تسلية الكسالى
أمامك حلان في رمضان: إما العودة إلى برنامجك القرائي المعتاد، والابتعاد عن هذا الهرج الدرامي المثير للغثيان، أو الاسترخاء وتزجية الوقت تتابع أعمالاً لا تقدم فكرة تستحق أن تثير تساؤلاً، أو تفتح حواراً ذهنياً بداخلك، وفي الوقت ذاته لا تقدم أعمالاً ممتعة. كم الحزن والدموع المبالغ فيه، وكم العلاقات الغرامية المتكررة واستدرار الشفقة، كل ذلك يثير الشفقة فعلاً. زملاء التواصل الاجتماعي، وهم مجموعة من الكتاب والمثقفين كرسوا جهدهم لمتابعة هذه الأعمال وتبادل الآراء حول أفكارها وحواراتها، ولم تحظ أغلب هذه الأعمال بالمستوى الأدنى من المهنية. وكثير من هؤلاء الأصدقاء قرروا مقاطعة أعمال توسموا فيها الجدية، ولكنها جاءت مخيبة للآمال. ورغم صعوبة متابعة جميع الأعمال التي تتكدس عادة في رمضان، حيث يضمن القائمون على المسلسلات سياسة الكسل التي يمارسها الناس عادة في هذا الشهر، كما يضمنون تقبلهم لكل ما يعرض عليهم يكتفي المشاهد بمتابعة عمل أو عملين على الأكثر. وهذه الأعمال أيضاً تترهل بعد البدايات، وتسقط في مجانية الأحداث، وهي تمط أرجلها الزمنية لتغطية شهر كامل. ورغم موقف جمهور النخبة من هذه الأعمال، لا أعتقد أن تجارة المسلسلات الدرامية ستهتم كثيرا بآراء المثقفين المتابعين، وربما ستعتبرهم مجموعة من الحاقدين وأعداء نجاحهم الذي يقاس بمشاهدة الأغلبية وإعلانات الشركات المبنية على هذه التقديرات. ذلك ما تعتمد عليه برامج فاشلة وقميئة كبرنامجي رامز وهاني رمزي.
هناك مجموعة من الأسماء التي تعيش على تاريخها الفني الطويل لم تقدم جديداً في أعمالها هذا العام، وربما تحاشى المتابعون انتقادها احتراما لهذا التاريخ الطويل. جاء عمل عادل إمام مثلاً خالياً من أية روح بعيداً عن الإمتاع، كما بدا هو شخصياً في حال يرثى لها، وعليه أن يتوقف احتراماً لتاريخه ومشاهديه. ينطبق ذلك أيضاً على مجموعة أخرى من الأسماء العربية التي كنا نتوقع منها تقديم أعمال أكثر جدية والتصاقاً بحياة المواطن العربي في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها.تعكس الأعمال الدرامية حالة الوعي الثقافي في الوطن العربي، وهي حالة يرثى لها إذا كانت هذه هي مخرجاتها. نحن في أمس الحاجة اليوم لأعمال تصور حقيقة ما تمر به أوطاننا العربية من تردي ونزاعات عرقية وطائفية، وحروب هوية، وصراعات وتسلط طواغيت، وتهجير ومشاكل لا حصر لها. ولجوء العمل التلفزيوني إلى الابتعاد عن الجرأة في طرح مثل هذه الأعمال محاولة إلهاء وعبثية تأخذ المشاهد بعيداً عن واقعه الذي تطرحه القنوات الإخبارية. لا تعكس الأعمال السورية على سبيل المثال قراءة حقيقية للواقع الذي يعيشه مواطن هذه البلاد، ولا تتناول تجربته المرّة منذ سنوات، وهو يعيش حالة حرب وتهجير لا يبدو أن العمل التلفزيوني معني بها. هذا البعد عن معاناة الإنسان العربي سواء في سورية أو العراق أو غيرهما من بلادنا يجعلنا لا نثق دائما بما تقدمه دراما الإلهاء. ليس الهدف هنا هو العمل السياسي بالضرورة إنما العمل الإنساني بعيدا عن متاهات السياسية ودهاليزها.الفراغ الطويل أيام رمضان يمنحك الفرصة لترتيب برنامج قرائي مكثف لمجموعة من الكتب عوضاً عن هذا الغثاء واللجوء للرواية التي نجحت في تجسيد الحالة العربية بشكل أكثر صدقاً من مسلسلات الكسالى.