منذ اقدم العصور اكتسبت حلب لقب «أذن العالم العربي}، فهذه المدينة التي يعود تاريخها إلى آلاف السنوات وتعاقبت حضارات مختلفة عليها تميزت بفن الإنشاد الديني الذي بقي ينبض في قلبها قروناً إلى أن دمرتها الحرب اليوم، لكن هذه الحرب لم تدمر سوى الحجر، ذلك أن ابناءها حملوا تراثهم في قلبهم إلى العالم، وها هم يقفون اليوم على المسارح العالمية وينشدون تراث مدينتهم.

من هذه المدينة بالذات يتحدّر ابو الحسن، الذي اكتسب جودة صوته من تجويد القرآن، ويعتبر أحد اهم معلمي الإنشاد، وهو يقدم، منذ سنوات، حفلات في المسارح العالمية، محلقاً في فضاء الإنشاد الصوفي، ومستنداً على آلات إيقاعية، لإلغاء الحدود بينه وبين الجمهور، والسمو بالروح وإضفاء شعور بالسكينة والسلام، على المستمعين.

Ad

عمق أبو الحسن تجربته على يد كبار المنشدين الصوفيين في حلب، خصوصاً المنشد صبري مدلل، ومع تراكم التجارب عرف كيف يتنقل بين القدود الحلبية والأغاني الحلبية والابتهالات والموسقى المرتجلة المستمدة من أجواء الحاضر.

ترك مدينته التي دمرتها القذائف، واستقر في فرنسا حيث أسس {سبل السلام} فرقة متخصصة في الإنشاد الديني.

يرافق ابو الحسن في حفلته هذا المساء {تخت التراث}، اروكسترا ذات مساحات سمفونية تأسست عام 1995 في باريس، اسسها عبد الرحمن كازول. ستقدم مقطوعات من النهضة الثقافية التي شهدتها القاهرة في القرن التاسع عشر.

حلب والموسيقى

يجمع النقاد الموسيقيون على أن حلب هي سيدة الموشحات العربية بعد سقوط غرناطة عام 1492. وخلال القرون الخمسة الماضية تطوّر هذا الفن وتفاعل مع عناصر البيئة المحلية، وأصبح للموشح الحلبي صورته الفنية المستقلة بالإيقاع والضرب والأداء والكلمة، وبلغ هذا التطور ذروته في القرن الماضي نصاً ولحناٍ وغناء.

ومن الفنون التي تتميز بها حلب القصيدة، الموّال، الأناشيد الدينية، الأغنية الشعبية، النوبة الأندلسية، فضلا عن الزوايا والتكايا الصوفية التي عرفت حلقات الذكر والأناشيد الدينية، من بينها {الزاوية الهلالية}برئاسة الشيخ جمال الدين الهلالي المتخصصة في الفن الصوفي منذ أربعة قرون، مدرسة الفن الموسيقي القائمة على أسس علمية منهجية يمثلها الشيخ علي الدرويش الذي يعتبر أستاذ أجيال عدة في سورية ومصر والعراق وتونس في التأليف والتلحين الموسيقي، وفي إحياء التراث الأندلسي والمشرقي والربط بينهما .‏ ‏

«تخت التراث»

أسس المغربي عبد الرحمن كازول فرقة «تخت التراث»، وهي تتألف من حوالي 50 منشداً، تشبعوا في معظمهم بتراث الغناء العربي الأصيل وعمقوا موهبتهم بالتخصص الأكاديمي. من ابرز أعمالها: {من وحي الغزل الصوفي، وهابيات نادرة مع تخت التراث، التراث تغني أم كلثوم، مغاربيات مع تخت التراث}.

أحيت الفرقة حفلات في باريس وعواصم أوروبية، واستقطبت جمهوراً واسعاً بعدما قرّبت هذا اللون من الغناء العربي إلى الناس لا سيما الشباب، فانضم كثر إليها وبات آخرون من جمهورها.

تأخذ الفرقة على عاتقها الحفاظ على التراث على اختلاف ألوانه، وتطعّم حفلاتها بأغانٍ بين القديم والجديد بما يناسب ذوق الجمهور وثقافة العصر.

تقدم الفرقة في حفلاتها موشحات اندلسية، أدواراً، أغاني لكبار المطربين العرب... وهي تعتمد في إنتاجها الفني على رصيد التراث الموسيقي العربي الكلاسيكي لأغلب الدول العربية، إضافة إلى الموشحات والموروثات الموسيقية الأندلسية، ويحظى التراث الموسيقي المصري باهتمام خاص لديها... هكذا صنعت الفرقة رصيدها، حاملة الوجه المشرق للحضارة العربيّة ــــ الإسلاميّة إلى فرنسا، في زمن التشنّجات السياسيّة والثقافيّة على اختلاف تجلياتها.

تحظى الفرقة بسمعة طيبة في الأوساط الفنية الفرنسية والعربية، لاهتمامها بالتراث الموسيقي والغنائي العربي، بغض النظر عن منبعه سواء كان عراقياً أو لبنانياً أو مغربياً.

عبد الرحمن كزول هو منشد الفرقة الأول، يرافقه طبيب من فلسطين ومهندس تونسي، إضافة إلى الكورال الذي يضم بين ثناياه أصواتاً متمكنة، تتقن الإنشاد وأصوله ولا ينقصها التطريب. يؤمن أعضاؤها بأنّ ممارسة الغناء والموسيقى، تجدّد نشاطهم خلال عملهم اليومي وأداء وظائفهم.