الملحن والمطرب الكبير سليمان الملا يمتلك تاريخا فنيا طويلا وحافلا بالأعمال الغنائية والموسيقية المؤثرة في تاريخ الأغنية الكويتية والخليجية والعربية، منذ أن بدأ مسيرته الفنية كعازف على آلتي العود والكمان.

واستطاع وهو في سن مبكرة أن يعزف مع كبار الفنانين في الكويت الذين أسسوا بدايات وهوية الأغنية الكويتية، أمثال المطربين عوض دوخي ومصطفى أحمد وحسين جاسم ومحمود الكويتي وسعود الراشد، وظل يكافح ويجتهد حتى أصبح ملحنا يشار إليه بالبنان وتعاون مع عمالقة الغناء في ذلك الوقت أمثال عبدالمحسن المهنا ومصطفى أحمد وفهد الماص وحمد سنان وعبدالكريم عبدالقادر وعبدالله الرويشد ونبيل شعيل ونوال، كما توسع في تعاوناته الموسيقية مع العديد من نجوم الأغنية الخليجية والعربية أمثال طلال مداح ورباب وأنغام وهاني شاكر، وكان من أنجح أغنياته خلال هذه الفترة "كشفوا سرى الهوى" و"فدوة لج" و"لا خطاوينا" في الوقت الذي أثبت فيه موهبته الغنائية كمطرب من خلال الإذاعة الكويتية، وحاز صوته إعجاب الجمهور حتى جاء عام 1985 وأصدر أول ألبوماته الغنائية، وهو الأمر الذي جعله يدخل في منافسة وحرب شرسة مع المطربين الذين كانوا موجودين على الساحة الغنائية خلال هذه الفترة.

Ad

الفنان سليمان الملا من مواليد عام 1953، وعشق الفن منذ طفولته وتتلمذ منذ بداياته على يد الخبير في الموسيقى والتراث الغنائي الكويتي أحمد علي، الذي ساهم في تطوير موهبته الفنية في العزف على آلة الكمان... خلال هذه الحلقة الأولى من حوارنا عن مسيرة هذا الفنان الكبير سنتطرق إلى النشأة والبدايات، فإلى التفاصيل:

عائلة متدينة

• كيف استطعت فرض موهبتك في العزف والغناء رغم أنك نشأت في أسرة محافظة؟

- كان والدي لا يعرف القراءة ولا الكتابة، ورغم ذلك كان يمتلك حكمة كبيرة لطالما تميز بها رجال الكويت قديما، وكان جديراً بالاقتداء به، والتدين لم يكن خاصا بالوالد فقط، وأنما تربيت في ظل عائلة متشددة دينيا، وأتذكر هنا أنه من شدة إخلاص وعشق والدي للكويت فقد تخلى عن لقب عائلتنا "الجداوي"، الذي يعبر عن الانتماء إلى المملكة العربية السعودية، وأبقى على لقب "الملا" الذي يعبر عن الكويت، حيث فضل أن يلتصق أكثر بالكويت، خاصة أنه كان من رجال البحر (غواص)، وكذلك أتذكر عمي الشيخ علي الملا الجداوي الذي كان من أوائل من نظموا رحلات الحج من الكويت إلى السعودية، والآن أسعى بمجهودي إلى استعادة لقب "الجداوي" مرة أخرى في أوراقنا الثبوتية.

عندما أتذكر كل هذه المعطيات والنشأة الدينية لعائلتي أجد أنني واجهت صعوبات جمة في سبيل إثبات موهبتي وعشقي للموسيقى، لأنني كنت الوحيد في العائلة الذي يحب ويمارس الفن، وكنت وقتها أعزف على آلة العود والكمان، وعندما كانوا يشاهدونني أعزف في التلفزيون وكنت وقتها أرتدى الملابس العصرية "البدلة والبابيون"، وأعزف مع كبار المطربين أمثال عوض دوخي وحسين جاسم ومصطفى أحمد، فكان أهلي "يعايرونني" ويهددونني لكنني كنت أتجاهل كل ذلك وأركز في طريقي، حتى جاء اليوم الذي عدت فيه إلى المنزل في وقت متأخر من وجهة نظر الوالد - حوالي الساعة الثامنة مساء- ووجدت والدي قد كسر العود الذي كنت أعزف عليه، وهنا ظهر دور الوالدة المحبة للفن، حيث استطاعت التأثير على والدي ليشتري لي عودا موسيقيا آخر أفضل من السابق، وهو العود الذي بدأت أتدرب عليه بمستوى كبير، حتى استطعت إتقان العزف عليه تماما، وكانت أمي من عشاق فن السامري، وهذه كانت عادة أهل قرية الفنطاس في ذلك الوقت، وكانت هي التي تشجعني على الدخول في مجال الفن.

