{مخابرات ومخدرات}... علاقات سيئة السمعة

الجيش الإسرائيلي... تاجر ممنوعات

نشر في 26-06-2016
آخر تحديث 26-06-2016 | 00:04
يعيش المرء في النور تحت ضوء الشمس، غير مدرك أن ثمة عوالم قائمة في الظلال والظلام، علاقات مشبوهة سيئة السمعة تدور في عالم الظلال.
تعمل المخابرات في الخفاء دوماً، كذلك تجار المخدرات، لذلك لم يكن من الصعب أن تتقاطع الطرق بين العالمين.
يتداخل رجل المخابرات مع تاجر المخدرات في تسويق تجارة الحشيشة والأفيون بهدف تدمير العقول، وإسقاط الأوطان من الداخل، وتبرع إسرائيل في هذه اللعبة القذرة، تسعى إلى تدمير قدرة العرب عبر رعاية تجارة المخدرات، عمليات استخباراتية يشارك فيها الجيش الإسرائيلي، فحرب السلاح لم تعد أولوية.
في هذه الحلقات نسلط الضوء على هذه الظلال فنبدد بعضها سعياً إلى كشف حقيقة العلاقة الشائكة بين «المخابرات والمخدرات».
بين كلمتي المخابرات والمخدرات أحد أنواع الموسيقى الداخلية، موسيقى تسميها كتب المدارس بـالجناس اللفظي. لكن العلاقة بينهما تتجاوز علاقات الأدب إلى مستويات أخرى تكشف انحطاط بعض النفوس البشرية. ورجل المخابرات «يستخدم» المخدرات كسلاح ترغيب وتخريب للحصول على المعلومات، فيما رجل المخدرات، المدمن أو التاجر أو المهرب، يتجسس على بلده وأهله، بل ويقتل أقرب الناس إليه، مقابل توفير أو تمرير «البضاعة». وهكذا، يعتقد كل منهما أنه هو من «استخدم» الآخر لتحقيق غايته المنحطة، والغاية عندهما تبرر الوسيلة، الغاية يرتكبان لأجلها أحط الجرائ.، وتعد إسرائيل صاحبة الباع الكبير في هذا المضمار، إذ كانت ولا تزال إحدى أهم الدول المنغمسة في تجارة المخدرات بهدف تدمير العقل العربي.

لا نسعى هنا إلى التأريخ لجهاز المخابرات الإسرائيلي المعروف في اللغة العبرية باسم «الموساد» أو التأريخ لجرائمه، وليست هي أيضاً كتابة تاريخ التجسس في العالم، لكننا نستطيع أن نتعقب حقيقة العلاقة «الخفية» بين المخابرات والمخدرات، وبالتالي حقيقة الدور السري لمخابرات العدو الإسرائيلي لأجل تدمير مصر وشبابها بالمخدرات والإرهاب والطائفية والإشاعات والطابور الخامس والميكروبات والإيدز والدولارات المزيفة.

من باب التذكير لمن باعوا الذاكرة: في المؤتمر القومي لمكافحة الإدمان، الذي انعقد بالقاهرة في العشرين من فبراير عام 1990، وقف اللواء صلاح حلبي، وكان وقتها مساعداً لوزير الدفاع في الجيش المصري، وقال بالحرف الواحد: «حرب المخدرات في مصر أخطر من حرب أكتوبر، لأن أعداءنا في هذه الحرب القذرة يستهدفون هزيمة مصر، وفرض إرادتهم عليها، وتدمير شبابها، واستنزاف اقتصادها، بعدما عجزوا عن قهر مصر في ساحات القتال، هكذا قالت صحف القاهرة يومها.

وبعدها بأكثر من عشرين عاماً، قال اللواء مراد موافي الذي صار بعد أشهر قليلة رئيساً للمخابرات العامة المصرية: «إسرائيل تهرب المخدرات، والممنوعات إلى مصر»، ذلك في حواره الخطير المنشور في 25 يوليو 2010 على صفحات جريدة «الشروق» المصرية، ونشرته بعنوان: «إسرائيل لن تكون «حنيّنة» على مصر، ولا على أهالينا البدو في سيناء»، وهو أيضاً، الحوار الذي لم يكذبه اللواء موافي حتى اليوم.

والآن: أرجوك تأمل هذه الشهادات جيداً، ليس لأنها تسمي الأشياء بأسمائها، وتتهم إسرائيل صراحة بتهريب المخدرات إلى مصر، بل لأنها منشورة في صحف مصرية، ومنسوبة إلى قياديين مصريين، كبيرين ومسؤولين، أحدهما كان قائداً كبيراً ومساعداً لوزير الدفاع في الجيش المصري، والآخر كان رئيساً للمخابرات العامة المصرية، وكلاهما بالطبع يدركان ما يقولان، ولم يصدر من أحدهما أي تكذيب لهذه التصريحات حتى الآن.

