نخطئ حين نظن أننا ندفع فقط ثمن ما نفعل، نحن أيضا ندفع ثمن ما لم نفعل، بل قد يكون ثمن ما لم نفعله باهضاً أكثر من ثمن الفعل لو نحن فعلناه!

الذين يجتنبون الفعل اتّقاء الخسائر من أي نوع، اعتقاداً منهم أن مجرد الفرجة بدون المشاركة غير مكلفة، وأنها صراط ذي اللب السليم والعقل القويم، كثيرا ما اكتشفوا متأخرا أن حساباتهم الخاطئة كانت سبب هلاكهم، وأن الوقوف خلف النوافذ الزجاجية حتى لا تبتل وجوههم بالطَلّ والاكتفاء بالمراقبة والمشاهدة ليس دائما المكان الآمن، وليس أيضا حجة تعفيهم من الذنب، أو دليلاً يحمل تحت إبطه براءة نواياهم، بل ربما اكتشفوا لاحقا أن ذلك بيان لدورهم في الخطأ أو الخطيئة!

Ad

الذين يتحصّنون بالسلبية حتى لا يُحسب عليهم أنهم قالوا أو فعلوا، واتخذوا مكانا قصيّاً عن مرمى القول والفعل، لا يضلّلون الأعين التي ترصد سلبيتهم، وإنما يضللون أنفسهم ويبعدونها عن طريق الهدى، متوهّمين أن في ذلك منجى لها من الأذى، ووقاية لها من التورّط، متناسين أن تلك السلبية هي الورطة التي إن أحكمت على الذات قبضتها ولن تتركها إلا طحين ندم لا يصلح إلا ليكون رغيفاً فاسدا، فكم من نادم قال ليتني فعلت، ولم يقُل ليتني لم أفعل!

وطالما أن احتمال دفع ثمنٍ في حال ارتكبنا الفعل هو نفس احتمال دفعنا له إن لم نفعل، فالسؤال هو: لماذا إذن تميل الغالبية لعدم الفعل، بدلاً من الفعل؟! لماذا نظن أن سلامتنا هي بتجنب الفعل؟! وأن طمأنينة قلوبنا بإماطة الطريق عن الخُطى وليس بإماطة الأذى عن الطريق؟! لماذا تتجه عقولنا مباشرة للسكون وتنقاد له بهذا القدر من اليسر؟!

خطؤنا الشائع غالباً يكمن في أننا نسأل السؤال باتجاه واحد، ماذا لو فعلنا؟! ونبدأ في تصوّر السيناريوهات المختلفة، وكل ما تتفتق عنه أخيلتنا من تخيّل العقبات واستحضار العواقب، نتساءل عن نتائج قيامنا بفعل ما وما هي الأشياء التي قد تترتب عليها، إلا أن الشبح المخيف الذي يظهر فجأة أثناء التفكير والتمحيص قبل الفعل هو ماذا لو لم ننجح!! غالبا أسئلتنا الذهنية وحساباتنا قبل القيام بفعل تتمحور حول ماذا لو فعلنا، مما يضعنا وجهاً لوجه أمام التضحيات التي قد ندفعها والخسائر التي قد نتكبّدها أثناء قيامنا بالفعل وبعده، وكلما كان الفعل كبيرا ومؤثراً ثقلت كفة التضحيات والخسائر مما يجعل إيماننا بقيمة الفعل على المحك، وكذلك عزيمتنا على القيام به، وهنا تُفتح أبواب جنة: "لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم" على مصاريعها لاستقبال الوافدين، إلا أن هذه الجنة ليست للأسف مأوى خالداً، إنما هي معبر مؤقت لجحيم السلبية، حينها فقط سيتذكر الخالدون في ذلك الجحيم أن خطأهم أنهم سألوا السؤال باتجاه واحد فقط: ماذا لو فعلنا؟! ولم يسألوا في ذات الوقت وبعكس الاتجاه: ماذا لو لم نفعل؟!