طلاق بريطانيا من أوروبا فاجأ الجميع

قال خبراء في الاقتصاد واستطلاعات الرأي ومديرو صناديق استثمار إن هذا التحول الكبير كان مفاجأة مدوية لكثير من المستثمرين، وأبرز مدى ما يواجهونه من صعوبات في التحوط لمثل تلك الصدمات.

نشر في 27-06-2016
آخر تحديث 27-06-2016 | 00:04
No Image Caption
كانت توقعات الكل تقريبا خاطئة من المراهنين في لندن إلى مديري الاستثمارات في الولايات المتحدة، فقد جاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي صدمة للخبراء والمستثمرين والساسة على حد سواء، ليؤكد صعوبة التنبؤ بمثل هذه الأحداث النادرة.

وعلى موقع بريدكتت، المتخصص في المراهنات على الأحداث السياسية على الانترنت، وتديره جامعة فيكتوريا في ولنجتون بنيوزيلندا مع شركاء في الولايات المتحدة، كان المراهنون يقدرون احتمال فوز معسكر مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بنسبة 16 في المئة، الخميس، عندما انتهت عملية الإدلاء بالأصوات في بريطانيا.

وخلال أربع ساعات فقط من بدء فرز الأصوات قفزت هذه النسبة إلى 90 في المئة.

تحول كبير

وقال خبراء في الاقتصاد واستطلاعات الرأي ومديرو صناديق استثمار إن هذا التحول الكبير كان مفاجأة مدوية لكثير من المستثمرين، وأبرز مدى ما يواجهونه من صعوبات في التحوط لمثل تلك الصدمات حتى بمساعدة أدوات مثل صناديق المؤشرات أو لوغاريتمات الكمبيوتر المصممة لرصد خلاصة آراء الناخبين على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقال ديفيد روتشايلد، الاقتصادي في مايكروسوفت للأبحاث، إن التنبؤ بنتيجة استفتاء الخميس الماضي أصعب من التنبؤ بنتيجة انتخابات عامة بسبب عدم وجود أي بيانات تاريخية للاستفادة منها، مضيفا أن خبراء استطلاعات الرأي لم يلتفتوا بما يكفي للطبقة العاملة والناخبين الأقل حظا من التعليم.

فعلى سبيل المثال تعتبر مدينة سوندرلاند، حيث يوجد أكبر مصانع السيارات في بريطانيا، مؤشرا للاتجاهات فيما بين الناخبين من العمال، وقد فاجأت الكل بشدة لتأييدها للخروج من الاتحاد الأوروبي، وعندما أعلنت نتيجة التصويت فيها في بداية إعلان النتائج في تلك الليلة انخفض الجنيه الإسترليني بشدة.

ولم يكن روتشايلد، الذي توقع أن تختار بريطانيا البقاء في الاتحاد الذي انضمت إليه عام 1973، وحده فيما ذهب إليه من توقعات بل كان معه كثيرون.

إرباك

وقال مصدر مطلع على متابعة وكالات المخابرات الأميركية لحملة الدعاية للاستفتاء إن نتيجة الاستفتاء أربكت هذه الوكالات، مضيفا: "كلنا في حيرة".

وذكر ديفيد جيليك، كبير خبراء استراتيجيات الاستثمار لدى جيتواي انفستمنت للاستشارات، ان ارتفاعا حدث بحلول منتصف الأسبوع في الطلب على خيارات البيع لمؤشر ستاندرد آند بورز 500، فيما أشار إلى تزايد عدد المستثمرين المراهنين على انخفاض في الأسواق أو للتحوط من مثل هذا السيناريو.

ومع ذلك ففي حين ظلت استطلاعات الرأي تتأرجح صعودا وهبوطا وتشير إلى تقارب النتيجة كانت آراء المراهنين تميل باستمرار لصالح معسكر البقاء.

ولأن مكاتب المراهنات كانت أفضل أداء من مؤسسات استطلاع الرأي في التنبؤ بنتائج الانتخابات العامة الأخيرة وبنتيجة الاستفتاء على استقلال أسكتلندا جاء انتصار معسكر الخروج من الاتحاد بنسبة 52 إلى 48 في المئة بمثابة صدمة.

وشهدت أسواق الأسهم العالمية والجنيه الإسترليني هبوطا شديدا يوم الجمعة بعد ليلة صعبة.

