عندما تدفق... النهر الأسود (2)

نشر في 24-06-2016
آخر تحديث 24-06-2016 | 00:14
 خليل علي حيدر التجار استفادوا أكثر من البحارة!

كان لتدفق الثروة الضخمة بشكل مفاجئ من دخل البترول تأثير عميق الأبعاد على حياة المجتمع الكويتي، ولم تتح الفرصة في البداية للجميع كي يستفيدوا منها.

يقول عبد العزيز حسين في تحليل لا تنقصه الشفافية والصراحة: "وكانت أكبر الفرص المادية بعد تدفق البترول متاحة للمثرين والممولين الذين زاد ثراؤهم بسرعة كبيرة، نظرا للمجال الاقتصادي الخصب الجديد، ونظرا لعدم وجود ضرائب على الدخل من أي نوع كان، فكان تضاعف ثروات الأغنياء أمرا واضحا، بينما كانت الفرص ضعيفة أمام البحارة ومن في مستواهم، إذ إن الأعمال الجديدة تتطلب مهارات لا تتوافر فيهم، مما اضطرهم لقبول الأعمال ذات الأجور المنخفضة، وقليل منهم كان من سعة الأفق بحيث أدرك أهمية التدريب للحصول على عمل أحسن ودخل أطيب. وكانت الفرص أمام التاجر الكويتي فرصا ذهبية استفاد فيها من تجاربة السابقة في التجارة، وبدأ بالأخذ بالوسائل الحديثة في الإدارة وشؤون التصدير والاستيراد، وبدأت لأول مرة في تاريخ الكويت تظهر الشركات الاقتصادية الحديثة بما فيها من نظام الأسهم ومجالس الإدارة من مقومات الشركات، وقام أول بنك كويتي في تاريخ الكويت بل لعله أول بنك وطني في الخليج كله". (ص94).

تحولات الكويت

ومن المستبعد بالطبع أن يكون "التدريب" وحده مانع المساواة في الفرص بين شرائح المجتمع آنذاك، ولا شك أن الكثير من المواطنين احتاجوا إلى سنوات ليدركوا حجم الثروة المتدفقة والتحولات القادمة وكيفية الاستفادة منها عبر الالتحاق بالفرص الوظيفية بالحكومة والتجارية والخدماتية التي بدأت تغير بسرعة ملامح المجتمع الكويتي.

وقد لاحظ المقال نفسه أن الاقتصاد الكويتي يزداد ازدهاراً خطوة بعد خطوة مع تطور الحقول، كما ساهمت العمالة الكاملة والأجور الجيدة في الارتفاع العام لمستوى المعيشة.

وأضافت كلارك "أن نصيب الحاكم من عائدات النفط بلغ حوالي خمسين مليون جنيه في العام الماضي"، أي عام 1952 وليس من الواضح هل تقصد مجموع ما استلمته الحكومة الكويتية من دخل النفط أو استلمها الحاكم وحده؟ غير أنها تضيف ما قد يرجح أن الحكومة هي التي استلمت المبالغ، فتقول إن الدولة "تبلغ مساحتها ستة آلاف ميل مربع من الصحراء ولا يزيد عدد سكانها عن 200 ألف نسمة، ولا تستطيع أن تستوعب كل هذا الدخل حتى مع تنفيذ أكثر الخطط شمولاً للاستقرار وتحقيق الرخاء الاجتماعي، ونجد أن استخدام عائدات النفط يطرح مشكلات من نوع خاص. وإدراكاً من الحاكم لما يمكن أن يؤدي إليه التضخم الفجائي للثروة وتدفقها إلى بلاده من مصاعب لا تقل وطأة عن تلك التي تنشأ عن الفقر ونقص الموارد في بلدان أخرى، فهو يتصدى بكل طاقته لمهمة تأمين الانتقال المفاجئ من الندرة إلى الوفرة بدون متاعب أو آلام، وفي ظل إدارته الحكيمة يتم استثمار الفائض الضخم الراهن في الدخل من أجل المستقبل". (ص621).

الاستعانة بالتجربة الإيرانية

غير أن مؤلف كتاب "من هنا بدأت الكويت"، عبدالله خالد الحاتم، ينقل حكاية عن الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، فيقول: "عند ظهور الدلائل التي تشير إلى وجود النفط بكميات تجارية، عرضت شركة النفط على الشيخ أحمد الجابر، رواتب ضخمة لجميع أفراد الأسرة الحاكمة، كثمن للمستخرج من النفط، وأن تكون هذه الرواتب لكلٍّ حسب مركزه، على أن يكون راتب كل من الشيخ أحمد الجابر الصباح، والشيخ عبدالله السالم الصباح: ما بين ستين إلى ثمانين ألف روبية في الشهر الواحد، أما بقية أفراد الأسرة فتتراوح رواتبهم بين عشرة آلاف وأربعين ألف روبية.

هذا الاتفاق- لو نُفذ- يعني توظيف أهل الكويت كلهم، بما فيهم الأمراء، عملاً في شركة النفط تلقائياً، ومن حيث لا يدرون ويتحول الشيخ أحمد الجابر الصباح: من حاكم للبلاد إلى رئيس للعمال (!!) بمعاونة الشيخ عبدالله السالم الصباح". (ص451).

ويضيف الحاتم نقلا عن الشيخ يوسف القناعي قائلا إن الأمر استدعى الاتصال بالإيرانيين! قام الشيخ أحمد الجابر، يقول الحاتم، باستشارة بعض أصحاب الرأي ومن بينهم الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، الذي أشار عليه بعدم التسرع وبأن يستعين على الأقل بالجارة إيران لتطلعه على نص الاتفاق المعقود بين إيران وبين "شركة النفط الأنجلوفارسية".

"ولبت إيران هذا الطلب، وبعثت بنسخة من الاتفاق، وهو وإن كان اتفاقاً مجحفاً بحقوق الشعب الإيراني، إلا أننا قبلناه، حيث لا مناص لنا من قبوله أو قبول ما يشبهه ما دامت إيران، هذه الدولة الكبيرة، قد قبلت به".

وهكذا بدأ عصر النفط في الكويت!

back to top