قراءة في كتاب «صندوق النقد الدولي»
ضمن سلسلة "عالم المعرفة" التي يصدرها شهرياً المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، كان عدد (أبريل 2016)، ترجمة لكتاب قيّم بعنوان "صندوق النقد الدولي: قوة عظمى في الساحة العالمية"، تأليف: د. أرنست فولف، وترجمة: د. عدنان عباس علي، يقدّم إجابات عن كثير من الأسئلة التي تشغل أذهان المهتمين بمعرفة دور الصندوق وسياساته الاقتصادية النيوليبرالية التي يُمليها على دول تحتاج مساعدات مالية، في حين تتبناها دول تابعة اقتصادياً للمراكز الرأسمالية المعولمة وتدور في فلكها. إهداء الكتاب كان كالتالي: "هذا الكتاب هدية لبني البشر في إفريقيا وآسيا وجنوب أميركا، الذين لا يستطيعون قراءته، لأن سياسة صندوق النقد الدولي قد حرمتهم من الالتحاق بالمدارس".
وحول مضمون الكتاب ذكر المترجم في مقدمته "أن أرنست فولف، يستعرض في مؤلفه تاريخ صندوق النقد الدولي منذ "مؤتمر بريتون وودز" حتى عام 2013، مشيراً إلى أن الهدف من تأسيس الصندوق لم يكن، كما يزعم البعض، استحداث نظام نقدي عالمي جديد وقوي، وخال من العيوب، بل كان هدف تأسيسه يكمن في تعزيز هيمنة القوة العظمى الجديدة في العالم، الولايات المتحدة الأميركية، على النظام العالمي الجديد".ويشير إلى أن "صندوق النقد الدولي، ومعه البنك الدولي، قد تجاهل عن وعي وإرادة اختبار صواب الليبرالية الحديثة في ضوء النجاحات الباهرة التي حققتها دول شرق آسيا رغم عدم انصياعها لمبادئ الليبرالية الحديثة، لا بل إننا لا نبالغ أبداً، أنها حققت ما حققت من نجاحات اقتصادية عظيمة وانتصارات اجتماعية باهرة، لأنها لم تنصع لمبادئ الليبرالية الحديثة، وإرشادات صندوق النقد الدولي. وشتان بين الموقفين، فالدور الذي مارسته الدولة في آسيا فاق بكثير الدور البائس الذي تعين على الدولة أن تنهض به في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية بحسب تصورات صندوق النقد الدولي. إن كل التنبؤات بشأن الدفعة العظيمة التي ستطرأ على النمو الاقتصادي في العالم، وفي الدول النامية بالأخص، إنما كانت حبراً على ورق، فكثير من المحللين قد نبهوا الصندوق إلى أن مكاسب النمو ستوزع على فئة ضئيلة العدد فقط، أما الآخرون، أما الفقراء والمستضعفون، أما البؤساء والعاطلون عن العمل فإنهم سيخسرون ما تكسبه هذه الفئة ضئيلة العدد. غير أن الصندوق أصر على موقفه، فراح يطالب الدول بضرورة إلغاء مزيد من القيود وتحرير أوسع والمضي قدماً في عملية خصخصة مشاريع عامة من قبيل المستشفيات والمدارس والجامعات، والموانئ البحرية والجوية، والسكك الحديدية وشركات الطيران الوطنية، وما سوى ذلك من مرافق عامة استراتيجية... على صعيد آخر، تكفل الصندوق، من ثم، برعاية العولمة وبتشجيع دول العالم على تحرير القطاع المالي من التوجيه الحكومي، وذلك من خلال ما صاغ من "برامج تكيف هيكلي". وفيما مهدت هذه السياسات الطريق أمام المصارف والشركات العملاقة، الأميركية حصراً، للوصول إلى أقصى ربوع المعمورة، فإنها أسفرت عن تدهور مجالات كانت تتصف في كثير من دول العالم الثالث بالتخلف أصلاً".والنتيجة التي وصل إليها المؤلف هي أنه "بالنسبة إلى البسطاء من مواطني الدول المتدنية الدخول أصلاً، تترك سياسات الصندوق، في الحالات العامة، نتائج وخيمة جداً، فجميع حكومات هذه البلدان تتصرف وفق نهج لا اختلاف فيه: إنها تُحمّل الجماهير العاملة وفقراء المواطنين تبعات برامج التقشف المالي. وبهذا النحو تسببت برامج صندوق النقد الدولي، في خسارة ملايين العمال فرص عملهم، وباتوا محرومين من رعاية صحية فعالة، ونظام تعليمي مناسب، ومسكن يراعي كرامة الإنسان. لقد تسببت هذه البرامج في ارتفاع أسعار ما يستهلكون من مواد غذائية إلى مستويات لا قدرة لهم على تحمل تكاليفها، وساعدت على توسيع دائرة المشردين الذين لا مأوى يؤويهم، ونهبت من المسنين ثمار الأعمال التي زاولوها عهودا طويلة من الزمن، وعززت انتشار الأمراض، وخفضت متوسط الأعمار، وزادت من معدلات وفيات الأطفال والرضع. وفي المقابل، في الطرف الآخر من السلم الاجتماعي، فإن الحقيقة التي لا خلاف عليها هي أن سياسة الصندوق قد جعلت في مستطاع حفنة من أغنياء، يعجز المرء عن وصف رخائهم، أن تراكم ثرواتها بلا انقطاع، حتى في أزمنة الأزمات. إن الإجراءات المدعوة من قبل الصندوق كانت عاملا جوهريا في بلوغ اللاعدالة الاجتماعية في العالم أجمع، مستويات لا مثيل لها في تاريخ البشرية أبداً".الكتاب مدعّم ببيانات إحصائية ومعلومات موثقة وتجارب وحقائق تاريخية ويستحق قراءة معمقة، ففيه دروس كثيرة ومهمة، لاسيما أن "الوثيقة الاقتصادية" للحكومة وقبلها "خطتها التنموية" تتبنيان "روشتة" صندوق النقد الدولي.