وقال ديفيد وليامز، المتحدث باسم شركة لادبروكس للمراهنات، "لم يحدث من قبل قط في تاريخنا الممتد 130 عاما أن شهدنا ليلة حدث فيها مثل هذا التطور الكبير في المراهنات".

تغير جذري

وأفادت بورصة بتفير للمراهنات بأن التوقعات كانت تشير إلى أن احتمالات البقاء تبلغ 94 في المئة حتى إغلاق مراكز التصويت، لكن هذا تغير تغيرا جذريا في الساعات الأولى من صباح الجمعة، عندما بدأت النتائج الأولية تتواتر.

وأكد اثنان من المحللين في سوق المراهنات ان إحدى النظريات تشير إلى أن بعض المراهنين الأكثر ثراء كانوا من أشد أنصار معسكر البقاء وراهنوا على الفوز، مضيفين ان مراهنة هؤلاء المؤيدين للبقاء في الاتحاد بمبالغ أكبر كان له أثره على التوقعات والمدركات العامة بشأن النتيجة.

وقال روتشايلد، الزميل الباحث أيضا بمركز الإحصاءات التطبيقية في جامعة كولومبيا، إنه يتوقع تحسن التنبؤات مع التحول من استطلاعات تستخدم عينات عشوائية صغيرة من الناس إلى عينات ضخمة من خلال الانترنت تقترن بها بيانات ثرية عن التوزيعات السكانية.

وأضاف: "إذا كان عندي مليون مشارك وكمية كبيرة من البيانات السكانية فيجب علي أن أتمكن من توقع النتائج بشكل أفضل وإلا فلست خبير إحصاء متمكنا".

الصين: خروج بريطانيا زاد الغموض بالنسبة للأسواق

قال وزير المالية الصيني لوه جي وي امس إن تصويت بريطانيا بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي زاد الغموض بالنسبة للأسواق، لكنه وصف رد فعل الأسواق في الآونة الأخيرة بأنه "مفرط"، في وقت من المحتمل أن تظهر التبعات الحقيقية لهذا التصويت خلال ما بين 5 و10 سنوات.

وأدلى لوه بهذه التصريحات في أول اجتماع سنوي للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية في بكين.

وقال إن قرار بريطانيا بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي سيلقي بظلاله على الاقتصاد العالمي... المضاعفات والنتائج ستظهر خلال ما بين 5 و10 سنوات"، مضيفا: "من الصعب التكهن الآن. رد الفعل التلقائي للسوق ربما كان مفرطا إلى حد ما، ويتعين عليها أن تهدأ وتتخذ وجهة نظر موضوعية".

وهبطت أسواق الأسهم في شتى أنحاء العالم في أعقاب الاستفتاء، في حين هبطت أيضا قيمة الجنيه الاسترليني.

وقال تشو شاو شي رئيس اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، أعلى هيئة تخطيط اقتصادي في الصين، امس، إن الشركات الصينية قد تميل "للانتظار والترقب" لمعرفة تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قبل أن تقرر ضخ استثمارات في بريطانيا. إلا أن تشو أضاف على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة تيانجين شمال الصين إن تأثير نتيجة استفتاء بريطانيا على الاقتصاد الصيني سيكون محدودا.

ردات فعل متباينة لكبرى الشركات العالمية

توالت ردات الفعل المتباينة لرؤساء كبرى الشركات العالمية في قطاعات مختلفة من لندن إلى باريس إلى طوكيو، بعد صدور نتيجة الاستفتاء الذي أجرته بريطانيا لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي.

وفي قطاع الطيران ردات الفعل كانت سلبية، فقد حذرت الشركة الأم لـ"بريتش أيرويز"، "إنترناشيونال كونسوليديند إيرلين جروب" من أن الخروج من الاتحاد الأوروبي سيخفض معدل نمو الأرباح هذا العام.

من جانبه، أعلن الرئيس التنفيذي لـ"إيرباص"، توماس اندير، أن الوضع يعتبر خسارة لبريطانيا ولأوروبا، مشيرا إلى أن الشركة ستعيد النظر في استراتيجيتها الاستثمارية في المملكة المتحدة.

وتوقع رئيس التسويق في الطيران الاقتصادي ريانا أير ارتفاع أسعار التذاكر على المسافر البريطاني.

