لقاء موسيقي: مايكل هيرش (2 ـ 2)
![فوزي كريم](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1498033753948674500/1498033754000/1280x960.jpg)
وهذه الاشارة إلى الشعر ليست دخيلة على عالمه الموسيقي، فقد وضع أعمالاً عديدة من وحي قصائد بعينها، وشعراء بعينهم. والذي منحني مزيداً من الفهم له ولأعماله، أنه أبدى حماسة خاصة للشاعر البولندي مِيْووش، الذي لم تنطفئ حماستي لقراءته منذ أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، حين ترجمت له أكثر من أربعين قصيدة، ملحقةً بدراسة موسعة، نُشرت في مجلة "اللحظة الشعرية".وضع مايكل هيرش 21 مقطعاً على آلة الفايولين والبيانو، مستوحاة من مِيْووش، تحت عنوان "خراب الأزهار"، كما وضع "شظايا ميْووش" لآلة البيانو المنفرد. هناك عملان من وحي قصائد الألماني هولدرلن، والشاعر الانكليزي مدِلتون. وكما تفتنه القصيدة تفتنه اللوحة التشكيلية. له "رباعية" وترية، تتألف من 13 حركة بعنوان "صور من عنبر مُغلق"، يلاحق فيها أعمال حفر وضعها الرسام الأميركي Michael Mazur (1935 ـــ 2009) لـ "جحيم" دانتي. ومن غير المألوف أن تتضح الموهبة لدى الموسيقي، مؤلفاً أو عازفاً، في مرحلة متأخرة. مايكل هيرش اكتشف هذه الموهبة في نفسه وهو في السنة الثامنة عشرة، على أثر مشاهدته، في تسجيل فيديو، لخامسة بيتهوفن تُعزف بقيادة جورج شولتي. تحت هذا الظل الظليل لم تولد الموهبة من عدم، بل استيقظت من غفوة انتظار. وسرعان ما أصبح مايكل في قلب حركة التأليف والعزف الموسيقيين، يحصد الجوائز، وينعم باحتفاء المحافل الموسيقية.وبالرغم من تفوقه في العزف على آلة البيانو، فإن هذه الآلة لم تستحوذ على كل اهتمامه في التأليف. لقد انصرف لهذه الآلة في عمل طويل يستغرق ساعتين، بعنوان "الأجنحة المتلاشية"، ولكنه انصرف إلى التشلو في عملين طويلين هما "سوناتا 1 و 2" للتشلو المنفرد، و"الخريف الأخير" الذي يمتد ساعتين مع آلة الهورن. حتى لأحسب أن التشلو تتصدر الآلات، فهي مُتسعةٌ وخفيضةٌ تليق بالأركان النصف مضاءة للروح. حاول معها منفردةً حيناً في عمل طويل، أو مُشارِكة مع آلة أخرى، أو آلات عديدة أحياناً، كما هي في الأوكتيت (ست آلات وترية). مايكل هيرش كثير الانتاج، وجدي في كل هذه الكثرة. فهو بقدر ما يسعى إلى وسائل تقنية جديدة، يسعى إلى أن تكون هذه التقنية طيعةً لبلوغ هدفه في اكتشاف ذاته، والتعبير عنها. وهذا ما يميزه داخل مجرى الموسيقى الكلاسيكية الأميركية اليوم. إن الجديد بالنسبة إليه هو الجديد في اكتشاف المزيد من سبل العوم في مجرى المياه الجوفية للكائن الإنساني.