وثيقة خطيرة

«السيد المحترم: الأمين العام لجامعة الدول العربية...

أتشرف بالإحاطة أنني زرت بعض البلاد العربية وتركيا، في غضون شهري أغسطس وسبتمبر سنة 1954... وقد اتصلت بالمسؤولين في حكومتي لبنان وسورية، وتشرفت بمقابلة فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية، كما زرت تركيا، وتشرفت بمقابلة السادة مدير الأمن العام، ومساعده، ومدير شعبة مكافحة المخدرات. تحدثت إلى المسؤولين في هذه البلاد في شؤون مكافحة المخدرات، على ضوء ما تجمّع لديَّ من معلومات في هذا الشأن، ووضح لي من هذه المعلومات أن حالة بلاد الشرق الأوسط مهددة بتفشي ذريع للمخدرات يتطلب شيئاً جدياً من العناية والاهتمام... وأستطيع أن ألخص ملاحظاتي التي تمخضت عنها هذه الزيارة في الآتي:

ذكرت في تقريري السابق، أن إسرائيل «زرعت» مساحة كبيرة من أراضي فلسطين المحتلة بنبات الحشيشة في العام الفائت أي 1953 بجهة المثلث المتداخل لحدود المملكة الأردنية الهاشمية، وقد علمت أن إسرائيل لم تزرع في هذا العام نبات الحشيشة، اكتفاء بما يهرب إليها من حشيشة مجهزة عن طريق لبنان وسورية والأردن لتهريبها تباعاً إلى الأراضي المصرية.

أما في ما يختص بالمواد المخدرة البيضاء، فمن المقطوع به أن إسرائيل أنشأت بضعة مصانع صغيرة «لصناعة» الكوكايين، والهيرويين، والمواد المخدرة الصناعية التي تعمل على تهريبها إلى مصر، وإلى بعض بلاد الشرق الأوسط، وبعض البلدان العربية والأوروبية... وأحياناً تضع على عبوات هذه المخدرات أسماء لشركات «محترمة» بأوروبا. كذلك تعمل على تهريب المخدرات البيضاء إلى الولايات المتحدة بحراً عن طريق مرسيليا، وقبرص وجنوى، وجواً عن طريق المطارات التي تقصدها الطائرات التي تقلع عادة من المطارات الإسرائيلية.

ومما سبق: يتضح لسيادتكم، أن منطقة الشرق الأوسط مهددة بكارثة صحية واقتصادية، يجب المبادرة للعمل على إنقاذها منها فوراً. وإذا لم يعط لهذا الأمر أهميته، فثمة خطر محقق لا مناص منه، وسوف لا يعلم مداه إلا الله... وإني إذ أتقدم لسيادتكم بهذه المذكرة أرجو أن تتفضلوا بقبول وافر الاحترام».

هذا هو مضمون الوثيقة «السرية» التي يقترب عمرها الآن من الواحد والستين عاماً، والصادرة في سبتمبر 1954، والموقعة باسم اللواء عبد العزيز صفوت، ممثل مصر ورئيس المكتب الدائم لشؤون المخدرات التابع لإدارة الشؤون الاجتماعية والصحية، بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية، ويؤكد التقرير أننا، ومنذ أن زرعوا إسرائيل بيننا، مهددون بكارثة صحية واقتصادية.

بعد صدور هذه الوثيقة بأقل من ثلاث سنوات، في 3 يناير سنة 1957 ، قدم اللواء عبد العزيز صفوت، وكان لا يزال رئيساً لمكتب شؤون المخدرات، إلى أمين الجامعة العربية، وإلى «كل» الحكام العرب وقتها، تقريراً جديداً، حافلاً بأرقام ووقائع تؤكد أن إسرائيل ومخابراتها لا تزالان تهرّبان المخدرات إلى مصر وإلى الدول العربية المجاورة كافة، في سيارات الجيش الإسرائيلي. حتى صحف القاهرة، وقتها خرجت وفي صدر صفحتها عناوين صريحة، تفضح المدى الذي وصلت إليه «قذارة» الأسلحة التي تستعملها إسرائيل، وما زالت، ضد العرب.