شركات الإعلانات

من جانب آخر، جاءت ردات الفعل سلبية أيضا من شركات الإعلانات، حيث صرح الرئيس التنفيذي لشركة بابليكس الفرنسية ميزريس ليفي بأن "الشركة ستعيد النظر في خططها الاستثمارية في المملكة المتحدة وفيما كانت الشركة تدرس فتح مراكز في بريطانيا الأمر الآن غير وارد. فسوق الإعلانات سيعاني بالتأكيد".

من جانبه، أكد الرئيس التنفيذي لشركة الإعلانات والعلاقات العامة البريطانية "دبليو بي بي" أن القرار خلق حالة من الغموض الشديد الذي سيؤدي إلى تباطؤ في النشاط الاقتصادي وفي اتخاذ القرارات.

وشملت ردات الفعل السلبية أيضا قطاع الصحة وتصنيع الأدوية، حيث أعلنت مجموعة "باير" الألمانية أن القرار بمنزلة ضربة قوية وموجعة لأوروبا وبداية لعدم اليقين في بريطانيا.

في قطاع تصنيع السيارات وقطعها ردات الفعل كانت متباينة. فشركة اكسيدي كوربرت، التي تصنع قطعا للسيارات أكدت ان الشركة تدرس نقل مكتبها من بريطانيا الى أوروبا القارية.

تنافسية الأعمال

شركة "فورد موتورز" الأميركية كانت أكثر تريثا، مؤكدة أن الشركة ستتخذ كل الإجراءات اللازمة لضمان تنافسية أعمالها في أوروبا.

شركة "بي أم دبليو" الألمانية التي تصنع سيارات "ميني كوبر" و"رولز رويز" في بريطانيا أكدت ان التأثير لن يكون واضحا إلا بعد التفاوض على اتفاقيات التجارة الجديدة. فيما أكدت "تاتا موترز" الهندية أنها تنوي العمل مع الحكومة البريطانية للتأكد من ان الصناعة تبقى تنافسية.

أما في قطاع التصنيع الحديد فعبر الرئيس التنفيذي لشركة "ألكوا" الأميركية عن خيبة أمله بالقرار، مشيرا إلى أن التكامل العالمي وفر الأمن والثروات لمعظم الدول. وأنه يجب الاستمرار في هذا النهج لخلق مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

في القطاع المصرفي ردات فعل هادئة من البعض رغم أهمية قرار الخروج بالنسبة لها، حيث صرح الرئيس التنفيذي لـ"غولدمان ساكس" بأن البنك لديه تاريخ طويل من التكيف مع التغيير، وأنه سيعمل مع السلطات المعنية عندما تصبح شروط الخروج واضحة.

مجموعة "سوسيتي جنرال" الفرنسية أكدت أن لندن ستبقى مركزا ماليا عالميا.

وفي قطاع الطاقة أكدت "بي بي" أن القرار لن يؤثر بشكل كبير على عملياتها أو استثماراتها في بريطانيا وأوروبا، ولن يؤدي إلى تغيير المركز الرئيسي للشركة.

اليابان تتأهب بعد«الجمعة الأسود»

قالت رئيسة مجلس أبحاث السياسات في الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم في اليابان تومومي اينادا امس إنه ينبغي للحكومة اتخاذ خطوات جريئة للتعامل مع ارتفاع الين في أعقاب قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي.

ويعد تصريح اينادا أحدث مؤشر على أن الحكومة قد تتدخل للسيطرة على صعود الين.

وذكرت صحيفة نيكي اليومية أن اينادا، التي تمثل موقف الحزب الحاكم من القضايا السياسية، قالت أثناء نقاش مع مسؤولي سياسات من أحزاب أخرى بثته هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية: "المضاربة والتحركات العنيفة (في أسواق العملة) لها آثار سلبية للغاية. وإذا تطلب الأمر ينبغي ألا تتردد الحكومة في التعامل بما في ذلك التدخل في سوق العملة".

وظلت الأسواق المالية اليابانية في حالة تأهب قصوى بعد صعود الين، الذي يعد ملاذا آمنا إلى 99.00 ينا مقابل الدولار يوم الجمعة، بعد التصويت بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهي المرة الأولى التي يهبط فيها الدولار لأدنى من 100 ين منذ نهاية عام 2013.

ودفع هذا وزير المالية تارو آسو لأن يحذر يوم الجمعة من أن الحكومة ستتعامل وفقا لما يتطلبه الأمر مع التقلبات العنيفة في العملة. (رويترز)

استطلاعات الرأي تأرجحت صعوداً وهبوطاً في إشارة إلى تقارب النتيجة
back to top