«الإعدام السياسي» يرفع الغطاء عن مجلس الأمة
خلق تعديل مجلس الأمة لقانون الانتخاب بحرمان المسيء للذات الإلهية والأنبياء والذات الأميرية من المشاركة في الانتخابات موجة رفض غير مسبوقة على مستوى التيارات السياسية والشارع العام، إذ إنه من الحالات القليلة - لاسيما في السنوات الأخيرة - أن يكون هناك إجماع سياسي ضد قانون، بينما تكون هناك أغلبية نيابية تؤيده، وهو ما أفقد المجلس غطاءه السياسي والشعبي.ورفض كل من التحالف الوطني الديمقراطي ونوابه، والمنبر الديمقراطي الكويتي، والحركة الدستورية الإسلامية، والتيار التقدمي الكويتي وحركة العمل الشعبي، في بيانات متفرقة، قانون «الإعدام السياسي» كما أطلق عليه إعلامياً، بينما صوت نائبا التحالف الإسلامي، سيد عدنان عبدالصمد ود. خليل عبدالله، وممثل تيار العدالة والسلام النائب صالح عاشور ضده، كما انتقده النائب عن التجمع السلفي عبدالرحمن الجيران ولم يصوت معه.ولم تكن المواقف الدستورية والقانونية من «الإعدام السياسي» أقل حدة، إذ رأى الخبير الدستوري أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق في جامعة الكويت د. محمد الفيلي أن هذا التعديل يتناسب مع الأنظمة الانتخابية الشيوعية، بينما أكد الخبير الدستوري عميد كلية القانون الدولية د. محمد المقاطع أنه «غير دستوري»، ويتفق معهم الخبير الدستوري رئيس قسم القانون العام في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. خليفة الحميدة بقوله إن القانون يتضمن العديد من الملاحظات ويجب على المجلس إعادة النظر فيه.
الجدير بالذكر أن الخبراء الفيلي والمقاطع والحميدة أعضاء في الهيئة الدستورية لمجلس الأمة، ولم تتم استشارتهم في دستورية هذا التعديل.وبقراءة خارطة الرفض، فإن جميع التكوينات، من العلمانية والليبرالية إلى الإسلامية بشقيها السني والشيعي، والآراء الدستورية والقانونية، كان لها موقف معارض، بينما كان الضوء الأخضر لإقراره بأصوات نواب مستقلين بدعم الكتلة الحكومية. واعتبرت المواقف السياسية أن هذا التعديل يهدف إلى إقصاء وحرمان شخصيات سياسية لها وزنها في الساحة من الترشح إلى الانتخابات المقبلة، لا دفاعاً عن الذات الإلهية والأنبياء والذات الأميرية كما هو معلن، إذ إن العقوبات لم تغلظ في قوانين الجزاء بل إن المجلس أقر عدة قوانين تطرقت إلى عقوبات المسيء إلى الذات الإلهية والأنبياء والأمير دون التطرق إلى حقي الترشح والانتخاب، ومنها قانونا الجرائم الإلكترونية والإعلام الإلكتروني.ورغم نفي بعض النواب هذا الأمر، وتأكيدهم أن التعديل لن يطبق بأثر رجعي، فإن التصريحات الحكومية وبعض النواب كشفت النوايا الحقيقية من «الإعدام السياسي».واستبق وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الشيخ محمد العبدالله الإجراءات الدستورية بتصديق سمو الأمير على القانون بتأكيده أن الحكومة ستطبق التعديل على كل من يثبت في صحيفته الجنائية حكم نهائي بالإساءة، وهو ما يكشف النوايا الحكومية المستعجلة للتخلص من ترشح الشخصيات السياسية المعارضة.وجاءت التصريحات النيابية أكثر تحديداً للمستهدفين السياسيين من التعديل، إذ يقول النائب د. عودة الرويعي إن التعديل «ليس موجهاً ضد أحد، وإذا كان موجهاً ضد أحد فهو موجه فقط لمن يرغب في الانتخابات وفق نظام الصوت الواحد»، وهذه الحالة لا تنطبق إلا على النواب السابقين مسلم البراك وفلاح الصواغ وخالد الطاحوس وبدر الداهوم.أما النائب علي الخميس فأشار إلى أن القانون سيحرم النائب السابق محمد الصقر من الترشح، بقوله: «أبناء التحالف الوطني يعتقدون أن قيامتهم قد قامت بعد هذا القانون بسبب أنهم اكتشفوا رموزاً لهم مدانين بالإساءة للذات الإلهية».ورغم أن النائبين السابقين، محمد الصقر ومسلم البراك، لم يعلنا نيتهما الترشح للانتخابات المقبلة، فإن التعديل أقر ليقطع عليهما الطريق مبكراً ويقصيهما من الحياة البرلمانية، بحسب ما يراه المراقبون السياسيون ويتفق معه أغلب معارضي التعديل الذين يشككون كذلك في دستوريته، لعدم نصه على شرط السماح بالترشح «إلى أن يرد له اعتباره» الوارد في فقرة المنع لمن أدين بعقوبة جنائية.تراهن الحكومة والنواب المؤيدون لـ»الإعدام السياسي» على عامل الوقت والعطلة الصيفية المقبلة، ليكون التعديل واقعاً تشريعياً يحقق أهدافهم بعد انتهاء حملة معارضته، بينما يناشد المعارضون سمو الأمير استخدام صلاحياته الدستورية بردّ القانون لتخفيف اللغو في بعض التشريعات كما فعل بقانون «إعدام المسيء»، وهو القرار الذي كان مثار إشادة محلية ودولية، ويبقى للمعارضين أيضاً طريق المحكمة الدستورية للطعن فيه.