ولمن لا يصدق يستطيع أن يعود إلى جريدة «أخبار اليوم» الصادرة في 23 يناير 1957، ليرى بنفسه أحد عناوينها: «جيش إسرائيل يشترك في تهريب المخدرات للجمهورية العربية المتحدة» (اسم الدولة المصرية وقتها)، وأسفل هذا العنوان كتبت جريدة «أخبار اليوم» ما نصه: «لأول مرة في التاريخ يشترك جيش دولة، في تهريب السموم السوداء إلى دولة أخرى، والجيش الذي ثبت قيامه بهذا العمل هو جيش إسرائيل، لأن القيم العسكرية في جيش إسرائيل غير معترف بها، خصوصاً بعدما اشتركت قوات هذا الجيش في عمليات تهريب المخدرات إلى الجمهورية العربية المتحدة، وهو ما يؤكد أن إسرائيل تلجأ إلى أحط سلاح لتحارب به الشعب العربي».

مصانع العنبر

وبعد تقرير «الأخبار» بأقل من خمسة أشهر، تحديداً في 8 مايو 1957، كان مدير إدارة مكافحة المخدرات في مصر آنذاك إبراهيم الترساوي، أكثر وضوحاً وأشد إيلاماً، حين قال للصحف صراحة «إن إسرائيل وحدها تهرّب ما يزيد على 70% مما يدخل مصر من مخدرات، وتقف أيضاً وراء زراعة الحشيشة والأفيون في المثلث المتاخم للحدود اللبنانية السورية، وأنشأت في حيفا وتل أبيب مصانع حديثة تسميها إسرائيل خداعاً مصانع «العنبر»، وتستخدمها سراً في تجهيز الحشيشة للتصدير، واستخلاص الهيرويين من الأفيون بمعاونة 46 يهودياً متخصصاً في المخدرات التخليقية، استقدمتهم الحكومة الإسرائيلية من فرنسا وبلغاريا والمكسيك لتشغيل هذه المصانع التي أصبح إنتاجها يزيد على 50 طناً شهرياً، تُهرّب إلى مختلف الدول العربية بمعرفة عملاء إسرائيل. أما قوافل المخدرات، التي يتم تهريبها إلى غزة ومنها إلى مصر، فأغلبها يأتي عبر إسرائيل في سيارات الجيش الإسرائيلي، وتحت حراسته.

وفي 3 يونيو 1961، أعلن مدير حرس الحدود، اللواء محمد فؤاد الدجوي، بأن قواته ضبطت ثلاثة أطنان من الحشيشة قادمة من إسرائيل عن طريق البحر، بعدما تلقى معلومات تفيد بأن المخابرات الإسرائيلية تنوي تهريب كمية كبيرة من المخدرات إلى مصر عن طريق بعض العملاء، وبالتنسيق مع العقيد عبد الستار عرفة قائد مخابرات السواحل المصرية آنذاك تمت مهاجمة مركب المهربين أثناء دخوله إلى منطقة الزيتية، ودارت بينهم معركة بالرصاص أسفرت عن ضبط المركب، وفيه ثلاثة أطنان و171 كيلوغراماً من الحشيشة و811 كيلوغراماً من الأفيون، بالإضافة إلى ضبط المهربين الذين اعترفوا تفصيلاً بدور المخابرات الإسرائيلية في تهريب المخدرات إلى مصر، وإلى غيرها من البلدان العربية.

وفي أرشيف وزارة الداخلية المصرية، تقرير آخر أخطر وأهم، مكتوبة عليه عبارة «محدود التداول» ومودع في خزانة وثائق دار الوثائق المصرية عام 1964 تحت رقم (8253). لا تكمن خطورة التقرير في أنه صادر عن وزارة الداخلية، كأحد أهم الأجهزة الأمنية في مصر، فحسب، إنما في أنه وثيقة رسمية تتهم إسرائيل بأنها: «تهرّب المخدرات إلى مصر في سيارات الجيش الإسرائيلي»، وكأن الأخير تحوّل إلى تجار مخدرات، وتتهمها أيضاً بكل ما تتحاشى ذكره «صراحة» الوثائق المشابهة التي تصدر هذه الأيام عن الوزارة نفسها، رغم كثرة ما نسمع منها يومياً عن خطورة المخدرات على أمن الوطن والمواطن.

ورغم أن إسرائيل التي يتهمها تقرير وزارة الداخلية عام 1964 بتهريب المخدرات إلى مصر، هي نفسها إسرائيل التي لم تعد تكتفي، بعد اتفاقية كامب ديفيد، بإنهاك مصر داخليا بالمخدرات فحسب، بل أضافت إليها الإرهاب والطائفية والإيدز والأسلحة المهربة والبذور الممرضة والأسمدة الفاسدة والدولارات المزيفة، في ظل «أمان» كامب ديفيد وسلامه، على أي حال: تعالوا ننشط ذاكرة وزارة الداخلية هذه الأيام، ونقرأ عليها بعضاً مما سبق أن أوردته في تقرير رسمي عام 1964.

