تلوح الحملة العالمية لقطع الشرايين المالية للإرهاب وكأنها تحقق نجاحات لا تخطئها العين، فتنظيم "داعش" بدأ الضعف يدب فيه، وحزب الله أخذت العقوبات المصرفية تخنق رقبته، ولكن المنطق الثأري للإرهاب ما زال محتفظا بحيويته، ذاك أن فظائع الإرهاب التي تتولد عنها أعمال الثأر هي نفسها أعمال ثأرية، وعلى النحو الذي استعرضته الجماعات الإرهابية سواء الطليقة أو تلك التي تتبناها دول وأنظمة، فقد صنعت نمطا أصبح الآن مألوفا للغاية، عنوانه العريض جنون تحركه الكراهية. الكراهية تأخذ في التمدد من حولنا، وهي تتغذى على مشاعر الاحتقار والإحساس بالجرح والمهانة التي تكتسب لدى جماعات أهلية بعدا ماضويا، وعلى هذا النحو يغدو الإرهاب بشكل دقيق استجابة لما كان سببا له في البدء. كما أنه في واقع الحال اعتداء من الطرف الضعيف غير القادر على الفعل الذي لا يحركه سوى غضب عارم يجعله على استعداد لأن يبذل حياته في تدمير من يكره.
وفي منطقة تميل إلى تغليب الغرائزي والبدائي في قضايا الموت والحياة، يذهب كثيرون إلى وصف الإرهاب بالمرض الخبيث الذي يتوجب استئصاله، فضلا عن التعامل مع ارتكاباته بمنطق جماعاتي يلوذ بقاعدة العين بالعين والسن بالسن. وهذا المنطق الذي أصبح يتفهم تجاوزات جماعات أهلية بحق جماعات أخرى على أنه من حتميات مناطحة الإرهاب، إنما يبدد الأمل في تأسيس بيئة طاردة للإرهاب.إن جزءا من المبادرات الناجعة لمواجهة أخطار الإرهاب هو في تقديم العون إلى المجتمعات التي ينشأ الإرهاب في داخلها للحيلولة دون تناميه، ومساعدتها على التطور، وعلاج جراحات الاحتقار، وتحقيق ضرب من التواصل القوي بينها وبين المجتمع العالمي المتعاون مع بعضه بعضا. وإجراءات كهذه لن ترمي الإرهاب من النافذة، ولكنها مع ذلك ستحدّ منه، وتجعل منه فعلا طارئا ودخيلا.وخلافا للاستجابات الصارمة المألوفة، ثمة معالجة تتبدى- دون أدنى شك- الأكثر صوابية، وهي تتلخص في بناء الدولة على أسس قانونية ودستورية يحصل فيها الأفراد على حقوقهم بشكل تلقائي، مصحوبا بزم الميل إلى كسر القوانين والأعراف وإعادة صوغها بما يخدم فئات بعينها.إن أساس المجتمع الحر ينهض على رفض التغاضي عن أي انتهاكات للتعاقد الاجتماعي الذي يتيح للناس التعايش سويا، والإرهاب، وبخاصة في استهدافه المدنيين، هو شر بحدّ ذاته وهجوم على قلب ذلك التعاقد، والثأر القانوني منه يتمثل بجلب الإرهابيين إلى العدالة ومن ثم معاقبتهم وفقا لما هو منصوص عليه في العقد الاجتماعي الذي حاولوا تدميره، أما الاستجابة الخاطئة للإرهاب فهي التصدي له بإرهاب مماثل، لأن في ذلك تحطيماً للعقد الذي اجتمع عليه المدنيون، والذي هو- في المقاييس كافة- أكثر أهمية من الغضب الآني أو المظلومية الماضية.
مقالات
عن معركة الإرهاب
26-06-2016