صدمة وحزن

• ما تأثير حادث كسر عود الموسيقى عليك؟

- حزنت كثيرا عليه، وكان الأمر يمثل بالنسبة إلي صدمة، وحزنت والدتي كثيرا لحزني من هذا الموقف، حيث عشت يومين كاملين وأنا في حال سيئة، لدرجة أنني لم أذهب خلالهما إلى المدرسة وامتنعت عن تناول الطعام، وبعد هذه الحادثة بدأت الانطلاق فى عملى الفني، وبدأت أعزف فى إذاعة الكويت ستة أعوام متتالية، ومثل هذا الأمر أعطاني المزيد من الثقة خاصة أنني كنت أعزف مع كبار العازفين في ذلك الوقت، واستطعت الوصول إلى مستواهم من التفوق رغم صغر سني، وبعد مرحلة العزف بدأت أدخل مجالا آخر وهو التلحين، وكانت أول أغنية لحنتها بعنوان "كشفوا سر الهوى" من غناء المطرب فهد الماص، وهي الأغنية التى حققت نسبة كبيرة من النجاح في أوساط الشباب، وخلال هذه الفترة بدأت أغني تعاوناتي كملحن مع المطربين من خلال الإذاعة الكويتية في بعض البرامج الصباحية.

ومع الوقت بدأ الجمهور يسمع صوتي ويعجب به ويطالب الإذاعة ببث المزيد من الأغاني بصوتي، وهذا هو التقييم الحقيقي الذي يحظى به أي فنان من الجمهور، وخلال هذه الفترة في عام 1985 أصدرت أول البوم غنائي لي من إنتاج مؤسسة سنام للإنتاج الفني، وضم الألبوم أربع أغنيات، وبعدها بدأت أطلب لإحياء حفلات غنائية على مستوى الخليج العربي، خاصة في مملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وكذلك على مستوى الدول العربية، ووقتها شعرت بوجود غيرة فنية من المطربين الآخرين، وصلت إلى مرحلة المنافسة والحرب، لأنني بدأت أنافسهم فى مجالهم، وكان منهم من يطلب مني صراحة التركيز في التلحين أكثر والابتعاد عن الغناء، وكنت أرد عليهم بقولي: "سأظل أغني طالما كانت هذه هي رغبة الجمهور"، وبعدها بدأت الحرب من جانب بعض المطربين في ذلك الوقت عندما نجحت في نشاطي الغنائي.

إعجاب الجمهور

• هل أقمت حفلات غنائية في القاهرة خلال هذه الفترة من النجاح كمطرب؟

- نعم وكان ذلك في عام 1987 في فندق المريديان من خلال حفل غنائي حضره عدد كبير من الجمهور لم أتوقعه، وشدوت، وأتذكر أنني شدوت وقتها بأغنية وطنية بعنوان "يا نبع الوفا الصافي" من كلمات الشاعر ماجد سلطان، و"كشفوا سر الهوى"، ومن شدة انفعال وإعجاب الجمهور بالأغاني فقد كانوا هم الذين يرددون كلماتها، وهو أمر يعكس نجاحي فى هذه الفترة كملحن ومطرب استطاع أن يصل بأغنياته إلى خارج حدود الكويت، وخاصة أنني كنت حريصا في ألحاني على وجود جمل موسيقية مؤثرة وتعبر عن شخصيتي في العمل وإخلاصي الفني والمهني، وهذا الأمر لم يأت من فراغ، حيث حصلت خلال مشواري الفني شهادات فنية من كبار الموسيقيين فى العالم العربي مثل الموسيقار المصري الراحل عمار الشريعي الذي قال لي: "أنت ملحن كويتي خليجي يتمتع بـ "الحرفنة"، وتستطيع ترجمة الكلمة الشعرية بطريقة صحيحة من ناحية الجمل الموسيقية"، وهي شهادة فنية كبيرة أعتز بها من ملحن وأستاذ كبير ومؤثر في تاريخ الأغنية العربية، وكان من الجميل في علاقتي مع هذا الموسيقار الكبير هو التواصل الإنساني بيننا، لدرجة أنه كان دائما يحرص على الالتقاء بي كلما سافرت إلى القاهرة من أجل تسجيل أحد الأعمال الفنية هناك، وقال لي حول ذلك: "أحرص على سماع جملك اللحنية، لأنك تلحن بطريقة صحيحة".

مثل هذه الكلمات كانت تفرحني ولاتزال، وأدركت من خلالها أن هذا الرجل يقدرني، وهو موسيقار ملخص لعمله، وأستطيع القول إنه بعد وفاة هذا الملحن الكبير لم يعد هناك طعم للمقدمات الغنائية للأعمال الدرامية، وبوفاته فقدت هذه المقدمات قيمتها الفنية، لأنه كان قادرا على ترجمة إحساس المواطن المصري والعربي، وبالتالي فأنا فنان محظوظ أن أحظى بهذا التقدير من هذا الفنان الكبير.

