هل يعتبر سعر نفط البرميل عند 50 دولاراً كافياً لإحياء الانتاج العالمي من الخام؟

في براري غرب تكساس عادت ومضة من الحياة الى عمليات التكسير في صناعة النفط، أو ما يدعى "التكسير الهيدروليكي"، في هذا الميدان، وقد شهدت الأسابيع الأربعة الماضية عودة تسع منصات نفط خاملة إلى العمل من جديد في حوض منطقة برميان التي تشتهر بأنها الأغنى بين أقاليم الولايات المتحدة في الزيت الصخري. ويشكل هذا جزءاً بسيطاً فقط من عدد المنصات الـ 429 التي توقفت عن العمل خلال الثمانية عشر شهراً الماضية وذلك في أعقاب الهبوط الذي شهدته أسعار النفط في العالم ووصلت في إحدى المراحل الى أقل من ثلاثين دولاراً للبرميل، ولكن هذا التطور يمثل أول ارتفاع في أربعة أسابيع خلال سنة.

Ad

وقد تعافت أسعار النفط في الأسابيع القليلة الماضية لتصل الى حوالي 50 دولاراً للبرميل كما أن سكوت شيفيلد وهو رئيس شركة بايونير ناتشرال ريسورسز التي تعتبر واحدة من أكبر الشركات المنتجة للنفط في حوض برميان يشير الى أن الأسعار الآجلة للتسليم خلال سنة قد ارتفعت أيضاً فوق 50 دولاراً للبرميل، وهو سعر يمكنه من تحقيق ربح جيد من أي آبار جديدة يعمل على اعادتها الى الانتاج بحلول ذلك الوقت.

ومن هذا المنطلق قد يرفع عما قريب عدد المنصات التي كانت تستخدمها شركته في حوض برميان من 12 منصة الى 17 منصة، وربما حتى إلى 22 منصة، وهو يقول إن ذلك الحوض "وصل الى الحد الأدنى".

وإضافة إلى حفر المزيد من الآبار، وبعض الشركات كانت تخطط لاستخدامها في وقت سابق، ولكنها لم تدخل مرحلة الضخ والانتاج، توجد شركات اخرى تعمل ببساطة على استخدام مضخاتها بقوة أكبر، وهي تستخدم طاقة أكبر ولكنها تستحق ذلك مع وصول أسعار النفط الى 50 دولاراً للبرميل.

ديناميكية جديدة

ويدعم هذا كله الفكرة القائلة بأن عمليات التكسير أوصلت ديناميكية جديدة الى أسواق النفط العالمية تتمثل في القدرة على طرح الانتاج بسرعة أكبر تفوق الطرق التقليدية في انتاج النفط وبشكل يشبه استجابة المعامل للتغيرات التي يشهدها الطلب على النفط.

ومعروف أن حقول النفط التقليدية تحتاج إلى سنوات عديدة من أجل التطوير ثم البدء في انتاج الخام لعقود من الزمن ما يترك انتاج النفط خارج التأثر بشكل نسبي للتغير في أسعار الأجل القصير. وعلى العكس من ذلك فإن آبار الزيت الصخري تحتاج الى أسابيع قليلة فقط للحفر والتكسير ويمتد عمرها لسنوات قليلة فقط ولذلك فإن الانتاج يهبط بسرعة اذا توقف الحفر.

وفي حقيقة الأمر فإن إمدادات الزيت الصخري أثبتت أنها أكثر مرونة من النوع التقليدي عند هبوط أسعار النفط على الرغم من تأخرها، وعندما بدأ الهبوط في سنة 2014 احتاجت صناعة الزيت الصخري الى أشهر من أجل تقبل حقيقة أنه كان أكثر من هبوط مؤقت – ولكن عدد المنصات والانتاج انخفض في نهاية المطاف وهو ما ساعد على تحقيق توازن أكبر في السوق.

ويبدو أن الزيت الصخري يسهم في اعتدال أسعار النفط أيضاً، وفي العاشر من هذا الشهر عندما أعلنت شركة "بيكر هيوز" للخدمات النفطية الأميركية عن تحسن في عمليات الحفر في الولايات المتحدة للأسبوع الثاني على التوالي تراجع سعر نفط غرب تكساس الوسيط – وهو سعر الأساس الأميركي – الى أقل من 50 دولاراً للبرميل، وإذا كان الزيت الصخري يعمل حقاً مثل صمام أمان وينظم الأسواق عندما تشهد تقلبات فإن الحصيلة يجب أن تكون درجة أقل من التقلبات في أسعار النفط.

استدامة ارتفاع الأسعار

ولكن هذا الصمام قد لا يعمل بصورة مثالية، ويتمثل أحد الأسئلة في هذا الصدد في استدامة الارتفاع الحالي في سعر النفط. ويذكر الخبراء التحسن الزائف الذي حدث في مطلع السنة الماضية والذي دفع مديري الزيت الصخري الى الحفاظ على الانتاج لفترة أطول من اللازم، وهم يلاحظون أن صناعة النفط لا تزال تنتج أكثر مما يستهلكه العالم – كما أن وكالة الطاقة الدولية قالت في الرابع عشر من يونيو الجاري ان الطلب لن يقابل العرض حتى السنة المقبلة، ويقول السيد شيفيلد في هذا الصدد: "أنت لا تريد اضافة منصات ثم تقرر أن توقفها عن العمل من جديد".