تقول وزارة الداخلية المصرية: «ليس غريبا أن تسلك إسرائيل في محاربتها لمصر مسلكاً وضيعاً، خصوصاً أنها لا تستنكف أن ترتكب أبشع الجرائم الإنسانية في سبيل تحقيق أهدافها. وتنفيذاً لذلك المسلك الوضيع، فتحت إسرائيل أبوابها للمهربين الخونة الذين طاوعتهم ضمائرهم المعدومة على أن يغامروا بوطنهم على مائدة المطامع الصهيونية، واتخذت إسرائيل من أراضي فلسطين المحتلة جسراً لتهريب الأفيون التركي، والحشيشة اللبنانية إلى مصر عبر البحر الأحمر وشبه جزيرة سيناء. وفتحت تلك السياسة الصهيونية، أبواباً جديدة غير تلك التي كانت قد أغلقت في وجوه المهربين، ولم تكتف إسرائيل بتسهيل إنزال المخدرات إلى شواطئ فلسطين المحتلة، والإذن بمرورها في الأراضي الفلسطينية، بل سمحت بنقلها في سيارات الجيش الإسرائيلي من أقصى حدود فلسطين الشمالية إلى حدود مصر الشرقية».

(يتبع)

ضريبة إسرائيلية
اعتبرت إسرائيل تهريب المخدرات سلاحاً ذا حدين، إذ وجدت في المهربين أنفسهم من يوفر عليها عناء استخدام هذا السلاح المدمر، وأبت إسرائيل إلا أن تحقق ربحاً مادياً من عمليات التهريب، ففرضت ضريبة سرية قدرها أربعة جنيهات عن كل أقة من المخدرات، تسمح بمرورها إلى مصر عبر إسرائيل، وبالطبع قبل المهربون أداء تلك الضريبة عن طيب خاطر، ما داموا سيأخذون أضعاف أضعافها، من أموال وأرواح ضحاياهم. لكن الربح المادي الذي تحققه إسرائيل مقابل تسهيلها أعمال تهريب المخدرات والممنوعات، لا يمكن أن يقارن بما تهدف إسرائيل إلى تحقيقه من تدمير الشعب العربي وتحطيم معنوياته، وتبديد مطامحه في أوهام وخيالات مريضة، تشغله عن قضايا وطنه، فلا يفيق من غيبوبة المخدرات وخيالاتها، إلا وقد تاه عقله، وأصبح مطية ذليلة لكل راكب.

ربما يجهل معظمنا أن اتفاقية «كامب ديفيد» التي يسمونها اتفاقية «سلام»، تحظر على قواتنا المسلحة حقها في الوجود «الكامل» بكل أسلحتها في «كل» أرض سيناء. ومن يومها أصبحت حدود «المحروسة» على مصراعيها أمام المخابرات الإسرائيلية وعملائها، وبات من السهل عليهم، أن يندسوا بيننا كلما أرادوا، وأن يهربوا لنا ما شاؤوا، ووقتما يشاؤون، فلا يمر شهر تقريباً، إلا وتطالعنا الصحف ووكالات الأنباء في زمن كامب ديفيد، بنبأ ضبط إحدى محاولات إسرائيل تهريب المخدرات أو الإيدز أو الأسلحة أو البذور الفاسدة أو الدولارات المزيفة إلى مصر.

نعود إلى حديث الإحصاءات. في عام 1997، أنجز إحصاء يفقأ عيوننا جميعاً ويكشف أن لدينا الآن في الوطن العربي ستة ملايين مدمن، و362 ألف قضية و42 ألفاً و253 كيلو من نبتة الحشيشة و16 مليون قرص مخدر و56 ألفاً و954 متهماً، وإذا عرفنا أن الهيئات الدولية لمكافحة المخدرات تقول إن المضبوط من المخدرات يمثل نحو 10 في المئة مما يدخل سرا أي بلد من البلدان، وإذا ضربنا كل هذه الأرقام السابقة في 10، لن نكتشف حجم «المصيبة» التي تحاصرنا، فحسب، بل خطورة الدور الذي تؤديه المخابرات الإسرائيلية وعملاؤها من المهربين والإرهابيين لتدمير العرب، ليس بالمدافع والطائرات فحسب، إنما بالمخدرات والجنس والإيدز والإرهاب وغيرها من أسلحة قذرة في ظل سياسة التطبيع، والتركيع التي يسمونها «السلام».

مصانع «العنبر» السلاح السري لإغراق المنطقة العربية بالحشيشة

إسرائيل تزرع مساحة كبيرة من أراضي فلسطين المحتلة بالحشيشة

إسرائيل سمحت بنقل المخدرات في سيارات الجيش من أقصى حدود فلسطين إلى حدود مصر الشرقية

تقرير لسنة 1957 يكشف أن 70% من المخدرات في مصر قادمة من إسرائيل
back to top