قصص كثيرة اتخذت من الخليج العربي مسرحا لأحداثها، كتبها باحثو التاريخ عن الشرق الساحر، فابتدؤوا بأقصى الحد من الشرق في الوطن العربي فوجدوا الخليج العربي الدافئ، بمظاهره وسماته العربية والإسلامية محتضنا أعرق الحضارات من قديم الزمان.

فمنطقتنا غنية من القدم بمراكز النشاط التجاري ومحطات توزيع السلع لأوروبا وآسيا، ولامعة أيضا منذ التاريخ القديم بإطلالتها على حضارات بابل وآشور وعيلام الإمبراطوريات القديمة التي احترفت التجارة واحتكرتها أيضا، وبرعت في بناء الطرق التجارية البرية إلى آسيا، حتى أوصلت رأس الخليج بساحل البحر المتوسط.

Ad

ولم تخل منطقتنا تاريخيا من التنافس الدولي، فالتنافس الفارسي الروماني حام حولنا بسبب الطرق التجارية أيضا والمراكز التجارية الناجحة، فما سر نجاحها؟ موضوع شيّق يستحق البحث والدراسة، وقد اقترحت على أبنائنا من الطلبة العودة إلى تاريخ المنطقة والبحث عن سر "التوليفة" الناجحة، وسر التفوق التجاري للمنطقة بشبكة الموانئ التجارية والسفن والبحارة وغيرها من العوامل.

وفي السياق ذاته، وفي ظل التنافس الاستعماري الاقتصادي القديم، تعرضت طرق التجارة في آسيا لهيمنة فارس والضفة الأخرى من العالم، وتعرضت أيضا طرق التجارة في أوروبا لهيمنة الإمبراطورية الرومانية، ومن يدري، لو كنا من ذلك الزمن لأطلقنا على الظروف بالحرب الباردة الأولى، ولابتدعنا مسميات كالدبلوماسية الاقتصادية التي ازدهرت بامتداد طرق التجارة، وبناء العلاقات مع العالم من الصين شرقا إلى عالمنا العربي وأوروبا غربا، ومن المحيط الهندي إلى مصر والبحر المتوسط وشمال إفريقيا.

التنافس الشديد أيضا كان على الكتلة الشرقية من منطقة الخليج، أي إيران التي ارتكزت في الضفة الشرقية وخضعت للتنافس الدولي قديما، والذي برز خلال القرن التاسع عشر طبقا لكتب تاريخية أذكر منها كتاباً يحمل عنوان "الخليج العربي" للدكتورة فتحية النبراوي، وتوضح الكاتبة آلية المنافسة بين الروس القادمين من الشمال والإنكليز من الجنوب، وانتهت باتفاق عام 1907 بين بريطانيا وروسيا لتقسيم إيران إلى ثلاث مناطق، الشمالية منها وقعت تحت النفوذ الروسي والوسطى منها هي طهران الحالية، أما الجنوبية فقد دخلت آنذاك تحت النفوذ البريطاني.

وخلاصة الأمر أننا قبل زمن التشابك الجيوبوليتيكي خضعت منطقتنا لتشابك، وأيضا استقطبت بتفوقها التجاري وموانئها الأطماع الإقليمية والدولية، وذلك بعد التفوق قديما ببناء الطرق التجارية وتأسيس الموانئ التي جذبت الرحلات الاستكشافية للخليج الدافئ.

ولم تخل المنطقة أيضا من القصص والروايات التي نسجت حول الفترات التاريخية لدول الخليج وشبه الجزيرة، ومنها قصص ورحلات لورانس العرب ابن توماس تشبمان، وهي شخصية إنكليزية وأسطورية كما يصفها أنتوني تاننغ، لورانس طاف أيضا في منطقتنا سيرا على الأقدام كي يستوحي من سحر المنطقة ما يمكن كتابته لأطروحته الجامعية، فكتب دليلا عن منطقة سيناء والإمبراطورية العثمانية التي سيطرت آنذاك على شبه الجزيرة ودول عربية أخرى، وكتب أيضا عن التحركات العربية ضد الأتراك.

وفي النهاية أحداث كثيرة ومتشابكة تناولها باحثو التاريخ، وتناولتها قصص لورانس العرب أظهرت تشابك المنطقة في الشأن الداخلي والخارجي وبشكل مستمر، وأظهرت أيضا الموارد أو القوى الناعمة التي امتكلها أهل الخليج والمنطقة الآسيوية عبر المبادرة والانطلاق إلى الشرق والغرب، والشغف وحب الاستطلاع للتعرف على الثقافات الأخرى، واتخاذ التباين والاختلافات مصادر للابتكار والعمل الناجح.

ولو تقوقع أهل الخليج آنذاك ورفضوا العمل مع الجنسيات والثقافات وأهل الأديان الأخرى لبقيت المنطقة على هامش التاريخ ولأهملتها الحضارة.