أياً كان التصور الذي ستنتهي إليه الأمور بعد لفلفة إقرار قانون "مسلم البراك" بجلسة واحدة، وهو المشروع الذي فُصِّل تماماً على مقاسه وقتله سياسياً، بتعبير أصدق، وهدف من ناحية أخرى إلى سحق المعارضة كلها، وكأن عقوبات السجن القاسية والملاحقات القانونية اللامنتهية لهم لم تكن كافية ولم تشفِ غليل المشرّع المنتقم، فإنه يظهر لنا كم يبدو المشهد السياسي في الدولة مزرياً ورثّاً، بعد أن تفردت السلطة السياسية بكل المشهد السياسي وأخذت تنزلق شيئاً فشيئاً وتجرّ معها الدولة برمتها إلى هوة مخيفة من الضياع والمجهول.

مشروع القانون الذي أقر أمس الأول من نواب "المجلس الوطني" الجديد غابت عنه أبسط مبادئ أصول التشريع وأحكام العدالة، حيث لفلف وسُلق بليل حالك السواد لا بهدف تحقيق المصلحة العامة كما يتشدق فقهاء البؤس الرسميون، بل بغرض انتقامي ضد البراك ورفاقه أراد عبره أصحاب المشروع كسب الرضا من أصحاب القرار الحاسم، ذلك المشروع إذا تمت المصادقة عليه فسيدخل الدولة في متاهات دستورية مرعبة، إذ سيطبق بأثر رجعي على خلاف المبادئ القانونية العامة ونص المادة 179 من الدستور التي تحرم سن التشريعات الجزائية بأثر رجعي، ولا يتصور هنا أن نقبل ذرائع وحجج المطبلين للمشروع بأنه ليس تشريعاً جزائياً، وإنما إضافة شروط أخرى إلى الانتخاب، فهذا قول لا يخلو من الرياء القانوني، فحرمان أي مواطن حقاً دستورياً يمثل عقوبة بصرف النظر عما إذا كانت أصلية أو تبعية، وبالتالي فذلك التشريع الأهوج يمثل خرقاً فاضحاً لنص الدستور وأبسط مبادئ التشريعات الجزائية وحقوق الإنسان، فهل في مثل ظرفنا نحن بحاجة إلى معارك أمام القضاء والمحكمة الدستورية؟ وهل وضعنا السياسي والاقتصادي اليوم يسمح بمثل تلك المراهقة التشريعية!

Ad

أصحاب التشريع من نواب البصم السياسي، وهم أنفسهم نواب البصمة الوراثية، وهذه الأخيرة أيضاً محل شك دستوري كبير، أرادوا التمويه بمشروعهم ولبسوا رداء التقوى الكاذبة بصياغة المشروع حين حشروا عبارات مثل "المساس بالذات الإلهية والأنبياء" كي يظهروا تقواهم وحيادهم نحو مسلم البراك والفكر المعارض بصورة عامة، مارسوا ذلك الخداع التشريعي وكأن الناس ليست لهم عقول تعي وتدرك الغث ولا يدركون مراميهم.

عيب عليكم يا نواب، نقولها لكم، كلمة عيب كبيرة نكررها من جديد، وعيب آخر يجب أن تسمعه هذه الحكومة وفقهاؤها حين صوتت مع أتباعها بمجلس البصمة. لا يصح أن يكون التشريع أداة انتقام سياسي، ولا يجوز أن يفصل لحالات فردية، فإلى أين نحن سائرون مع هذا النهج السياسي الأخرق وتجلياته بهذا العبث التشريعي؟ هل وصلنا إلى القاع، أم أن هناك ما هو أسوأ قادم يحاك ضد الحرية والأحرار أو ما تبقى منها!