استطلعنا في مقال الأسبوع الماضي بداية رسالة الشيخ يوسف بن عيسى القناعي لابنه حمد، رحمهما الله، التي كتبها في عام 1955 من الكويت إلى القاهرة، حيث كان ابنه حمد يدرس. وأشرنا إلى ما وثقه من معلومات عن سنة الهدامة الثانية (1954)، وهي معلومات تختلف عن بعض المعلومات الواردة في تاريخ الكويت. وأكد لنا في رسالته وفاة اثنين من المواطنين بسبب الأمطار أحدهما طفل، وذكرنا الاسمين في المقال السابق. كما سلطنا الضوء على نصيحته لابنه بتوخي الدقة وتحري الحقيقة قبل نشر أي معلومات قد تكون غير صحيحة أو مبالغاً فيها. في الفقرات اللاحقة يوضح الشيخ يوسف أن الكويت كانت فقيرة جداً، ودخلها لا يكفي حتى لأبناء الأسرة الحاكمة، فيقول "ولنرجع معكم الى البلد وعمرانها، فهل تعرفون ان الكويت دخلها في سنة 1357 هجرية حين تأسيس المجلس التشريعي مجموع الدخل السنوي ما يقارب بتحديد ماية وخمسين الف ربية في السنة فهي لا تكفي لمصاريف العائلة المالكة فضلا عما تطلبونه من اصلاحات". ونوه في رسالته إلى أن الثروة الحالية (أي في عام 1955)، لم يمض عليها وقت طويل لكي يمكن بناء البلد ورفع مستوى الشعب والدولة، "وهذا الدخل العظيم الحالي ومدته لم تتجاوز عشر سنوات بل هذه الزيادة لم تكن الا منذ حكم الشيخ عبدالله السالم". ودلل على التطورات السريعة والمشاريع المنجزة خلال فترة قصيرة فقال مخاطباً ابنه حمد: "انظر ماذا حدث من اصلاح:

1 - المستشفيات والملاجيء هل يوجد مثلها في الخليج كله، هل يوجد في العراق كلها او ايران او المملكة العربية مثلها؟

Ad

2 - المعارف هل يوجد مثلها في هذه البلاد المذكورة؟

3 - البنايات لبيوت الفقراء والمستحقين هل وجد في تلك البلاد مثلها؟".

وأخذ الشيخ يوسف بعد ذلك بتوجيه عتاب الأب الحنون والمحب لابنه، قائلا: "فما بالكم لا تقدرون الحسنات وتشنون الغارة على حكومة الكويت وتنسون الحسنات وتتبعون بعض ما غفلت عنه الحكومة او قصرت". والموعظة في هذه العبارة هي أنه يجب علينا أن نزن الإيجابيات والسلبيات معاً، وألا تميل بنا نفوسنا إلى تسليط الضوء على السلبيات أو التقصير دون أخذ الاعتبار بالإيجابيات والإنجازات. ولم يتردد الشيخ يوسف بأن يكون موضوعياً، وأن ينتقد بأدب وحيادية حكومة الكويت آنذاك، فقال "واعلم ان حكومة الكويت اكثر ما تؤاخذ به عدم النظام فلو كان في الكويت نظام سائد لما كان لها مثيل". كما أنه سعى إلى تذكير ابنه بالتاريخ الماضي ومقارنته بالوضع الحاضر والتغيير الكبير الذي حدث على أرض الواقع، فأوضح "ولنرجع الى حالة الكويت السابقة، هل تعلم انها كانت بلدة فقيرة وان حكامها يستقرضون من الاهالي وانهم مساكين يعملون في البحر فلا يستطيعون ان يبنوا اكثر من الطين واللبن؟ اما الآن فالعمران متقدم والاصلاحات جارية بحسب الطاقة وجميع من يأتي الكويت من الخارج يتعجب من سرعة هذا التحول العجيب الذي ادهش العالم"، ثم يثور في نهاية هذه الفقرة ويكتب رأيه بصراحة أمام المتعجلين، والمتسرعين، فيقول "ولكنكم جهال، تأخذكم العجلة، وطيش الشباب، وتريدون ام يكون الامر كن فيكون". ويختم الشيخ يوسف رسالته بالقول "وارشادي لكم ان تكتبوا في امور الاصلاح باللطف والارشاد بالتي هي احسن وتطلبون من الحكومة عمله مع الارشاد بذكر اعمالها الجليلة واول اعمالها الحسنة ارسال البعثات العلمية وجعلت لكم شهريا ستة وثلاثين جنيه فهذا ما ترون وتغمضون اعينكم عنه".