ما على أوباما فعله في الشأن الإيراني قبل نهاية عهده
تشكّل علاقات الولايات المتحدة مع إيران معضلة جيو-سياسية تقليدية، فتمثل إيران قوة إقليمية بارزة تطبق سياسات عدائية تجاه جيرانها وتقمع شعبها في الداخل. رغم ذلك لا تستطيع الولايات المتحدة معالجة سوى المسائل الأساسية التي تؤثر في المصالح الأميركية، عندما تتحاور مع طهران كلما سنحت الفرصة، ولكن على الولايات المتحدة، على غرار ما قامت به في تعاطيها مع الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة، أن تعتمد سياسات هدفها منع الهيمنة الإقليمية وإنشاء توازن قوى في المنطقة، معربةً في الوقت عينه عن دعمها لحقوق الإنسان ومتعاونةً مع إيران دبلوماسياً.وكي يكون التعاون بين البلدين مثمراً ينبغي للولايات المتحدة أن تعمل مع شركائها في المنطقة لتشكّل ميزان قوى مؤاتياً، وتشمل هذه الخطوة مواصلتها نشر جيشها وبيعها السلاح كي تضمن أمن الخليج العربي، مؤكدةً في الوقت عينه حقها بموجب الاتفاق النووي الجديد أن تمنع إيران من تحقيق أي تقدم سري نحو تطوير سلاح نووي. بالإضافة إلى ذلك يلزم أن تبدأ الولايات المتحدة بالتخطيط لإطار سياسي يردع إيران عن استئناف برامجها النووية حين تنتهي مدة بعض القيود المفروضة في هذا الاتفاق. وأخيراً على الولايات المتحدة وشركائها التعاون معاً للتصدي لإيران في العراق وسورية.خلال عهد إدارة أوباما ركّزت عمليات التواصل مع إيران بإفراط على المسائل النووية، لكن عمليات التواصل هذه لم تكن منتظمة، شملت مجموعة صغيرة من الأفراد، ولم تتناول إلا المسائل الأكثر إلحاحاً. صحيح أن وزير الخارجية الأميركية جون كيري يستطيع الاتصال بنظيره الإيراني محمد جواد ظريف بسرعة، إلا أن مقدار ما يستطيع هذان الرجلان المنشغلان دوماً تحقيقه يبقى محدوداً. في مطلق الأحوال سيتخلى كيري على الأرجح عن منصبه في غضون أشهر قليلة، ولا شك أن ظريف، الذي تابع دراسته في الولايات المتحدة، سيقوم بالمثل في المستقبل، وما من أمر يضمن أن خلفَيهما سيُقيمان نوع العلاقات ذاته؛ لذلك يجب ألا تعوّل الولايات المتحدة على خطوة مماثلة.
لهذا السبب، على أوباما قبل انتهاء عهده أن يتخذ خطوات تعزز التواصل بين البلدين، ولعل الخطوة الأكثر وضوحاً استئناف العلاقات الدبلوماسية الطبيعية، لكننا لا نعرف يقيناً ما إذا كان النظام الإيراني مستعداً لخطوة مماثلة، فضلاً عن أن هذه الخطوة ستثير جدلاً كبيراً في الولايات المتحدة أيضاً. من الضروري بالتأكيد أن يركّز الحوار الأميركي-الإيراني على الحرب ضد "داعش"، ولكن يجب أن يشمل أيضاً مسارات تساهم في إرساء الاستقرار في المنطقة، فيلزم أن تطلب الولايات المتحدة مساعدة المملكة العربية السعودية، وتركيا، وإيران بغية التوصل إلى تفاهم بشأن العراق وسورية والسعي وراء اتفاق شبيه بصلح وستفاليا بهدف الحد من الصراع الطائفي والجيو-سياسي. ولا شك أن اتفاقاً مماثلاً لن يبصر النور من دون وساطة ناشطة من الخارج، ووحدها الولايات المتحدة تستطيع راهناً تأدية هذا الدور.علاوة على ذلك يجب ألا يتجاهل أوباما طموحات الشعب الإيراني، فيحلم إيرانيون كثر بحرية أكبر وتواصل أوسع مع العالم، لذلك يجب أن تشكّل حقوق الإنسان جزءاً من أجندة أي تحاور موسّع، كذلك من الضروري أن تسهّل الولايات المتحدة السفر الخاص بين البلدين للطلبة، والباحثين، والمواطنين العاديين، ولعل الطريقة الفضلى لتحقيق هذا الهدف هو استئناف الرحلات التجارية المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، فلا شك أن هذه الخطوة ستعود بفائدة كبيرة على مئات الآلاف من الأميركيين الإيرانيين وأقاربهم الكثر في إيران.من المؤكد أن أي خطوة من هذه الخطوات لا يمكنها وحدها حل الخلافات الكثيرة بين إيران والولايات المتحدة، ولا يقود التواصل الأفضل دوماً إلى تعاون أكبر، لكن التواصل الأفضل يؤدي إلى معلومات أفضل، وتقود هذه الأخيرة بدورها إلى سياسات أفضل، وإن لم تكن مضمونة، فمن الصعب أن نتخيل نشر الاستقرار في الشرق الأوسط من دون التحاور مع إيران والتوصّل معها إلى نوع من التفاهم. * زلماي خليل زاد & جيمس دوبنز