ويتمثل مصدر القلق الآخر في مدى سرعة تحسن الامداد حقاً، وعلى سبيل المثال فإن منصات الحفر توقفت عن العمل لفترة طويلة بحيث سوف تحتاج الى شهور من أعمال الصيانة قبل أن تعود الى الخدمة. واضافة الى ذلك فإن العمال ربما عثروا على وظائف اخرى جديدة ما يزيد من صعوبة اقناعهم بالعودة الى العمل السابق، والأعباء المالية كبيرة أيضاً، فحوالي 70 من الشركات العاملة في الزيت الصخري قد أفلست في الولايات المتحدة منذ بداية السنة الماضية والشركات المنهكة والمتعثرة سوف تركز بقدر أكبرعلى تسديد الديون بدلاً من الاستثمار في عمليات انتاج جديدة.

تحسن الإنتاج

واذا بدأ الانتاج بالتحسن من جديد فإن الهبوط الحالي في تكلفة شركات الزيت الصخري قد يأخذ مساراً عكسياً، ويقول بير ماغنوس نايسفين من شركة ريستاد انرجي الاستشارية إن المنتجين أصبحوا أكثر كفاءة وفاعلية، كما أن متعاقدي الحفر أرخص كثيراً مما تستطيع شركات الزيت الصخري الأميركية تحقيقه بنسبة تصل الى 10 في المئة من العوائد مع وصول نفط غرب تكساس الوسيط الى 39 دولاراً للبرميل منخفضاً عن 82 دولاراً في سنة 2013، ولكنه يحسب أن ثمة فرصة صغيرة متبقية من أجل ضغط تكلفة اضافية، والأكثر من ذلك، غدت عقود خدمات شركات الزيت الصخري تمتد لفترة قصيرة فقط ولذلك فإن حدثت ندرة في عدد منصات الحفر أو العمال فإن الأسعار قد ترتفع بسرعة كبيرة، ومقابل كل دولار واحد زيادة في سعر النفط يتوقع السيد نايسفين زيادة بدولار واحد في التكلفة.

ولكن شيفيلد يشكك في ذلك، وهو يقول إن عدد منصات الحفر غير المستخدمة مرتفع جداً بحيث أن هذه الصناعة سوف تكون قادرة على اعادة العمل في عدة مئات منها قبل أن تبدأ التكلفة بالارتفاع، ولكنه يوافق على أن سعر 50 دولاراً للبرميل ليس كافياً من أجل تحقيق تحسن في الانتاج بصورة كبيرة.

أسعار المستقبل

ويقول آر تي ديوك من شركة وود ماكنزي الاستشارية إن الأسعار اذا ظلت عند 50 دولاراً للبرميل حتى نهاية هذه السنة فإن الاستثمار في انتاج الزيت الصخري سوف يظل بين الاستقرار والانخفاض، وإذا ارتفع فوق 60 دولاراً فإن السعر سوف يتحسن بشكل اجمالي "ونحن لا نتوقع أن يحقق الامداد النذر اليسير ولكننا نظن أن الهبوط سوف يسير نحو التباطؤ".

وحتى إذا عاودت صناعة النفط الأميركية الانتعاش فإنها تظل دون حوالي مليون برميل في اليوم عن مستوى الذروة الذي بلغته في شهر يونيو الماضي، ما يعني أن الانتاج الأعلى قد يخفت أمام الخفض في أماكن اخرى. وتقول شركة وود ماكينزي ان منتجي النفط والغاز وعدوا بخفض ما لايقل عن تريليون دولار من الاستثمارات المخطط لها في عمليات الاستكشاف والانتاج في الفترة ما بين 2015 – 2020 وخفض الانتاج بما يعادل 7 مليارات برميل في 2016 – 20 مقارنة مع تقديرات ما قبل الهبوط.

ويعتقد أنصار التحسن أن تركيز الأسواق على شركات الزيت الصخري الأصغر حجماً كمنتجين محتملين لتغيير المسار يبدد فكرة الجفاف الذي يحدثه تبخر الاستثمارات في الآبار التقليدية، ويضيفون أن هذا قد يتسارع نتيجة الارتفاع في الطلب في الولايات المتحدة والصين وفي أماكن اخرى والناجم عن هبوط أسعار النفط، وربما يفضي ذلك الى ارتفاع مفاجئ في الأسعار قد يصل الى 80 دولاراً للبرميل.

وعلى الرغم من ذلك لا يستبعد كل شخص احتمال هبوط أسعار النفط من جديد والكثير يتوقف على قدرة المملكة العربية السعودية على زيادة الانتاج بصورة جوهرية، كما أشار الى ذلك ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ويجادل البعض في أنه قبل عرض الاكتتاب الأولي المزمع لشركة أرامكو السعودية فإن من المنطقي أن تضخ السعودية المزيد من النفط من أجل زيادة قيمة الشركة المملوكة للدولة، وإضافة إلى ذلك، ومع بقاء احتياطيات النفط في باطن الأرض فإن السعودية قد تجد أن من المنطقي زيادة الانتاج بغية استخراج أكبر قدر ممكن من القيمة قبل أن تقلص التقنية ويغير المناخ شهية العالم الى النفط.