6/6 : المستشار الضرورة

نشر في 24-06-2016
آخر تحديث 24-06-2016 | 00:20
 يوسف الجاسم عندنا في الكويت ظاهرة متفردة، تتمثل في سطوة المستشار غير الكويتي في بعض الجهات الحكومية، ومثالها الصارخ مستشار عربي لا يشق له غبار، تعيّن في جهة حكومية قبل نحو خمسين عاماً، وتغيرت من حوله الوجوه، وذهب وزراء وأتى غيرهم وتغيرت إدارات، وتتابع مديرون للجهة وتبدلوا واحداً تلو الآخر طوال نصف قرن، إلا "المستشار"، فهو الثابت الوحيد عبر جميع العهود والعصور، والويل كل الويل لمن حاول أن يدخل حجرته، أو يدنو من سور حديقته، أو حاول فك طلاسمه، مفقود مفقود مفقود يا ولدي! (بالإذن من قباني).

المحيّر أن هذا الثبات السرمدي لمستشار غير كويتي يتم في جهة حكومية تطبّق، مثل غيرها من الجهات، على أبناء البلد قرارات حكومتهم بإحالتهم إلى التقاعد لمجرد بلوغهم الستين عاماً أو ثلاثين سنة خدمة، أيهما أسبق، تارة بالإغراء المادي وأخرى بالتطفيش أو الإحالات القسرية إلى منافي الحياة، وحين تستعين بهم كمستشارين فبحد أقصى أربعة أعوام لا غير!

ثبات "المستشار الضرورة" لم يتم بقرار منه، بل بتشبث غالبية مسؤوليه بوجوده وإصرارهم على بقائه، حتى وإن أدى الأمر إلى إعادة تسنينه من قبل المجلس الطبي الكويتي، ليستمر معتلياً عرش الاستشارة!

يقول الضالعون في العلم إن ذلك الثبات الأبدي للمستشار يعود إلى كونه الوحيد العالِم بخبايا تلك الجهة ودهاليز قضاياها وإشكالاتها ومشاكلها، وهو القادر الوحيد على حلّها وإيجاد المخارج لها، كما أنه السيف البتّار الذي يُطيح برقاب الخصوم، أياً كانوا أو كانت مراتبهم الوظيفية، وهو القادر الوحيد على كنس الأخطاء وطمطمتها، فأصبح "الصندوق الأسود" لتلك الجهة والقائمين عليها، يعيّن فيها من يشاء من أقاربه وغيرهم، وينفي من يشاء، ويقف على بابه طابور المتوسلين لقضاء حاجاتهم الوظيفية!

استطاع وزير تلك الجهة أن يُقدِم على ما لم يُقدم عليه من سبقه، حيث أزاح "المستشار" من موقعه، ولكن ليأتي به مستشاراً في مكتبه، ومرجعاً لإدارة الجهة التابعة له، والتي لا تشك أي "خيط بالإبرة" إلا من خلال مباركة "المستشار الضرورة"، هذا كله مع تميز وحصافة وحُسن سمعة مديري تلك الجهة ومكانتهم الاجتماعية، ورقي سيرتهم الذاتية والمهنية والإدارية، وحتى إن حاول بعضهم إزاحته فإنهم لم يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً، لأن فوق كل ذي علمٍ عليم، ولا أحد يدري ماذا سيكون عليه مصير الجهة لو توفى الله سعادة المستشار بعد عمره الطويل؟!

تُرى:

هل يستطيع الوزير الجريء أن يستغني عن خدمات هذا المستشار، ويستبدله بكفاءات كويتية من ذوي الخبرة الراسخة، بعد خدمة استمرت نصف قرن، وضع بها واحدة من أهم جهات الدولة كمنديل أنيق في جيب جاكيتته العلوي وسخّرها من أجل بقائه؟

كم من شاكلة هذا "المستشار" متواجد في جهات مختلفة من الدولة يمثلون بمجملهم العجز المؤسسي في الإدارة الحكومية لدينا؟

إلى متى تُحجَب الفرص عن أبناء البلد خصوصاً المتقاعدين الأكفاء، بينما تتاح لغيرهم من الوافدين مدى الحياة؟!

نتساءل ونحن في بلد يسعى إلى الإصلاح، ولكن هل من مجيب؟

back to top