيني وبين سيدي. فقال لها: سوف تنظرين ما أفعل بك من العذاب. ثم صاح بالخدم والجواري وقال لهم: اطرحوها. فطرحوها وما زال يضربها ضرباً عنيفاً وهي تستغيث فلا تغاث، وتقول: حسبي الله وكفى... إلى أن انقطع نفسها وخفى أنينها ...لما اشتفى قلبه منها، قال للخدم: اسحبوها من رجليها وارموها في المطبخ ولا تطعموها شيئاً، ولما أصبح الصباح طلبها وكرر عليها الضرب، وأمر الخدم أن يرموها في مكانها ففعلوا.وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وإلى حلقة الغد