رضاء الوالدين

• هل تقبل والدك استمرارك في المجال الفني؟

- سواء قبل أو بعد حادثة كسره آلة العود، فإنه لم يكن قد تقبل فكرة عملي في مجال الغناء والموسيقى حتى جاء عام 1985، وأصدرت أول ألبوم لي كمطرب، وقد حقق وقتها نجاحا كبيرا على مستوى الكويت والخليج العربي كله، لدرجة أن صاحب مؤسسة سنام المنتجة للألبوم أخبرني بأن هناك طلبا متزايدا على الألبوم، وهو الأمر الذي جعلهم يطبعون منه نسخاً جديدة، وكذلك بدأت تنتشر أغنياتي في الإذاعة الكويتية كمطرب، وصورت كذلك أغنية "وين أرضك وين سماك" للتلفزيون الكويتي، وقد شاهدها والدي، وهنا بدأ يقتنع بموهبتي وبقراري بالاتجاه إلى الفن، وتأكدت من ذلك عندما أخبرني بأنه ذهب إلى محل "كليوباترا" لبيع التسجيلات الغنائية في شارع تونس واشترى 3 نسخ من ألبومي، وأتذكر أن هذا اليوم كان في فصل الشتاء وكان ممطرا، وعندما ذهبت إلى المحل مرة أخرى أخبروني بأن الوالد قال لهم: "أنا والد الفنان سليمان الملا وأريد 3 أشرطة"، وقد دفع لهم قيمة شريط واحد، وحصل على الاثنين الآخرين كهدية، وهنا تأكدت أنه راض عني، أما والدتي فقد توفيت أثناء مرحلة عملي كعازف ولم تشهد فترة نجاحي كمطرب.

ومات أبي وأمي وهما راضيان عني، حيث توفيت والدتي بين يدي وهي في عمر الـ"50 عاماً"، وقبل وفاتها سألتها ما إذا كانت راضية عني أم لا، فقالت لي: "أنا راضية عليك لأنني أراك مواظبا على أداء الصلاة"، ثم طلبت مني الاعتناء بنفسي، وبعدها بساعة أسلمت الروح، أما والدي فقد اتصل بي قبل وفاته بيومين من أجل تبديل لمبات المنزل، وكان يسكن في بيت آخر تزوج فيه بعد وفاة والدتي، وبالفعل ذهبت لتلبية طلبه، ولم يكن وقتها موجوداً في المنزل وأخبرتني زوجته أنه ذهب إلى الطبيب، لأنه خلال هذه الفترة كان يعاني مرض السكر والضغط، وانتظرته حتى عاد إلى المنزل، ولاحظت أن وجهه متغير، وطلب مني مساعدته للجلوس على الأرض، وبعدها بوقت قصير مات وحتى اللحظات الأخيرة من حياته كان راضيا عني وكنت أقوم على خدمته.

جمل لحنية خاصة تحمل توقيع الـ «سي بيملا»
قال الملحن والمطرب الكبير سليمان الملا إنه برع في تقديم جمل لحنية خاصة به أعجب بها كبار الموسيقيين في مصر، وهي جمل لحنية مبتعدة عن بعضها ضمن المقامات الموسيقية المعروفة أثناء العزف، ولكنه استطاع دمجها معا في جمل لحنية متتابعة، وأضاف: «كان ذلك خلال فترة الثمانينيات، وهذه الجمل كانت تعجب الموسيقار المصري الراحل الكبير عمار الشريعي، والكثير من الملحنين في مصر لدرجة أنهم كانوا يطلقون على هذه الجمل الـ «سي بيملا»، نسبة إلى اسمي وهو توصيف مشتق في الأساس من مقامات موسيقية مثل الـ»سي بيمول» والـ «سيكاه»، وهو أمر أعتز كثيراً به، خاصة أنه صدر من فنانين كبار لهم وزنهم في تاريخ الأغنية العربية في زمن الفن الجميل، كما أنهم نتيجة لبراعتي في تلحين هذه الجمل الموسيقية أطلقوا علي هناك في القاهرة لقب «عبدالوهاب الخليج» نسبة إلى موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، أما في الخليج فقد أطلقوا علي لقب «ملحن الجيل»، ومثل هذه الألقاب أعتز كثيراً بها وتسعدني، لأنها جاءت كثمرة لجهد فني طويل على مدار سنوات، ومن خلال خبرة فنية لها خصوصيتها، وبعد احتكاك مع كبار الموسيقيين في العالم العربي».

سيرة ذاتية حافلة بالإنجازات
اسمه بالكامل سليمان راشد محمد الملا من مواليد الكويت عام 1953، حاصل على دبلوم صناعي في الكلية الصناعية عام 1972، وفي العام نفسه عُيّن في وزارة التربية مهندس صوت في التلفزيون التعليمي. متزوج وله خمسة أبناء، أكبرهم معاذ وأصغرهم ناصر. عشق الفن منذ طفولته، وفي أثناء دراسته في الكلية الصناعية وفّق بين الدراسة وتلقي الأصول الفنية، وبعد التخرج زاد اهتمامه بدراسة الموسيقى، وظل يكافح في مشواره الإبداعي حتى وصل إلى مرتبة عالية من الإبداع، واستطاع أن يكون له سيرة فنية حافلة بالعطاء والإنجازات.