بعد أن كانت المقاطعة مسألة "مبدأ" وتضحية من أجل الدستور والعدالة ودولة القانون والمؤسسات وضد التفرد بالقرار والتعسف وقمع الحريات أصبحت اليوم تكتيكاً ووسيلة وفناً للممكن، بحيث يجوز لمن اعتبرها بالأمس قضية مبدأ أن يتخلى عنها ويتركها للزمن ليعتبر منها المواطنون ويعرفوا الحقيقة التي غابت عنهم طوال تلك الفترة.

وبعد أن جرّموا وخونوا كل من شارك في الانتخابات بعد حكم تحصين "الصوت الواحد" أصبحت المشاركة بالنسبة إليهم مسألة وطنية وواجبة لإنقاذ الوطن دون أي اعتذار أو إقرار بالخطأ الذي ارتكبوه.

Ad

وحتى لا يعتقد البعض أننا نهاجم ونخوّن كل من يرى في المشاركة جدوى ووسيلة وواقعاً قد فرض يجب التعامل معه بعقلانية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه فإننا نعتقد أنه ليس كل دعاة المشاركة مجموعة واحدة تحمل ذات القناعة، بل هم مجاميع يمكن تصنيفها كالآتي:

المجموعة الأولى: عقلانية، متزنة، تحاكي الواقع السياسي الذي فرض بعد حكم "الدستورية"، فشاركت لقناعتها بأن محاربة الفساد يجب أن يكون من موقع القرار، وتحملت كل أنواع الترهيب والتخوين الذي مورس ضدها من قبل غوغاء السياسة ومراهقيها وأصحاب المصالح الانتخابية. والمجموعة الثانية هي التي عطل أصحابها مشاركتهم رغم قناعتهم بأنها ضرورة بعد تحصين المرسوم حتى لا يتعرضوا لذات الهجمة الشرسة التي شنها أطفال السياسة وأصحاب المصالح على المجموعة الأولى، وكلنا نتذكرها جيداً.

والمجموعة الثالثة هي تلك اعتمدت على الحراك، فقررت المقاطعة بعد حكم "الدستورية"، معتقدة أن الشارع يمكن أن يغير الواقع، ففوجئت بخطأ قرارها وتراجعت لتعلن مشاركتها بعد خراب مالطة. أما المجموعة الرابعة فهم المندسون الذين نجحوا بدهاء في تدمير الحراك وتفكيك المعارضة وضرب رموزها وتخوين الشرفاء وتعطيل المشاركة بعد حكم "الدستورية"، وها هم اليوم يدعون إليها بوقاحة دون احترام للأمة وما حصل لها بسببهم.

بينما تتمثل المجموعة الخامسة في أصحاب المصالح الانتخابية، لاسيما بعد أن تأكدوا أن القطار قد تحرك وتركهم، فشعروا بخطر الابتعاد الذي إذا استمر فسيفقدهم مقاعدهم فقرروا اللحاق به.

يعني بالعربي المشرمح:

نعتقد أن من شارك في الانتخابات بعد حكم تحصين "الصوت الواحد" هو أكثر مصداقية وواقعية ممن سيشاركون في الانتخابات المقبلة بعد أن شاركوا في خراب مالطة ودمروا العمل السياسي وجعلوه لعبةً لمن هب ودب، ومن الواجب عليهم اتجاه ناخبيهم وأمتهم ليعتذروا ويقروا بخطئهم إن كانوا فعلاً صادقين ولم يشاركوا في دمار البلد عن قصد وتدبير.