وجهة نظر: الكويت والشوفينية الصاعدة
منذ أن فاز رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بانتخابات 2013، وهو يعد بالتفاوض على شروط عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه، وعندما فاز المحافظون بأغلبية ساحقة في انتخابات مجلس العموم في مايو 2015 التزم كاميرون بإجراء استفتاء شعبي على هذا الأمر، وتحدد منذ ديسمبر الماضي موعد هذا الاستفتاء في يونيو الجاري. إن من المستهجن حقا على صعيد دول مجلس التعاون ألا يحظى هذا الاستفتاء باهتمام خاص قبل ظهور نتيجته. فالعلاقات التاريخية العريقة التي تربط هذا الاقليم ببريطانيا، وخصوصا الكويت، واتساع رقعة المصالح الاقتصادية المشتركة وكبر حجم التجارة البينية والاستثمار الخارجي بين الطرفين، تبرر اهتماما استثنائيا من جانب دول التعاون بهذا الاستفتاء، ولكن لم نر أي تفاعل اقليمي أو اهتمام معلن بالآثار المتوقعة على دول المنطقة من احتمالية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.إن من المؤكد أن للزلزال السياسي الذي أحدثه الاستفتاء الشعبي البريطاني تداعيات عميقة وواسعة لن تتوقف عند حدود الصدمة التي تعصف بأسواق العملات والبورصات العالمية، بل قد تمتد إلى احتمالات تفكك المملكة المتحدة ذاتها، وتصدع الاتحاد الأوروبي، بل وأفول نجم التعافي الاقتصادي العالمي الهش الذي ترتب على الاستخدام المكثف لأداة التيسير النقدي في الولايات المتحدة وأوروبا بعد تفجر الأزمة المالية العالمية في 2008.
هذه مجرد عناوين عريضة للتداعيات السلبية التي قد تترتب على نتيجة هذا الاستفتاء الذي يشكل قفزة في المجهول. وسيترتب على مثل هذه التداعيات آثار سلبية جديدة على اقتصادات الدول المصدرة للموارد الطبيعية التي تمر أصلا بمرحلة ركود منذ عام 2014. وهذا عامل اقتصادي شديد الأهمية كان جديرا بدول مجلس التعاون أن تعيه مبكرا وأن تعد له عدته. ولكن الأخطر من هذا التداعي الاقتصادي هو ذلك الانقسام العرقي الذي عبرت عنه نتائج الاستفتاء، اذ صوتت مناطق الغالبية الانكليزية الصرفة لمصلحة الخروج من الاتحاد، بينما صوتت المناطق التي تتداخل فيها نسب ملموسة من الأقليات للبقاء. ولاشك في أن اصطفاف حشد كبير من المحافظين المتشددين الى جانب حزب الاستقلال اليميني الذي قاد حملة شرسة من أجل خروج بريطانيا من أوروبا، عبر أطروحات اتسمت بنزعة عنصرية معادية للمهاجرين الذين اتهموا بسرقة وظائف البريطانيين الأقحاح، لهو أمر لافت وباعث على القلق. ورغم حسن النية لدى عدد كبير ممن صوتوا الى جانب خروج بريطانيا من الاتحاد، إلا أن نتيجة التصويت تدل على تفوق "نزعة الكراهية" الانكليزية لأوروبا، والتي وصفها ديغول يوما، عندما كان رافضا لانضمام بريطانيا الى السوق الأوروبية، بأنها الشرارة التي تهدد وحدة أوروبا. وقد يجد البعض مبررا لهذه النتيجة، اذ من الطبيعي أن تمتعض بريطانيا وهي ثاني أكبر وأهم اقتصاد أوروبي بعد ألمانيا من آلية اتخاذ القرار الأوروبي في دول منطقة اليورو التسع عشرة، قبل عرضه على باقي دول المنظومة ومنها بريطانيا.
السياسة الخارجية مستقرة ولكن
صحيح أيضاً أن السياسة الخارجية البريطانية لن تتأثر كثيرا بخروج بريطانيا من دائرة الاتحاد الأوروبي، إذ حافظت بريطانيا على استقلالية سياستها الخارجية منذ أن أصبحت عضوا في المنظومة الأوروبية عام 1973، وظلت في مواقفها السياسية أقرب، على الدوام، الى خيارات البيت الأبيض، لا خيارات بروكسل. وكانت واشنطن ترى في بريطانيا، ولا تزال، حليفها الاستراتيجي الأقوى في أوروبا، والذي استطاع على مدى 43 عاماً من وجوده في المنظومة الأوروبية أن يحافظ على قدم له في أوروبا وثانية في الضفة الأخرى من الأطلسي.لكن المقلق الآن هو أن صعود هذه النزعة القومية الشوفينية والتوجهات اليمينية المتطرفة في بريطانيا، يترافق مع ضجيج النزعة القومية العنصرية للمرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسية الأميركية دونالد ترامب الذي اشتهر خلال حملاته الانتخابية بإطلاق التصريحات المعادية للمسلمين ولبلدان خليجية منها الكويت، وخصوصا إدانته لمشاركة الولايات المتحدة في حرب تحرير الكويت "دون مقابل". فإذا تحقق سيناريو وصول ترامب الى البيت الأبيض في انتخابات نوفمبر وترافق ذلك مع وصول بوريس جونسون (المحافظ) عمدة لندن السابق الى رئاسة الحكومة البريطانية في أكتوبر وهو الذي اشتهر بحملته الفظة ضد المهاجرين وضد بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي ووصفه لبيروقراطية الاتحاد بدكتاتورية نابليون وهتلر ومهاجمته للمسلمين في مقالاته التي أعقبت هجمات لندن الانتحارية عام 2005. لقد بات تحقق هذا السيناريو، في هاتين الدولتين الحليفتين التقليديتين لدول التعاون، أمراً شديد الاحتمال. أفلا يستحق هذا الأمر اهتماماً استثنائيا من جانب دول الإقليم عامة والكويت بشكل خاص؟*أستاذ الاقتصاد- جامعة الكويت